تقارير

المندوب السامى يرفض مقابلة “تاسيس”

لقد اختتمت لتوي زيارة إلى بورتسودان في الفترة من 27 إلى 31 يوليو 2025، وهي زيارتي الثانية إلى البلاد منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، وذلك من أجل مواصلة تقييم حالة حقوق الإنسان والوضع الإنساني في السودان، وتعزيز التفاعل مع السلطات على مختلف المستويات، ومشاركة مخاوفنا بشأن تدهور أوضاع حقوق الإنسان، وتشجيع مزيد من الاهتمام بالسكان المتأثرين بالنزاع المسلح.

وقبل زيارتي إلى بورتسودان، أجريت اجتماعات افتراضية مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك منظمات تقودها نساء، ومدافعون عن حقوق الإنسان، ومحامون، وصحفيون.

وأود أن أعرب عن امتناني للسلطات على تعاونها وتيسيرها زيارتي. خلال الزيارة، التقيت بنائب وزير الخارجية، ووزير العدل، وآلية المتابعة الوطنية، والنائب العام، وحاكم إقليم دارفور، وكذلك رئيس وأعضاء مفوضية حقوق الإنسان الوطنية.

كما التقيت بمسؤولين من الأمم المتحدة وشركاء إنسانيين للاطلاع على آرائهم بشأن أبرز المخاوف في السودان. وفي هذا السياق، أجريت أيضًا تبادلًا مع فاعلي المجتمع المدني، وأشيد بالتزامهم المستمر في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في بيئة شديدة التحدي.

سنحت لي الفرصة لزيارة موقع تجمع للنازحين داخليًا يضم أسرًا ترأسها نساء، من بينها نازحون من الخرطوم ودارفور، والتقيت بنساء نازحات لجمع معلومات مباشرة حول تأثير النزاع على حياتهن. لقد آلمني الوضع الذي يعيش فيه هؤلاء النازحون – حيث التقيت بنساء وأطفال، بعضهم من ذوي الإعاقة، يعيشون في خيام تحت درجات حرارة حارقة، في ظل تعليق المساعدات والخدمات الإنسانية مثل الغذاء والماء والصرف الصحي والرعاية الصحية منذ عدة أشهر بسبب نقص التمويل. وسيؤدي موسم الأمطار المقبل إلى تفاقم الأزمة لملايين النازحين، مما يحول الوضع الكارثي إلى كارثة شاملة.

كررت التأكيد على المخاوف الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تناولتها خلال زيارتي السابقة في يوليو 2024، والتي لا تزال بحاجة إلى اهتمام عاجل، وتشمل حماية المدنيين، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ودعم المساحة المتاحة لفاعلي المجتمع المدني، والمساءلة. ورغم أن النقاشات مع السلطات كانت صريحة وشفافة، فقد أشرت إلى أن التقدم الملموس لا يزال محدودًا للغاية في هذه القضايا الرئيسية منذ زيارتي السابقة، وأكدت مرارًا أن حماية المدنيين هي في المقام الأول مسؤولية السلطات السودانية، وأن الإفلات من العقاب كان أحد دوافع استمرار النزاع.

العنف والانتهاكات

فيما يتعلق بحماية المدنيين، أشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد العنف في ولاية شمال دارفور وإقليم كردفان، وخاصة الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع ضد المدنيين، والهجمات العشوائية التي تؤدي إلى مقتل وإصابة المدنيين وتدمير الممتلكات المدنية، بما في ذلك البنية التحتية الأساسية، إلى جانب استخدام العنف الجنسي والتهجير القسري. وتبقى عواقب الحصار المستمر على مدينة الفاشر وخيمة للغاية على المدنيين.

خلال تفاعلاتي، شددت على المخاوف المرتبطة بالعنف الجنسي المروع ضد النساء والفتيات، بما في ذلك أثناء النزوح، ومعظمها ارتُكب من قبل قوات الدعم السريع. وقد وثق مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في السودان أكثر من 390 حالة عنف جنسي، بما فيها الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، منذ بدء النزاع. ويُرجح أن العدد الفعلي أعلى بكثير، نظرًا لاستمرار حالات عدم الإبلاغ نتيجة الخوف من الوصم والانتقام، وغيرها من العوامل. وفي هذا السياق، رحبت بالخطوة الإيجابية التي اتخذتها السلطات السودانية بتوقيع إطار التعاون المعدل مع الأمم المتحدة بشأن الوقاية والاستجابة للعنف الجنسي في النزاعات في أبريل 2025، والذي يعكس الإرادة لمعالجة ومنع العنف الجنسي في النزاع، وتقديم خدمات شاملة للضحايا، وضمان تفعيل المساءلة الفعالة.

