المرتزقة في حرب السودان .. كيف تم تجميع هذه القوات وأين تم تدريبها ومن هو المقاول؟
الأحداث – وكالات
تحصلّ الفريق الاستقصائي لموقعي (المحقق) و(سودان هورايزون) الإنجليزي على معلومات جديدة عن شبكات جلب وتجنيد المرتزقة للقتال في صفوف مليشيا الدعم السريع الإرهابية بالسودان، حيث تعتمد المليشيا بصورة أساسية على شبكة معقدة من شخصيات وثيقي الصلة بدولة الإمارات وهى الشبكة الأكثر نفوذاً ولديها وكلاء في تشاد وأفريقيا الوسطى وكينيا التي تم مؤخراً نقل ملايين الدولارات إليها وفتح حسابات في بنوكها بأسماء شخصيات مقربة من أسرة آل دقلو الإرهابية، وتتحرك تلك الشبكات في دول جوار السودان، وتنشط أكثر في تشاد وجنوب ليبيا لفتح خطوط الإمداد وإدخال الوقود والمخدرات والدعم اللوجستي لصالح المليشيا مقابل تهريب الذهب أيضاً.
وتتوافر معلومات شبه مؤكدة أن طه عثمان الحسين والذي تربطه علاقات بقيادات نافذة في العديد من الدول الأفريقية منذ أن كان مديراً لمكاتب الرئيس السابق عمر البشير هو الذي يشرف على تلك الشبكة وينسق نشاطها مع عبدالرحيم دقلو قائد ثاني المليشيا وقيادات أخرى مقربة من قائد مليشيا الدعم السريع أحدهم يمثل أحد الأذرع الإماراتية في صفوف المليشيا وغرف التفاوض، وتشتبه مصادر استقصائية أن مكتب مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد هو الذي يشرف على أعضاء الشبكة.
عمليات تجنيد المرتزقة
تنشط تلك المجموعة في توفير الأموال اللازمة للحركة وشراء ولاء قيادات الإدارات الأهلية إذ أن التعاقد يتم عبر مناديب محليين سواء كان ذلك بالتواصل المباشر أو بعقد صفقات مع زعماء وعمد لتجنيد شباب القبائل العربية داخل دارفور وفي منطقة الساحل وغرب أفريقيا وكان يتم تنسيق تلك الجهود عبر قائد المليشيا في دارفور علي يعقوب الذي لقي مصرعه في الفاشر مؤخراً، ومن المهم هنا الإشارة إلى أن قادة في شركة فاغنر الروسية أوكلت إليهم مهمة تدريب المرتزقة على التعامل مع الأسلحة وحرب المدن ليتم بعد ذلك نقلهم وتأمينهم إلى معسكرات الدعم السريع، ويجري تداول لمعلومات متواترة مؤخرا بأن فريقاً ثلاثياً يتكون من حسبو محمد عبد الرحمن النائب السابق لرئيس الجمهورية إلى جانب المك عبيد أبوشوتال وعلي رزق الله الشهير بـ(السافنا) المحكوم عليه بالإعدام تمّ تكليفه بالإشراف على مهمة التواصل والإقناع والتجنيد وسط أبناء القبائل، لكن فريق (المحقق) لم يعثر على دلائل مادية سوى ما يجري على ألسن القبليين وبعض اعترافات قادة من المليشيا.
إعترافات جلحة
ثمة فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعي خلال هذا الأسبوع ظهر فيه القائد الميداني في صفوف المليشيا جلحة وهو يقر بوجود مرتزقة من جنوب السودان وليبيا وتشاد والنيجر يقاتلون معه، وقال إن قواته تضم عناصر من كل تلك الدول، وحيا جلحة اللواء حسن معتوق الزادمة الجنرال الليبي، مؤكداً أنه سوف يرسل إليه المزيد من القوات في سياق تبادل القوات بينهما.
واللواء الزادمة الذي ذكره جلحة هو قائد الكتيبة 128 التابعة للواء 161 وهى تحت إشراف الجنرال خليفة حفتر المقرب من الإمارات وأحد المسؤولين عن إمداد مليشيا الدعم السريع بالسلاح، وبحسب موقع Middle East Eye فإن إمداد مليشيا الدعم السريع بالوقود تسهّله وحدات سبيل السلام والكتائب 128 في جيش حفتر الخاضعة لقيادة حسن معتوق الزادمة، وكتيبة زادما مسؤولة عن المنطقة الجنوبية الشرقية من ليبيا ولقائدها علاقات قوية وطويلة الأمد مع مرتزقة سودانيين وتشاديين إلى جانب ذلك هناك مجموعات سودانية تعمل في المناطق الحدودية حيث تساعد في إمداد قوات الدعم السريع بسبب الروابط القبلية والرفاق من فترات القتال السابقة.
وكان وزير الخارجية السوداني المكلف حسين عوض قد ذكر أن تشاد باتت مقراً لقيادات الدعم السريع تعقد فيها الاجتماعات واللقاءات وتتم فيها عمليات التجنيد وشراء الولاء واستلام الأموال فضلاً عن علاج المصابين من عناصر المليشيا الإرهابية في مستشفياتها أو الترتيب لهم للسفر خارج الإقليم للعلاج.
