اليسار اللا تاريخي والدولة السوداني

د. معتصم أقرع
📍بعد إندلاع الحرب السودانية، أرتفع نقاش عن الدولة والجيش ..
وظهر تيار يقول بضرورة التخلص منهما فرادى أو معا بتهمة فسادهما المطلق.
بل وشمت البعض من ترنّح الدولة وجيشها أمام ضربات الغزاة، ولم يقلِق منامهم أن ترنّح منظوميتها أتى في حزمة إستعمارية من الأغتصاب والتهجير والسلب والإذلال والإفقار لملايين السودانيين.
📍وإذا دار الحوار واثبت محاور أن إنهيار الدولة أو الجيش (علي عيوبهما غير المُختلف عليها) فان الواقع الذي سيبرز سيكون أسوأ، هرب الداعون إلى هدم الدولة والجيش إلي القول ب ..
هو الجيش ذاتو وينو؟
والدولة وينها ؟
الجيش إنهار
والدولة إنهارت..!!
وهكذا يدغمس القضية، ويهرب إلى سؤال آخر.
📍السؤال الأول يتعلق بهل الجيش والدولة مؤسسات ضرورية أم زائدة عن الحاجة لنلقي بهما في صندوق القمامة.
📍ولا يمكن الهروب من هذا السؤال إلى قضية أخرى، تحت غبار (هو الجيش ذاتو وينو؟ والدولة وينها ؟ الجيش إنهار والدولة إنهارت) لان هذا سؤالا أخرا.
📍 فلو إتفقنا على الجيش والدولة كضرورة وجودية؛ نكون معها كسودان أو لا نكون، يمكن أن ننتقل لنقاش أسباب ضعفهما وعيوبهما وكيفية تجاوز هذه العيوب وزيادة فعاليتهما وإنسانيتهما
📍 أما إذا كان الموقف بان الجيش والدولة؛
_عقبات يجب حرقها والتخلص منها
_أو الوقوف موقف الحياد وهما يترنحان أمام غزو خارجي همجي
_والشماتة فيهما وفي من اعتقد بأهميتهما..
فان النقاش حول إصلاحهما يصبح بلا داع ولا معني.
📍لذا يجب فرز..
_سؤال: ضرورة الجيش/الدولة ..
_من سؤال: ضعفهما وعيوبهما.
علما بان كل تكوينات الشعب السوداني تعاني من عيوب لا تقل فداحة عن عيوب الجيش والدولة –
_من الفرد،
_إلي الأسرة،
_إلي القرية،
_إلي المدينة،
_إلي شركة القطاع الخاص،
_إلى منظمات المجتمع المدني،
_إلي هراء الأسافير وسايكوباثيات الوتسب، وهلم جرّا.
📍ولكن الداعين إلى هدم الدولة والجيش، أو تركهما للسقوط علي سنابك الغزاة .. نراهم أحيانا لو دخلوا في جحر نظري، يهربون إلى قضية اخرى، وسؤالا أخرا، مرتبطا، ولكنه منفصل وهو سفسطة (هو الجيش ذاتو وينو؟ والدولة وينها ؟ الجيش إنهار والدولة إنهارت).
📍الداعون إلي هدم الدولة، التي لا يقوم لها عماد بلا جيش في عالم اليوم، بالذات في جغرافية السودان الإقليمية، عادة ما ينطلقون من وَعي لا-تاريخي عن نقد اليسار الكوني للدولة، وضرورة تجاوزها.
📍في أدبيات اليسار الغربي، وغيره، تاتي الدعوة (لتجاوز) الدولة، (بعد أن تنجِز) كل مهامها التاريخية في فضاءات ..
_السياسة
_والحقوق
_والاقتصاد
_والتنمية.
📍ويتم تجاوزها .. 👈🏼(بهضم) كل إنجازها الأيجابي الرائع وتطويره،
👈🏼وإسقاط (عيوبها) التاريخية.
🫵🏻 وهذا هو التجاوز الجدَلي (التاريخي إلي الامام)، الذي لا علاقة له بالتجاوز (الجزافي إلي الوراء).