كما أثرتُ مخاوف بشأن الهجمات التي تنفذها القوات المسلحة السودانية على المناطق السكنية المدنية، بما في ذلك الغارات الجوية الأخيرة في دارفور وكردفان، وأُذكر بأن أطراف النزاع يجب أن تميز في جميع الأوقات بين الأهداف المدنية والعسكرية. ويجب أن تُوجه الهجمات فقط نحو الأهداف العسكرية، مع توخي الحذر الدائم لتجنيب السكان المدنيين والممتلكات المدنية.

الخطاب التحريضي والقانون

عبّرت عن القلق إزاء التقارير المتزايدة حول خطاب الكراهية في عدة مناطق بالسودان، وشددت على أهمية التنوع الإثني واللغوي والثقافي الذي يشكل النسيج الاجتماعي في السودان. يجب الحفاظ على هذا التنوع لتفادي مزيد من التشرذم على أسس جغرافية أو قبلية أو إثنية.

فيما يتعلق بسيادة القانون والمساءلة، سلطت الضوء على المخاوف بشأن التقارير المتزايدة حول الاعتقالات والاحتجازات التعسفية، وارتفاع عدد الأحكام القاسية، بما في ذلك الإعدامات، الصادرة بتهمة “التعاون” مع قوات الدعم السريع. هذا يثير مخاوف حقوقية كبيرة، لا سيما في ظل الانتهاكات الجسيمة لضمانات المحاكمة العادلة. دعوت إلى مراجعة تلك الأحكام، خاصة أحكام الإعدام، وطالبت بوقف تنفيذها.

في لقائي مع النائب العام، أطلعني على تقدم لجنة التحقيق الوطنية في الجرائم وانتهاكات القانون الوطني والدولي، وأكد أنه تم فتح أكثر من 120,000 قضية، وأن هناك أكثر من 300 قضية مرفوعة ضد القوات النظامية، بما في ذلك الجيش، وتم رفع الحصانة عن بعض عناصره. هذا تطور مرحب به.

الفضاء المدني والإغاثة الإنسانية

أعربت عن القلق الشديد إزاء تضييق الفضاء المتاح للمجتمع المدني، بما في ذلك القيود غير المبررة، والمضايقات، والاحتجاز التعسفي. وأكدت على الدور الحاسم للمجتمع المدني في الاستجابة للأزمة. كما أعربت عن أسفي لتوقف الإصلاحات التي بدأتها السلطات لمراجعة قوانين الطوارئ قبل اندلاع النزاع، وأكدت على ضرورة مراجعة هذه القوانين التي تمنح سلطات واسعة دون رقابة قضائية. وفي هذا السياق، أرحب برد وزير العدل الإيجابي بشأن تفعيل لجنة مراجعة تلك القوانين.

ناقشنا التحديات في تقديم المساعدات للنازحين العائدين واللاجئين، وشددت على أهمية الطوعية والسلامة في العودة، وضمان الوصول إلى الحقوق الأساسية كالغذاء والماء والرعاية الصحية والتعليم لدعم الاندماج. كما أثرت موضوع ترحيل بعض السودانيين من مصر، وأكدت أن على السلطات الوقوف ضد مثل هذه الترحيلات كجزء من مسؤوليات الحماية.

كما تطرقت إلى معبر “عدري” الحدودي بين تشاد والسودان، وأكدت على أهميته كشريان حياة لتخفيف الأزمة الإنسانية، داعيًا إلى تمديد موعد فتحه لما بعد 15 أغسطس لتيسير عبور القوافل الإنسانية.

سلطت الضوء على القيود المفروضة على الوصول إلى المناطق المتضررة بشدة مثل الفاشر وشمال دارفور وكردفان، حيث تسببت الأعمال القتالية المكثفة في تدهور الوضع الإنساني، مع تأكيد المجاعة في بعض المناطق، والتحذير من خطر انتشارها في مناطق أخرى. كما أعربت عن قلقي الشديد من نقص التمويل للاستجابة الإنسانية، ودعوت المانحين لزيادة الدعم العاجل وتنفيذ التزاماتهم التي أعلنوا عنها في لندن في 15 أبريل من هذا العام. كما شجعت السلطات على تسريع إصدار التأشيرات وتصاريح الإقامة لموظفي الأمم المتحدة والجهات الإنسانية.

