الهروب من إثيوبيا أبى احمد : حيث تطاردك المسيرات او يبتلعك البحر

امانويل اقاججى واسيهون
فى الثالث من أغسطس الحالى غرق قارب يحمل اكثر من 150 مهاجرا إثيوبيا بالقرب من سواحل اليمن مات غرقا على الاقل 68 مهاجرا وأكثر من 75 مفقود ، فقط 12 فردا تم انقاذهم.
لم يكن هؤلاء يسعون الى احلاما سهلة ، بل كانوا فى الواقع يهربون من حياة فظيعة وبائسة فى بلادهم.إثيوبيا صارت المكان الاخطر على الاطلاق حيث يجبر الشباب للهجرة لانقاذ ارواحههم.
منذ ان تسلم ابى احمد السلطة فى سنة 2018 , تمزقت اثيوبيا الى أجزاء بفعل الحرب واعمال العنف. فكانت الحرب فى اقليم تقراى هى الاكثر دموية وتسببت فى مصرع مئات الآلاف من المواطنين واجبرت الملايين على الفرار من منازلهم. لم يتوقف القتال فى اقليم تقراى لكن الحرب مستمرة فى اقاليم اخرى مثل اوروميا واقليم امهرا حيث لايزال هناك بفعل الحرب ، العنف والخوف وعدم الاستقرار، ويعيش المدنيين تحت تهديد مستمر من هجمات القوات المسلحة وغارات الطائرات المسيرة والاضرابات السياسية.
عائلات عديدة وأسر فقدت بعض افرادها او اجبروا للنزوح لمناطق أكثر آمانا هربا من مناطق الحرب. المستقبل القريب لا يبشر ان اثيوبيا مكانا آمنا
تجابه البلاد انهيارا مريعا فى الاقتصاد اتسم بالبطالة الواسعة النطاق ترافقها ارتفاع اسعار الغذاء والسلع والضرورات الاساسية مع ارتفاع ايجارات العقار خاصة المساكن بالاضافة الى الانهيار الوشيك للخدمات الاساسية. يتلقى الموظفين الحكوميين والاطباء والمهنيين والمدرسين وكوادر الخدمات الاساسية الخ..مرتبات ضئيلة تجعلهم غير قادرين على تلبية متتطلبات عائلاتهم ، مما اجبر الاطباء والكوادر الصحية على مغادرة المستشفيات والتوقف عن العمل فيها و القيام باحتجاجات بالاضراب بداية من الاسبوع الاول من مايو الماضى وشمل كل اثيوبيا وشارك فيه كبار الاخصائيين الاثيوبيبن . بدلا من معالجة الحكومة لمطالبهم تعاملت معهم بالعنف والاعتقالات واتهمت المحتجين بانهم محرضين للعنف والتتطرف تنفيذا لاجندة خارجية واجبرت طلاب كليات الطب وطلاب العلوم الطبية بالعمل داخل المستشفيات رغم عدم تأهلهم وافتقادهم للخبرات . من ناحية اخرى فى ظل العمليات العسكرية المتفاقمة تضرر القطاع الزراعي ولم يستطع المزارعين استغلال وتنمية اراضيهم الزراعية فى ظل المعارك المستمرة بين قوات الجيش الحكومى والمسلحين المناهضين للحكومة الفيدرالية فى اديس ابابا مما ادى الى تدمير المعدات الزراعية او التخلى عنها وترك المحاصيل فى الحقول بينما قتل الكثير من القرويين او جرى اعتقالهم بتهمة تعاونهم مع المتمردين وبعضهم يفضل من الخوف ان يظل بمنزله.
توقف قطاع السياحة الذى كان مزدهرا ويجذب زوار المناطق السياحية مثل لاليبيلا، قوندر،أكسوم ، جبال سيمين الخ لان ظروف الحرب اغلقت كل الطرق الى تلك المناطق فتوقفت التجارة وحركة البضائع وصارت الاسواق خالية وتوقغت شركات السياحة عن العمل واغلقت ابوابها وتلاشى الاستثمار مما دفع الى تخفيض الوظائف . حتى الشباب المتعلمين غير قادرين على الحصول على عمل مع عدم وجود فرص او مستقبل فى الافق.لذلك ينظر الكثير من الشباب الى الهجرة كاملهم الوحيد للبقاء على قيد الحياة.