📍وهنا تبرز قضية الفهم التاريخي للمجتمعات ..فكل الظواهر تاريخية كما بين ماركس وقبله هيغل وغيرهما من الفلاسفة.. وهذا يعني أن الدولة ظاهرة (تاريخية) لم تكن موجودة دائما، ولكنها ولدت في فترة تاريخية معيّنة ولعبت دورا كبيرآ ومعقّدا في دفع حياة البشر إلي الامام وكانت طفرة إيجابية مقارنة مع ما سبقها.
📍كما أحدثت نفس هذه الدولة الكثير من الألام.
📍الجدلية تدرك أن الجانب المشرق والاخر المظلم يوجدان في نفس الظاهرة ..
🫵🏻 والذهول عن الوجه المشرق، بنفس حماقة الذهول عن الجانب المظلم.
📍والعقل الفلسفي يدرك كلا الجانبيين
ويدرك تغيّر أوزانهما النسبية مع حركة التاريخ.
📍وايضا هناك جانبا جدليا أخرا غائبا عن عقول دعاة هدم الدولة، يتعلق بالقول بان الدولة (أداة في يد الطبقة الحاكمة لقهر الآخرين وإستغلالهم).
وهذا صحيح ولكنه ليس كل الرواية.. لان أي إنسان يعرف عن الجدل، يدرك أن نفس هذه الدولة كانت ..
_أولا ضرورة تاريخية دفعت المجتمع إلي الامام.
_ومع إنها أداة قمع طبقي، إلا أنها في نفس الوقت تحمي الضعفاء من عسف الأقوياء فلا يستطيع قوي إغتصاب فتاة ولا ضرب فقير.
فحكم القانون، رغم عِلّاته، وجذوره الطبقية، إلا أنه أيضا يحمي الضعفاء.
📍وتحمي الدولة الفقير بتوفير التعليم وحد أدني من الصحة وبقوانين الحد الأدني للأجور وحقوق العمل وإجازة الأمومة ومنع الرق وتوفير المعاش التقاعدي وتشييد البُنى التحتية التي تسمح بظهور قطاع خاص يوفر فرص العمل وكسب العيش للضعفاء
📍وتضع الدولة القوانين التي تحمي الراسمالي المستثمر حتي يؤسس الشركات التي توفر فرص العمل للشباب والكبار.
وفي غياب الحماية القانونية لن ياتي مستثمر من داخل وخارج. وهكذا.
📍وغياب بعض من إنجازات الدولة في السودان، لا يعني هدمها أو اللامبالاة أمام غزاة يهدمونها
🫵🏻 وإنما يعني تقويتها، لتكمل مهامها التاريخية
📍وبعد ذلك يمكننا النقاش حول كيفية تجاوزها إلي تقنيات تنظيم إجتماعي أرقي، بدلا عن هدمها المتعجّل الذي يعيدنا إلي بربريات ما قبل الدولة ويفتح الطريق لذهاب أراضي السودان بثرواتها إلى صالح قوى أجنبية
🫵🏻تسعدها حماقات السودان النظرية والسياسية، كما تسعدها عمالات الكمبردور.
📍المراقب المنطلق من الواقع – وليس من قناعات مسبقة واجبة التركيب حتي حيث لا تناسب – لا يصعب عليه أن يعترف بان الدولة السودانية قبل الحرب بلغت أسوأ حالاتها أيام حكم البشير. هذا صحيح.
📍ولكن الصحيح أيضا أنه في وجود تلك الدولة كانت الحياة تسير في كل مناطق السودان الخالية من حرب الهويّات المعتوهة وكان الشباب في الخرطوم يذهب للجامعات ويتسكع في المقاهي وشارع النيل – كما يجب. صحيح أن النظام كان يتنمر عليهم بالقبض والجلد أحيانا ولكن هذا التضييق لا يمكن مقارنته بحال الشباب اليوم داخل السودان وخارجه.
📍وفي أيام دولة البشير كانت صحف المعارضة تنشر وتبيع وكان محترفو الأنجوة وحقوق الانسان يسافرون عبر مطار البشير إلى ورشات حقوق الانسان ومؤتمراتها، وكان النظام يضايقهم بالتحرش والسجن أحيانا وكثيرا، ولكنهم كانوا في النهاية يذهبون إلى بيوتهم ويذهب الصحفي لصحيفته والاستاذ إلى جامعته والمحامي إلى مكتبه وصاحب الأنجوة إلى أنجوته، ويتكاثرون ويزورون الأقارب ويرسلون أطفالهم للمدارس والجامعات وياخذون أمهاتهم وأجدادهم إلى المستشفيات.