الفاشر، التهجير، والإعاقة

في ضوء رفض قوات الدعم السريع لهدنة إنسانية في الفاشر، أشعر بقلق خاص إزاء الوضع الإنساني والحماية هناك، بما في ذلك في معسكر أبو شوك للنازحين، الذي تعرض لهجمات متكررة خلال الأشهر الماضية، مما أدى إلى تدهور حاد للوضع الإنساني.

التقيت بمفوضية حقوق الإنسان الوطنية، وهنأت الأعضاء الجدد المعينين، وحثثتهم على التمسك بأعلى معايير الحياد والاستقلالية والشفافية.

للأسف، لم تتم اللقاءات التي كانت مقررة مع رئيس الوزراء المعين وأعضاء مجلس السيادة الانتقالي، كما لم تتم اللقاءات مع قيادة قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في نيروبي. رشحت قوات الدعم السريع وفدًا باسم “تحالف تأسيس السودان”، وهو ما رفضته، مما أدى إلى إلغاء الاجتماع. كما لم تؤكد الحركة الشعبية الموعد المقترح للقاء.

كان اللقاء مع وزير العدل بنّاءً، حيث أبدى الوزير استعداده لمواصلة التعاون مع ولايتي ومع مكتب المفوض السامي في السودان، بما يشمل بناء القدرات.

الوضع الاقتصادي والحرب

تفاقم الحرب الوضع الاقتصادي الهش أصلًا في السودان بشكل خطير. أسعار المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود والدواء تشهد ارتفاعًا هائلًا، بينما تتدهور الظروف الإنسانية. بلغ سعر صرف الجنيه السوداني أكثر من 2500 جنيه/دولار، مقارنة بنحو 500 قبل النزاع، أي تدهور بنسبة 500%.

في كل نزاع مسلح، يتحمل المدنيون، خصوصًا النساء والأطفال، العبء الأكبر، من تهجير وخسارة ومعاناة لا يمكن تصورها. الأشخاص ذوو الإعاقة يتأثرون بشكل غير متناسب، وغالبًا ما يتم تجاهل احتياجاتهم. في لقاءاتي معهم، أشاروا إلى صعوبات هائلة في الفرار من مناطق النزاع، وغياب الخدمات الملائمة في مناطق النزوح. أدعو السلطات والمنظمات الإنسانية إلى إعطاء الأولوية لدعم شامل للأشخاص ذوي الإعاقة.

ختامًا

كل يوم يستمر فيه هذا النزاع، تُزهق أرواح بريئة، وتتفكك مجتمعات، وتتعمق الصدمات التي ستلاحق الأجيال. الحرب لن تؤدي إلى حل، والحل الوحيد يكمن في السلام والحوار، لإعادة الأطفال إلى مدارسهم، والنازحين إلى بيوتهم، وإنقاذ التعايش السلمي في السودان.

أغتنم هذه الفرصة لأتمنى التوفيق لرئيس الوزراء المدني الجديد وأعضاء حكومته، آملًا أن يشكل ذلك خطوة نحو حكومة تكنوقراط شاملة، تمهد طريق السلام وتعزز العلاقة بين الشعب السوداني وسلطاته. أكرر التأكيد على أهمية المشاورات الشاملة مع الفاعلين المدنيين، بمشاركة بارزة للنساء، ووقف إطلاق النار، وتقديم الخدمات الأساسية، وتحقيق حل مستدام قائم على احترام حقوق الإنسان للجميع.

المستقبل يتطلب أكثر من وقف إطلاق نار ومفاوضات؛ بل التزامًا حقيقيًا بالعدالة والمساءلة والحكم الشامل. يجب على المجتمع الدولي ألا يكتفي بالمراقبة، بل أن يتحرك فورًا لفرض حظر السلاح، ودعم صناع السلام المحليين، وضمان الوصول الإنساني الكامل. كما يتعين على أطراف النزاع وضع مصلحة المدنيين فوق المكاسب السياسية، والتطلع إلى مستقبل قائم على المصالحة وحقوق الإنسان.

وسيُدرج مضمون هذه الزيارة في تقرير المفوض السامي السنوي عن حالة حقوق الإنسان في السودان، والذي سيُعرض على مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ61.

أشكر مجددًا جميع من التقيت بهم خلال زيارتي.

النهاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى