هبه محمود صادق فريد
في خضم واقع يثقل كاهل الوطن بالحرب والنزوح والمعاناة، يبرز حدث عقد امتحانات الشهادة السودانية كإشارة ضوء ساطعة في نفق مظلم، ومغزى عميق يتجاوز حدود العملية التعليمية ليصل إلى عمق الوجدان الوطني. فمجرد انعقاد هذه الامتحانات في هذا التوقيت العصيب يُعد إنجازاً كبيراً وانتصاراً مؤسسياً وشعبياً جاء نتيجة تضافر جهود متعددة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الداعمة، ليؤكد أن السودان ما زال قادراً على الحياة رغم الجراح.
إن إجراء الامتحانات في ظل الحرب ليس مجرد حدث إداري، بل هو هزيمة للخراب ولمن أرادوا طمس ذاكرة الأمة وتعطيل مسيرة شبابها. هو رسالة قوية بأن التعليم في السودان سيظل عصياً على الانكسار، وأن جيل المستقبل لن يسمح لقعقعة السلاح أن تُخرس صوت القلم والمعرفة.
أما أولئك الطلاب والطالبات الذين جلسوا للامتحان رغم النزوح والتشريد واللجوء، فقد جسّدوا معنى الصمود الحقيقي، وكتبوا فصلاً من فصول الكرامة والإصرار. لقد قاوموا اليأس، وانتصروا على الخوف، وأثبتوا أن الإيمان بالعلم هو أعمق سلاح في وجه الهزيمة.
ويزداد المشهد بهاءً حين تتصدر إحدى الطالبات اللاجئات في أسوان قائمة المتفوقين و تحقق النسبة الأعلى و تكون الاولى على الشهادة السودانية، لتصبح قصتها رمزاً للأمل، ودليلاً على أن الإرادة الإنسانية لا تعرف حدوداً. إن تحقق هذا التفوق في ظل ظروف اللجوء القاسية هو انتصار مضاعف، ليس لها وحدها، بل لكل سوداني وسودانية يؤمن بأن الأمل لا يموت.
التحية لكل من جلس للامتحان، ولكل أبٍ وأمٍ دعموا أبناءهم رغم الصعاب، فهم الوقود الحقيقي لصمود هذا الجيل. والتحية موصولة للمسؤولين وكل من ساهم وسهر وساند، من داخل الوطن وخارجه، ولكل منظمةٍ جعلت من دعم التعليم وسيلة لبقاء السودان واقفاً رغم العواصف.
إن ما جرى لم يكن مجرد امتحانٍ في القاعات، بل كان امتحاناً لإرادة وطن بأسره، وها هو السودان، رغم الجراح، ينجح مرة أخرى، و كما قال الشاعر المجيد محجوب شريف:
بحضرة جلالك يطيب الجلوس
مهذب أمامك يكون الكلام
لأنك محنك عميق الدروس
مجيد المهابة مديد القوام
شبابك تشابك شديد الزحام
أراهم وراهم غبار الحياه
مداين تعاين كأمّ العروس
تهلل تكلل جبين الإمام
رزازاً يبلل أغانى الخليل
أصدق كلامك حقيقه وبخاف
أخاف الطريق اللى ما بودى ليك
وأعاف الصديق اللى ما بهم بيك
معاك انتظارى ولو بالكفاف
وعنك بعيداً أبيت الرحيل
وبيك اعتزاز الصباح الجميل
جميع الأغانى اتكالن عليك