📍وكان سودانيو المَهاجر يهجون النظام بألسِنة حداد ثم يتوجهون إلى السودان في الأعياد والإجازات ويدخلون عبر مطار البشير ويقضون العطلات مع الأسرة والأصدقاء ويخرجون إلى مهاجرهم عبر نفس مطار البشير ليواصلوا نقدهم المستحق لنظامه من جميع أركان الارض.
🫵🏻واستباقا للسفسطة الدعائية فان قولنا هذا، لا يذهل عما كان يحدث في أقاليم الحرب ولا للطبقات الأشد فقرا.
📍في تاريخية الأشياء خذ على سبيل المثال أكثر أقاليم العلم تطورا..
_الإتحاد الأوروبي، لم يتجاوز الدولة بعد، بل شيدت دّوَله سوبر دولة سمّتها الأتحاد الأوربي.
_الولايات المتحدة قارة توحّدت فيها خمسين ولاية أو نحو ذلك وخلقت سوبر دولة.
_وكذلك الصين ميليارية السكان.
_أو روسيا، أكبر دولة علي سطح الأرض مساحة. وهكذا.
📍ثم قارن ذلك بأحوال البشر في ..
_أماكن إنهيار الدولة مثل الصومال وهاييتى وليبيا.
_وتذكّر حال الدول التي بها دولة ولكنها ضعيفة – أو ما يعرف بظاهرة الدولة الرخوة – مثل معظم دول أفريقيا.
📍ولا ننسي أن أهم واسرع واعظم تجربة تنموية في التاريخ قادتها وتقودها دولة صينية مذهلة الكفاءة علي سُدّتها أحفاد ماو ودينق شاوبينغ, ذلك الثعلب الماركسي الذي دخل التاريخ كاحد أهم المصلحين في مسيرة الإنسانية.
📍إرتباط قدرة مجتمع على الدفاع عن نفسه وتحقيق درجة من الرفاه الأقتصادي، بوجود دولة قوية قادرة على تنظيم المجتمع وإنفاذ القوانين من الوضوح بحيث، لا يحتاج إلى درس عصر.
📍من المفارقات في السياسة الأمريكية (والغربية عموما) – وهي ليست مفارقة لمن أدرك أبجديات الفلسفة السياسية ..
_أن اليسار صاحب القدح المعلّى في نقد الدولة تاريخيا، هو الداعي لتقوية الدولة وزيادة دورها في تنظيم الحياة الأقتصادية.
>وان أقصي اليمين، المعروف بالتحرريين، يدعو إلي، تقزيم دور الدولة إلي أدنى حد ممكن.
_ومن كليشيهيات هذا اليمين التحرري القول بضغط وتقزيم حجم الدولة حتى يمكن إستيعابها في بانيو الحمام.
📍النظرة السطحية للأمور قد تشي بان ..
_اليمين التحرري، أكثر راديكالية بالمعنى الايجابي للجذرية.
_ولكن اليسار الذي قام بواجبه المنزلي النظري، يعرف أن إنحسار الدولة في توازن القوى الحالي؛ ينقل مركز القرار ..
👈🏼من حكومة لا تستطيع تجاهل مطالب الشعب بصورة كاملة
👈🏼إلى شركات هي في الحقيقة مؤسسات شمولية، غير منتخبة راسية، شبه فاشية، لا توجد فيها ولا ذرة من الديموقراطية.
وهذ الإنحسار؛ رِدّة حضارية، وليس تطورا جذريا.
ولاحظ أن الرئيس الأرجنتيني الحالي، خافيير ميلي الاناركي الراسمالي الأكثر عداء للدولة، ينحدر من أشد أطياف اليمين رجعية وحماقة.
📍كما أن برامج التكيف الهيكلي التي ظل البنك الدولي والصندوق يبشّرا بها تركّز على إضعاف دور الدولة الإقتصادي لصالح السوق والقطاع الخاص.
