د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilaalfaki@hotmail.com
مبدأ الشراكة الاستراتيجية قائم على وجود حد معقول من المصالح المشتركة بين دولة ما ودولة أخرى في نفس الإقليم أو خارجه. وتشمل المصالح المشتركة القطاعات الرئيسية في الدولة: السياسية (وتشمل الدبلوماسية)، العسكرية والأمنية، الاقتصادية، العلمية والمعلوماتية، الإعلامية، البيئية، والإنسانية.
معنى هذا أن علينا ألا ننظر لجانب واحد من العلاقة لنقرر إقامة شراكة استراتيجية. على سبيل المثال إذا كان حجم التبادل التجاري بيننا ودولة ما كبيراً جداً ويتفوق على ما سواه، فإن هذا غير كاف لإقامة شراكة استراتيجية مع هذه الدولة دون النظر للعوامل الأخرى. وأبرز مثال على هذا علاقتنا مع دولة الامارات العربية المتحدة، حيث تبلغ قيمة التبادل التجاري بيننا وهذه الدولة 4.4 مليار دولار، حيث نصدر لها بقيمة 2.3 مليار دولار، ونستورد منها بقيمة 2.1 مليار دولار، وفقاً لآخر إحصاءات رسمية متاحة. برغم هذا التبادل التجاري الكبير الذي يتفوق على ما عداه، الا أن هذا وحده غير كاف لأن مصالحنا تتقاطع مع هذه الدولة في الوقت الحالي سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
وعلى هذا فإن تقرير أي الدول أولى بالشراكة الاستراتيجية يجب أن يكون محل تفكير جمعي من العلماء والمفكرين في قطاعات السياسة والدبلوماسية، الجيش والأمن، الاقتصاد، الاعلام، المعلومات والتقانة، البيئة، وقطاع الشؤون الإنسانية. تفكير مبني على المعلومات والإحصاءات وليس مجرد تفكير انطباعي أو رغائبي أو أيدلوجي.
ان وزن القطاعات الرئيسة المذكورة أعلاه، في الاستراتيجية الكلية، يختلف ما بين قطاع وآخر، وهو يمكن أن يكون محل نقاش مكثف داخل خلية التخطيط الاستراتيجي، غير أنه من المتفق عليه أن يحصل المحور الأمني على أعلى معدل يليه العنصر السياسي فالاقتصادي.
داخل كل قطاع على حدة تكون هناك دراسة علمية قائمة على المعلومات المؤكدة. على سبيل المثال في المحور العسكري والأمني يجب تحديد ورصد قيمة وعمق العلاقة ما بين الجيش السوداني وجيش الدولة المعنية، التدريبات المشتركة، مصادر المعدات العسكرية لكل جيش، الاستخدام المشترك للموانئ والمطارات. ثم رصد لقيمة وعمق العلاقة ما بين الأجهزة الأمنية والاستخبارية في البلدين، التبادل والتعاون المعلوماتي، التدريبات المشتركة، الملفات الأمنية ذات الاهتمام المشترك، العمليات الأمنية المشتركة.
أما في المحور الاقتصادي فإن عناصر التحليل تشمل حجم الاقتصاد للدولة المعنية، وحجم التبادل التجاري معها، وسهولة نقل السلع والخدمات ما بين دولتنا والدولة المعنية، سهولة تحريك الأموال، اتفاقيات التبادل العلمي والتدريب ونقل المعرفة.
مثل هذه الدراسات المعمقة هي التي تحدد وتنير الطريق أمام متخذ القرار، أي الدول أجدى لعمل الشراكة الاستراتيجية معها: الصين، مصر، السعودية، روسيا، إيران، أم نعود أدراجنا لأحضان الولايات المتحدة واتفاقيات برايتون وودز؟ في المقال القادم نفصل. والله ولي التوفيق.