توت وأبناء النوير
مؤخراً أصبحت المليشيا تركز على تجنيد أبناء النوير من جنوب السودان باعتبارهم يجيدون القنص والتدوين وضرب المدافع والأسلحة الثقيلة وتزايدت أعدادهم خلال الأشهر الأخيرة عبر شبكات تنشط في الاتجار بالبشر ومقاولي أنفار من بينهم شخصيات مقربة من توت قلواك المستشار الأمني لسلفاكير، الذي نفى أي صلة له بالأمر، وكانت صحيفة (Sudans post) التي تصدر باللغة الإنجليزية قد أصدرت تقريراً مطولاً عن اعتقال اللواء (قبريال تاب قاتويك)، بواسطة قوات الحركة الشعبية في المعارضة التي يتزعمها رياك مشار وذلك على خلفية اتهام قاتويك بتجنيد مقاتلين من جنوب السودان – ولاية الوحدة – لصالح مليشيا الدعم السريع، ويقود قاتويك وحدة تضم ما يصل إلى 1000 مقاتل من جنوب السودان ضمن مليشيا الدعم السريع، وتزعم المصادر أن قاتويك يقوم بتجنيد مقاتلين في ولاية الوحدة منذ ديسمبر 2023 وتم القبض عليه في مايو 2024 أثناء محاولته الوصول إلى مقر الجيش الشعبي لتحرير السودان – في المعارضة في تونغ، وقد اعتمدت قوات الدعم السريع بشكل ملحوظ مؤخراً على مقاتلين من جنوب السودان، وفقاً للصحيفة، ومن أبرز الجنوب سودانيين الذين يقاتلون إلى جانب المليشيا الجنرال ستيفن بواي رولنيانغ زعيم الحركة الشعبية لجنوب السودان المعارضة حيث شوهد جنوده في صور ظهرت على الإنترنت وهم يرتدون زي الدعم السريع، وبدا لافتاً أن من تم أسرهم بواسطة القوات المسلحة بعد تحرير مقر هيئتي الإذاعة والتلفزيون في مارس الماضي كان ما يربو على 152 شخص منهم من منطقة واحدة بولاية أعالى النيل في جنوب السودان في الوقت نفسه تم تجنيد مئات الجنوبيين الذين كانوا يعملون في “كماين” صناعة الطوب بضاحية الجريف وولاية الجزيرة، وشكل هؤلاء عماد القوات التي ترتكز حالياً في منطقتي بري وبحري تحديداً داخل المزارع وشارع مور حتى شارع القذافي مروراً بسوبا ومنطقة الصناعات جنوب الخرطوم، وقد تحدثت تقارير دولية عن حركة الإمداد والتشوين للمليشيا عبر جنوب السودان وذلك بعد محاولات رصف طرق بين أبو مطارق وراجا في ولاية غرب بحر الغزال، كما تحاول المليشيا من خلال الوصول إلى ولاية النيل الأزرق فتح خطوط دائمة للإمداد مع جنوب السودان.
دول العدوان الخارجي
حجم التداخلات الخارجية في هذه الحرب لافت للأنظار فالسودان – دون مُبالغة – يواجه عدواناً من سبع دول ومنظمات إقليمية وعالمية، والشاهد أن الحكومة القائمة تقدمت بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن في هذا الشأن ضد الأطراف الضالعة، واتهمتهم بدعم التمرد، وقد أشار رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول ركن البرهان في أحد خطاباته للشعب السوداني إلى أن البلاد تواجه ما وصفها بـ(أكبر مؤامرة في تاريخها الحديث تستهدف كيانها وهويتها ومصير شعبها)، ولعلّ ما يجعل لهذه المعلومات أهمية على الأرض أن الحرب تدور في حقيقتها بين القوات المسلحة وآلاف المرتزقة الأجانب الذين ينتشرون الآن داخل الأراضي السودانية بالتسلل عبر حدود خارج نطاق سيطرة الجيش وربما لا يدري حتى (حميدتي) المُغيب في مكانٍ ما حجم تلك القوّة التي تضاعفت أرقامها مرات بعد الحرب، إذ تشير بعض التقديرات إلى إدخال أكثر من ثلاثة ملايين قطعة سلاح إلى السودان خلال السنوات الأخيرة في وقت قامت دول خارجية بإعداد آلاف من المقاتلين المرتزقة وزجت بهم في الحرب السودانية، وظهر ذلك في كثير من مقاطع الفيديو والصور واعترافات الأسرى أنفسهم من أفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا، كلهم كانوا يرتدون زي الدعم السريع ويتسللون عبر متحركات وموجات فزع في ولايات غرب ووسط السودان، وعلى رأس هؤلاء زعيم حركة (نضال مظلوم) التشادية حسين الأمين جوجو، كما سلم السودان 6 جوازات إماراتية عثر عليها في جيوب مقاتلين داخل السودان يتبعون للمليشيا بعد قتلهم.
استثمار في مكافحة الهجرة
كثير من هؤلاء المرتزقة قبضوا الثمن ولكنهم لا يعرفون لماذا يقاتلون؟ فبالعودة لظروف تجميع هذه القوة الأفريقية العابرة للحدود يمكن القول إن حميدتي استثمر في الدور الذي أوكله له الاتحاد الأوروبي بمكافحة الهجرة غير الشرعية ولذا تغاضوا عن جرائمه في دارفور وسمحوا له بفتح معسكرات في المناطق الحدودية بين السودان وبعض دول الجوار وتجميع المهاجرين الأفارقة في تلك المعسكرات وضمهم للدعم السريع لتصبح بعيد ذلك قوة ضاربة ومتعددة الجنسيات بتمويلات غربية تحت سيطرة آل دقلو ظاهرياً، تلك القوات تضاعفت أعدادها خلال ثلاث سنوات فقط من 27 إلى 200 ألف مقاتل وعلى الأرجح أن الهدف من تلك القوة كان السيطرة – بقوة السلاح – على السلطة في عدد من الدول الأفريقية سواء كان ذلك بالانقلاب أو بالهجوم المباشر وصناعة ما يعرف بالفوضى الخلاقة.