ولم نر يسار أناركي أو جذري يحتفل بتحجيم الدولة على يد البنك والصندوق
لان السياق والمرحلة التاريخية هما ما يحدّد الموقف السليم من دور الدولة.
📍بنفس المنطق، فان إنهيار الدولة في السودان تحت سنابك الغزاة، المدعومة بلا-مبالاة مثقفين تم تحييدهم بفضل تخليطات نظرية ..
_من يسار لا-تاريخي
_أو دعاية غزاة مموّلة بسخاء ..
📍إنهيار الدولة هكذا ..
_سيكون ردّة حضارية وفناء السودان كما نعرفه، إلى الأبد
_ولن يكون موت الدولة والجيش مدخلا لمجتمع تتحسن فيه الحريات وأسباب الحياة ..
🫵🏻 إلا في خيال بلغت خصوبته درجات لا قبل لنا بها.
📍في موضوع البناء القاعدي ..
_أتفق مع الأطروحة وأدعمها نظريا وعمليا ما أمكن.
_ولكن أختلف مع بعض أصحابها في إعتقادي بان البنيات القاعدية المحلية علي أهميتها وضرورة التبشير بها ..
🫵🏻ليست بديلا للدولة وجيشها.
وانه في غياب كيان الدولة الأوسع والجيش الحامي، ستذهب هذه التكوينات شمار في مرقة وسيجغمها الغزاة وأخدامهم المحلّيون زوت.
📍ولا ننسى أن هناك الكثير من المحليات القاعدية تعتبر أن تدخل المرأة في السياسة؛ رجس من عمل الشيطان، فليس كل كيان محلي صغير، أكثر نُبلا من الدولة.
📍كما لا ننسي أن التنظيمات القاعدية التي بلغت ذروة قوتها بإسقاط البشير، لم تستطع منع وقوع السلطة في أيد جماعات رجعية عندها الخيانة وجهة نظر، ولا تمد جذورها إلا إلي الخارج، ثم قادت هندستها السياسية الجهولة لحرب ضروس.
📍وفي حال إنهيار الدولة:
_لا أعرف كيف يسافر سوداني للخارج لعلاج أو تعليم أو زيارة أقارب أو ترويح، وهو يحمل جواز سفر صادر من اللجنة القاعدية لجذرية أم عضام، ريفي المسلمية التابعة للحصاحيصا كاونتي.
_ولا أدري ما هي الدول المستنيرة المستعدة لقبول سوداني بمثل هذه الأوراق الثبوتية الجذرية .
📍من نافلة القول أن السفر إلى الخارج ليس من أولويات حياة المعذّبين في الأرض ولكن أورد المثال في سبيل العبرة، فقد قعّد الكلام المثقف المتميز قصي همرور الذي بيّن مرارا وتكرارا أن هناك خدمات أساسية فائقة الأهمية تقوم بها الدولة، ويستحيل علي كيانات محلية قاعدية أو غيرها أن تقوم بها.
📍لذلك فان الموقف الصحيح هو ..
👈🏼نعم للبناء القاعدي
❌ولكن ليس كنقيض؛ ناف للدولة وجيشها.
📍أختم بإقتباس من مقال قصي همرور الأخير وهو مكتوب واجب القراءة ومبذول في أول رابط. يقول قصي:
“أما من ناحية النظريات الثورية، التاريخية النقدية، فهي في جملتها تتوافق على ..
_أن تجاوز تناقضات الدولة العصرية أمر ضروري وهدف واضح ..
بيد أنه يكون عبر ظهور نماذج (أوسع وأكثر كفاءة) في استيعاب تعقيدات العصر الحديث وفض تناقضاته بتكنولوجياه ولوجستياته وثقافاته ومصالحه وعملياته،
❌وليس عبر اللامبالاة بتفكيك الدولة ك”حَرَدان” (وهو حردان موضعي
_إذ نكاد حاليا ننتقد الدولة كظاهرة تاريخية كوكبية، وفق أداء الدولة السودانية فحسب
_بينما الدولة السودانية أحد أسوأ نماذج الدولة العصرية ولا تصلح ممثلا لها).