يحاول الكثيرون مغادرة البلاد بشكل قانونى لكن عدد قليل فقط ينجحون بسبب التكاليف المرتفعة والصعوبات فى الحصول على التأشيرات. لكن بدلا من ذلك هناك الغالبية العظمى تلجأ للهجرة الغير شرعية ويدفعون للمهربين الذين يهربونهم عبر طرق خطرة
عبر السودان او ليبيا او اليمن. تتميز الرحلات بمخاطر عالية وفى الغالب يتعرض المهاجرين الى الضرب او السرقة او للبيع بواسطة المهربين انفسهم. يموت الكثيرون فى الصحراء،من العطش والجوع او يغرقون فى البحر عندما تنقلب المراكب المهترئة ، ومع ذلك يواصل الآلاف القيام بالهجرة عبر تلك الرحلات الخطرة، لان البقاء فى اثيوبيا يعد أكثر خطورة.
اثيوبيا بلاد غنية بالموارد والثقافة والتاريخ لديها اراضي خصبة وانهار مع عدد كبير من السكان تضفى عليها قوة وموهبة . لكن فى ظل الحكومة الحالية تضيع كل تلك الثروات والامكانيات. تنفق الحكومة المال على المشاريع الكبيرة وبناء طرق سريعة جديدة لاظهارها للعالم لكنها تتجاهل معاناة المواطنين العاديين ،وفى حين ان ألآلاف من المواطنين يتعثرون ويكافحون من أجل العثور على مأوى تركز الحكومة على الدعاية فى محاولة منها لاخفاء الحقيقة.
ان صمت الحكومة وانكارها يزيد الامر سوءا لانه لايعالج المشكلات الحقيقية المتمثلة فى العنف والفقر وانعدام فرص العمل الناتج من الحرب فى تقراى واوروميا وامهرا وبدلا من ذلك فانه يوجه اللوم الجماعات المعارضة المسلحة واعداء اثيوبيا من الاجانب او دول اخرى تسبب المشاكل لاثبوبيا. الأمر الذى يزيد معدلات الخوف والانقسام فى البلاد مما يعزز الشعور لدى الشباب للتعرض للعنف داخل البلاد والمقامرة للوصول للخارج عبر رحلات البحر الخطيرة.
مما يؤسف له العالم يراقب هذه المأساة لكن فى كثير من الاحيان يبدو فى الاتجاه الآخر . تدعى منظمات الامم المتحدة والاتحاد الافريقي انهم يدعمون السلام والاستقرار.،لكن جهودهم محدودة ، فيما تواصل اثيوبيا تلقى المساعدات والاستثمارات دون ضغوط كافية على الحكومة لوقف العنف وحماية مواطنيها وتوفير الاستقرار لهم. وفقال لوكالة الامم المتحدة للاجئين يتم تهجير اكثر من 4,7 مليون اثيوبى داخل البلاد إجبروا على مغادرة منازلهم بسبب الحرب والصراعات العرقية بينما يغادر ألآلاف البلاد كل شهر من خلال الهجرة الغير شرعية بكل مخاطرها.
أشارت تقارير المنظمة الدولية للهجرة ” IOM” الآلاف من الوفيات فى كل عام على مسار الهجرة الشرقية وحده ، معظمهم من الشباب الاثيوبيون الشباب الذين يخاطرون بكل شىء للحصول على فرصة فى حياة افضل.
لا ينبغى التعامل مع الهجرة على انها جريمة او مشكلة لايمكن حلها فقط على الحدود. بالنسبة للعديد من الاثيوبيين ،فإن الهجرة هى الخيار الأخير لانقاذ حياتهم. إنهم لا يغادرون بلادهم لانهم يريدون ذلك بل يهاجرون لانه ليس لديهم اى خيار آخر ،بينما تبقى عائلاتهم ورائهم وغالبا ما تكافح الفقر والخوف على أمل عودتهم الآمنة.



