رحل عن دنيانا اليوم 17/7/2024م بألمانيا أستاذنا ومؤسس المعهد العالي للموسيقى والمسرح “كلية الموسيقى والدراما حالياً” في عام 1969م وأصبح أول عميد لها البروفيسور الماحي إسماعيل والذي هاجر إلى ألمانيا في أول سبعينات القرن الماضي حيث أصبح مسؤولاً عن القسم العربي وعن الثقافة الموسيقية بدول شمال وشرق أفريقيا في إذاعة دوتش فيلا- كولن- وكرمته ألمانيا بنوط الجدارة، ورغم هجرته الطويلة إلا أنه لم ينقطع عن زيارة السودان.
عادت بي الذاكرة بعد أن سمعت بخبر وفاته المؤلم إلى يناير من العام 1995م، وقتها كنت طالباً بأكاديمية روسيا الموسيقية وسافرت إلى ألمانيا بدعوة من الفنان الراحل عبدالعزيز المبارك لمصاحبة فرقته الموسيقية لتقديم حفل في مركز البحوث في مدينة برلين، تجمعت الفرقة في مدينة فرانكفورت ووصل عبدالعزيز المبارك من السعودية حيث كان يعمل هناك ووصل من السودان أخوتي وزملائي الموسيقيين وهم ميرغنى الزين (كمان) وكل من المراحيم رحمهم الله رحمة واسعة الأستاذ محمدية (كمان) الأستاذ ناصر جاد كريم (باص جيتار) والأستاذ حامد عثمان (تينور ساكس) وحضر من إنجلترا كل من الأستاذ أحمد عبدالرحمن (أورغن) الأستاذ عبدالحفيظ عبدالقادر كرار (إيقاع) والأستاذ الباقر سعران (كونقا) وحضر من كندا عازف الساكسفون الأستاذ حمودة سليمان (رحمه الله) وقدمنا حفلاً بمركز البحوث بمدينة برلين وحفل آخر للجالية السودانية بمدينة فرانكفورت.. انتهت الحفلات ورجع كل أعضاء الفرقة إلى دولهم التي حضروا منها وتخلفت أنا عن الرجوع إلى موسكو وخاصة كنت في إجازة السمستر الأول بالأكاديمية وطيلة تلك الأيام المتبقية قضيتها مع صديقي أحمد خضر بفرانكفورت وكنت على اتصال دائم بالمرحوم البروفيسور الماحي إسماعيل الذي دعاني إلى زيارته بمدينة كولون والذهاب معه إلى الإذاعة لتسجيل حلقة حوارية عن الغناء والموسيقى بالسودان وأيضاً ذهابي له من أهم الضروريات إذ كنت في تلك الفترة أحضر وأجمع في المعلومات لنيل درجة الدكتوراة وبالنسبة لي كان البروفيسور أحد المراجع الشفاهية المهمة لمعاصرته تلك الأجيال السابقة من الموسيقيين والفنانين.. حزمت حقيبتي وسافرت من فرانكفورت إلى كولون بالقطار وكان هو باستقبالي في محطة القطارات ومنها توجهنا إلى منزله وبالمساء كنت أتجاذب معه أطراف الحديث وهو يحكي لي عن تفاصيل دقيقة عن حال الغناء والموسيقى في فترته التي قضاها في السودان وبالذات فترة الخمسينات وكانت بمجمعها معلومات ذات قيمة عالية جداً ساعدتني كثيراً في رسالة الدكتوراة كان يحكي لي بصوت هادئ يجذبك للاستماع له حتى ضحكته حين يتذكر إحدى المواقف تأتيك بكل صدق وأريحية رجل هادئ يفكر في حديثه قبل أن يقوله ويأتيك كلامه كالحكم. بالصبح ذهبت معه إلى إذاعة كولون ولاحظت احترام الألمان له ولشخصيته القوية وجلسنا حتى المساء بالإذاعة وسجلت معه حوار عن الموسيقى والغناء بالسودان باللغة العربية وتم بثها أيضاً باللغة الألمانية التي قام هو بترجمتها.. وفي أحد الأيام طلب مني الذهاب لحضور كونسرت بيانو بمنزل الموسيقار المعروف بتهوفن بمدينة بون وكانت فرصة بالنسبة لي لا تعوض وهي زيارة بيت بتهوفن ذلك الموسيقار العظيم والوقوف على مقتنياته وحضور حفل موسيقي، إذ بعد وفاة الموسيقار بتهوفن أصبحت دياره مزاراً للسواح من أنحاء العالم وتقام فيها الحفلات الموسيقية.
قضيت مع الراحل أسبوعاً كاملاً ملئ بالمعلومات والذكريات والونسة القيمة وقام بتوصيلي إلى محطة القطار ورجعت إلى فرانكفورت وصورته لا تفارق ذهني وحتى اليوم.. آخر مرة التقيت به في العام 2010م وكان قد حضر للسودان في زيارة وقتها كنت أقوم بعملية تأسيس مركز د. الفاتح حسين للتدريب الموسيقي ذهبت له بمنزله وأحضرته إلى مقر المركز ببحري وكان بمعيتنا الأستاذ المرحوم صالح عركي وتحدث معي البروف كثيراً بأن تأسيس المركز يعتبر خطوة مهمة وناجحة ونصحني بعدم اليأس والمضي قدماً في التأسيس وكانت لكلماته الأثر القوي في أن استمر في المشروع حتى حقق نجاحه المشهود.
رحمه الله رحمة واسعة ونسأل الله المغفرة له والعتق من النار وجعل قبره روضة من رياض الجنة.