📍تجاوز ظاهرة الدولة يكون عبر التحرك للأمام نحو نموذج أوسع وأشمل،
👈🏼يصطحب إنجازاتها
👈🏼ويتسامى على احتقاناتها
🫵🏻وليس عبر الهجرة العكسية في التاريخ نحو نماذج وتناقضات ما قبل الدولة…. وللحديث شجون.”
إعادة نشر
أغسطس ٢٠٢٤✍🏻 *د. معتصم أقرع*
⭕ *اليسار اللا-تاريخي والدولة السودانية‼️*
📍بعد إندلاع الحرب السودانية، أرتفع نقاش عن الدولة والجيش ..
وظهر تيار يقول بضرورة التخلص منهما فرادى أو معا بتهمة فسادهما المطلق.
بل وشمت البعض من ترنّح الدولة وجيشها أمام ضربات الغزاة، ولم يقلِق منامهم أن ترنّح منظوميتها أتى في حزمة إستعمارية من الأغتصاب والتهجير والسلب والإذلال والإفقار لملايين السودانيين.
📍وإذا دار الحوار واثبت محاور أن إنهيار الدولة أو الجيش (علي عيوبهما غير المُختلف عليها) فان الواقع الذي سيبرز سيكون أسوأ، هرب الداعون إلى هدم الدولة والجيش إلي القول ب ..
هو الجيش ذاتو وينو؟
والدولة وينها ؟
الجيش إنهار
والدولة إنهارت..!!
وهكذا يدغمس القضية، ويهرب إلى سؤال آخر.
📍السؤال الأول يتعلق بهل الجيش والدولة مؤسسات ضرورية أم زائدة عن الحاجة لنلقي بهما في صندوق القمامة.
📍ولا يمكن الهروب من هذا السؤال إلى قضية أخرى، تحت غبار (هو الجيش ذاتو وينو؟ والدولة وينها ؟ الجيش إنهار والدولة إنهارت) لان هذا سؤالا أخرا.
📍 فلو إتفقنا على الجيش والدولة كضرورة وجودية؛ نكون معها كسودان أو لا نكون، يمكن أن ننتقل لنقاش أسباب ضعفهما وعيوبهما وكيفية تجاوز هذه العيوب وزيادة فعاليتهما وإنسانيتهما
📍 أما إذا كان الموقف بان الجيش والدولة؛
_عقبات يجب حرقها والتخلص منها
_أو الوقوف موقف الحياد وهما يترنحان أمام غزو خارجي همجي
_والشماتة فيهما وفي من اعتقد بأهميتهما..
فان النقاش حول إصلاحهما يصبح بلا داع ولا معني.
📍لذا يجب فرز..
_سؤال: ضرورة الجيش/الدولة ..
_من سؤال: ضعفهما وعيوبهما.
علما بان كل تكوينات الشعب السوداني تعاني من عيوب لا تقل فداحة عن عيوب الجيش والدولة –
_من الفرد،
_إلي الأسرة،
_إلي القرية،
_إلي المدينة،
_إلي شركة القطاع الخاص،
_إلى منظمات المجتمع المدني،
_إلي هراء الأسافير وسايكوباثيات الوتسب، وهلم جرّا.
📍ولكن الداعين إلى هدم الدولة والجيش، أو تركهما للسقوط علي سنابك الغزاة .. نراهم أحيانا لو دخلوا في جحر نظري، يهربون إلى قضية اخرى، وسؤالا أخرا، مرتبطا، ولكنه منفصل وهو سفسطة (هو الجيش ذاتو وينو؟ والدولة وينها ؟ الجيش إنهار والدولة إنهارت).
📍الداعون إلي هدم الدولة، التي لا يقوم لها عماد بلا جيش في عالم اليوم، بالذات في جغرافية السودان الإقليمية، عادة ما ينطلقون من وَعي لا-تاريخي عن نقد اليسار الكوني للدولة، وضرورة تجاوزها.
📍في أدبيات اليسار الغربي، وغيره، تاتي الدعوة (لتجاوز) الدولة، (بعد أن تنجِز) كل مهامها التاريخية في فضاءات ..
_السياسة
_والحقوق
_والاقتصاد
_والتنمية.
📍ويتم تجاوزها .. 👈🏼(بهضم) كل إنجازها الأيجابي الرائع وتطويره،
👈🏼وإسقاط (عيوبها) التاريخية.
🫵🏻 وهذا هو التجاوز الجدَلي (التاريخي إلي الامام)، الذي لا علاقة له بالتجاوز (الجزافي إلي الوراء).
📍وهنا تبرز قضية الفهم التاريخي للمجتمعات ..فكل الظواهر تاريخية كما بين ماركس وقبله هيغل وغيرهما من الفلاسفة.. وهذا يعني أن الدولة ظاهرة (تاريخية) لم تكن موجودة دائما، ولكنها ولدت في فترة تاريخية معيّنة ولعبت دورا كبيرآ ومعقّدا في دفع حياة البشر إلي الامام وكانت طفرة إيجابية مقارنة مع ما سبقها.
📍كما أحدثت نفس هذه الدولة الكثير من الألام.
📍الجدلية تدرك أن الجانب المشرق والاخر المظلم يوجدان في نفس الظاهرة ..
🫵🏻 والذهول عن الوجه المشرق، بنفس حماقة الذهول عن الجانب المظلم.
📍والعقل الفلسفي يدرك كلا الجانبيين
ويدرك تغيّر أوزانهما النسبية مع حركة التاريخ.
📍وايضا هناك جانبا جدليا أخرا غائبا عن عقول دعاة هدم الدولة، يتعلق بالقول بان الدولة (أداة في يد الطبقة الحاكمة لقهر الآخرين وإستغلالهم).
وهذا صحيح ولكنه ليس كل الرواية.. لان أي إنسان يعرف عن الجدل، يدرك أن نفس هذه الدولة كانت ..
_أولا ضرورة تاريخية دفعت المجتمع إلي الامام.
_ومع إنها أداة قمع طبقي، إلا أنها في نفس الوقت تحمي الضعفاء من عسف الأقوياء فلا يستطيع قوي إغتصاب فتاة ولا ضرب فقير.
فحكم القانون، رغم عِلّاته، وجذوره الطبقية، إلا أنه أيضا يحمي الضعفاء.
📍وتحمي الدولة الفقير بتوفير التعليم وحد أدني من الصحة وبقوانين الحد الأدني للأجور وحقوق العمل وإجازة الأمومة ومنع الرق وتوفير المعاش التقاعدي وتشييد البُنى التحتية التي تسمح بظهور قطاع خاص يوفر فرص العمل وكسب العيش للضعفاء
📍وتضع الدولة القوانين التي تحمي الراسمالي المستثمر حتي يؤسس الشركات التي توفر فرص العمل للشباب والكبار.
وفي غياب الحماية القانونية لن ياتي مستثمر من داخل وخارج. وهكذا.
📍وغياب بعض من إنجازات الدولة في السودان، لا يعني هدمها أو اللامبالاة أمام غزاة يهدمونها
🫵🏻 وإنما يعني تقويتها، لتكمل مهامها التاريخية
📍وبعد ذلك يمكننا النقاش حول كيفية تجاوزها إلي تقنيات تنظيم إجتماعي أرقي، بدلا عن هدمها المتعجّل الذي يعيدنا إلي بربريات ما قبل الدولة ويفتح الطريق لذهاب أراضي السودان بثرواتها إلى صالح قوى أجنبية
🫵🏻تسعدها حماقات السودان النظرية والسياسية، كما تسعدها عمالات الكمبردور.
📍المراقب المنطلق من الواقع – وليس من قناعات مسبقة واجبة التركيب حتي حيث لا تناسب – لا يصعب عليه أن يعترف بان الدولة السودانية قبل الحرب بلغت أسوأ حالاتها أيام حكم البشير. هذا صحيح.
📍ولكن الصحيح أيضا أنه في وجود تلك الدولة كانت الحياة تسير في كل مناطق السودان الخالية من حرب الهويّات المعتوهة وكان الشباب في الخرطوم يذهب للجامعات ويتسكع في المقاهي وشارع النيل – كما يجب. صحيح أن النظام كان يتنمر عليهم بالقبض والجلد أحيانا ولكن هذا التضييق لا يمكن مقارنته بحال الشباب اليوم داخل السودان وخارجه.
📍وفي أيام دولة البشير كانت صحف المعارضة تنشر وتبيع وكان محترفو الأنجوة وحقوق الانسان يسافرون عبر مطار البشير إلى ورشات حقوق الانسان ومؤتمراتها، وكان النظام يضايقهم بالتحرش والسجن أحيانا وكثيرا، ولكنهم كانوا في النهاية يذهبون إلى بيوتهم ويذهب الصحفي لصحيفته والاستاذ إلى جامعته والمحامي إلى مكتبه وصاحب الأنجوة إلى أنجوته، ويتكاثرون ويزورون الأقارب ويرسلون أطفالهم للمدارس والجامعات وياخذون أمهاتهم وأجدادهم إلى المستشفيات.
📍وكان سودانيو المَهاجر يهجون النظام بألسِنة حداد ثم يتوجهون إلى السودان في الأعياد والإجازات ويدخلون عبر مطار البشير ويقضون العطلات مع الأسرة والأصدقاء ويخرجون إلى مهاجرهم عبر نفس مطار البشير ليواصلوا نقدهم المستحق لنظامه من جميع أركان الارض.
🫵🏻واستباقا للسفسطة الدعائية فان قولنا هذا، لا يذهل عما كان يحدث في أقاليم الحرب ولا للطبقات الأشد فقرا.
📍في تاريخية الأشياء خذ على سبيل المثال أكثر أقاليم العلم تطورا..
_الإتحاد الأوروبي، لم يتجاوز الدولة بعد، بل شيدت دّوَله سوبر دولة سمّتها الأتحاد الأوربي.
_الولايات المتحدة قارة توحّدت فيها خمسين ولاية أو نحو ذلك وخلقت سوبر دولة.
_وكذلك الصين ميليارية السكان.
_أو روسيا، أكبر دولة علي سطح الأرض مساحة. وهكذا.
📍ثم قارن ذلك بأحوال البشر في ..
_أماكن إنهيار الدولة مثل الصومال وهاييتى وليبيا.
_وتذكّر حال الدول التي بها دولة ولكنها ضعيفة – أو ما يعرف بظاهرة الدولة الرخوة – مثل معظم دول أفريقيا.
📍ولا ننسي أن أهم واسرع واعظم تجربة تنموية في التاريخ قادتها وتقودها دولة صينية مذهلة الكفاءة علي سُدّتها أحفاد ماو ودينق شاوبينغ, ذلك الثعلب الماركسي الذي دخل التاريخ كاحد أهم المصلحين في مسيرة الإنسانية.
📍إرتباط قدرة مجتمع على الدفاع عن نفسه وتحقيق درجة من الرفاه الأقتصادي، بوجود دولة قوية قادرة على تنظيم المجتمع وإنفاذ القوانين من الوضوح بحيث، لا يحتاج إلى درس عصر.
📍من المفارقات في السياسة الأمريكية (والغربية عموما) – وهي ليست مفارقة لمن أدرك أبجديات الفلسفة السياسية ..
_أن اليسار صاحب القدح المعلّى في نقد الدولة تاريخيا، هو الداعي لتقوية الدولة وزيادة دورها في تنظيم الحياة الأقتصادية.
>وان أقصي اليمين، المعروف بالتحرريين، يدعو إلي، تقزيم دور الدولة إلي أدنى حد ممكن.
_ومن كليشيهيات هذا اليمين التحرري القول بضغط وتقزيم حجم الدولة حتى يمكن إستيعابها في بانيو الحمام.
📍النظرة السطحية للأمور قد تشي بان ..
_اليمين التحرري، أكثر راديكالية بالمعنى الايجابي للجذرية.
_ولكن اليسار الذي قام بواجبه المنزلي النظري، يعرف أن إنحسار الدولة في توازن القوى الحالي؛ ينقل مركز القرار ..
👈🏼من حكومة لا تستطيع تجاهل مطالب الشعب بصورة كاملة
👈🏼إلى شركات هي في الحقيقة مؤسسات شمولية، غير منتخبة راسية، شبه فاشية، لا توجد فيها ولا ذرة من الديموقراطية.
وهذ الإنحسار؛ رِدّة حضارية، وليس تطورا جذريا.
ولاحظ أن الرئيس الأرجنتيني الحالي، خافيير ميلي الاناركي الراسمالي الأكثر عداء للدولة، ينحدر من أشد أطياف اليمين رجعية وحماقة.
📍كما أن برامج التكيف الهيكلي التي ظل البنك الدولي والصندوق يبشّرا بها تركّز على إضعاف دور الدولة الإقتصادي لصالح السوق والقطاع الخاص.
ولم نر يسار أناركي أو جذري يحتفل بتحجيم الدولة على يد البنك والصندوق
لان السياق والمرحلة التاريخية هما ما يحدّد الموقف السليم من دور الدولة.
📍بنفس المنطق، فان إنهيار الدولة في السودان تحت سنابك الغزاة، المدعومة بلا-مبالاة مثقفين تم تحييدهم بفضل تخليطات نظرية ..
_من يسار لا-تاريخي
_أو دعاية غزاة مموّلة بسخاء ..
📍إنهيار الدولة هكذا ..
_سيكون ردّة حضارية وفناء السودان كما نعرفه، إلى الأبد
_ولن يكون موت الدولة والجيش مدخلا لمجتمع تتحسن فيه الحريات وأسباب الحياة ..
🫵🏻 إلا في خيال بلغت خصوبته درجات لا قبل لنا بها.
📍في موضوع البناء القاعدي ..
_أتفق مع الأطروحة وأدعمها نظريا وعمليا ما أمكن.
_ولكن أختلف مع بعض أصحابها في إعتقادي بان البنيات القاعدية المحلية علي أهميتها وضرورة التبشير بها ..
🫵🏻ليست بديلا للدولة وجيشها.
وانه في غياب كيان الدولة الأوسع والجيش الحامي، ستذهب هذه التكوينات شمار في مرقة وسيجغمها الغزاة وأخدامهم المحلّيون زوت.
📍ولا ننسى أن هناك الكثير من المحليات القاعدية تعتبر أن تدخل المرأة في السياسة؛ رجس من عمل الشيطان، فليس كل كيان محلي صغير، أكثر نُبلا من الدولة.
📍كما لا ننسي أن التنظيمات القاعدية التي بلغت ذروة قوتها بإسقاط البشير، لم تستطع منع وقوع السلطة في أيد جماعات رجعية عندها الخيانة وجهة نظر، ولا تمد جذورها إلا إلي الخارج، ثم قادت هندستها السياسية الجهولة لحرب ضروس.
📍وفي حال إنهيار الدولة:
_لا أعرف كيف يسافر سوداني للخارج لعلاج أو تعليم أو زيارة أقارب أو ترويح، وهو يحمل جواز سفر صادر من اللجنة القاعدية لجذرية أم عضام، ريفي المسلمية التابعة للحصاحيصا كاونتي.
_ولا أدري ما هي الدول المستنيرة المستعدة لقبول سوداني بمثل هذه الأوراق الثبوتية الجذرية .
📍من نافلة القول أن السفر إلى الخارج ليس من أولويات حياة المعذّبين في الأرض ولكن أورد المثال في سبيل العبرة، فقد قعّد الكلام المثقف المتميز قصي همرور الذي بيّن مرارا وتكرارا أن هناك خدمات أساسية فائقة الأهمية تقوم بها الدولة، ويستحيل علي كيانات محلية قاعدية أو غيرها أن تقوم بها.
📍لذلك فان الموقف الصحيح هو ..
👈🏼نعم للبناء القاعدي
❌ولكن ليس كنقيض؛ ناف للدولة وجيشها.
📍أختم بإقتباس من مقال قصي همرور الأخير وهو مكتوب واجب القراءة ومبذول في أول رابط. يقول قصي:
“أما من ناحية النظريات الثورية، التاريخية النقدية، فهي في جملتها تتوافق على ..
_أن تجاوز تناقضات الدولة العصرية أمر ضروري وهدف واضح ..
بيد أنه يكون عبر ظهور نماذج (أوسع وأكثر كفاءة) في استيعاب تعقيدات العصر الحديث وفض تناقضاته بتكنولوج