رأي

المبادرة.. مأزق تركيا!! (1-2)

 

عادل الباز

1

تضج الأسافير بما تسميه (المبادرة التركية). ما هي تلك المبادرة؟ وما تفاصيلها؟ لا أحد يعرف على وجه التحديد والدقة وكل ما رشح عنها أن تركيا أبدت رغبتها في التوسط بين السودان والإمارات من جهة، وبين السودان والمليشيا من جهة أخرى. ولقد وجدت هذه الفكرة ترحيباً من الإمارات ومن حكومة السودان، بينما لم نسمع رأياً من المتمردين، باعتبار أن الكفيل سيتكفل بوضع أجندتها على طاولة المفاوضات.

2

هذه هي المعلومات المؤكدة، وما عدا ذلك لا يعدو أن يكون مجرد تخرصات أسافير ساكت. لا تعنيني المبادرة التركية الآن، ما يهمني هو فهم الأسباب التي دفعت تركيا للدخول في تلك المبادرة ، تُرى من الذي أدخلها في هذه الورطة ولماذا؟ لا شك أن تركيا وحدها لم تسارع بهذه المبادرة لإنقاذ السودان؛ فالحرب ظلت مستمرة لعامين ولم نسمع من الأتراك حساً ولا ركزاً.

كما هو واضح، أن التحرك التركي وراءه الإمارات، فهي المستفيد الوحيد من التحركات التركية. ومن المعلوم أن الإمارات تحركت الآن بعد أن أدركت أن مشروعها الاستثماري في الجنجويد قد فشل، وانتهت أكذوبة الدعم السريع إلى مجرد نهابة وكسيبة وقتلة. ثم إن تآمرها على السودان ودعمها لمرتكبي الإبادة الجماعية أصبح يُنشر على صفحات الصحف العالمية التي تنشر أيضاً يومياً إمدادات الإمارات للجنجويد بالسلاح.

إضافة إلى ذلك، تمرغت سمعة الإمارات في الأمم المتحدة، حيث أثبتت التقارير الأممية دعمها للجنجويد. ثم ها هي تستعد للوقوف أمام المحاكم الدولية باعتبارها دولة تدعم مرتكبي الإبادة الجماعية بالسلاح. فشل مشروع الإمارات وساءت سمعتها، فهرولت تبحث عن وسطاء جدد لينقذوها.

سبب آخر جعل الإمارات تتجه إلى تركيا لدفعها نحو وساطة جديدة هو يأسها من الوساطات السابقة؛ إذ فشلت تحركات دول الجوار في التوسط، كما فشل الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد، وأخيراً فشل تحالف جنيف في إحداث أي اختراق أو دفع السودان للتراجع عن مواقفه، وكلها جهود تقف وراءها الإمارات بشكل أو بآخر.

أخيراً، تحاول الإمارات استثمار علاقاتها الاقتصادية مع تركيا؛ إذ تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 .. 20 مليار دولار، بزيادة قدرها 107% مقارنة بالعام السابق وتهدف تركيا إلى زيادة حجم تجارتها مع الإمارات إلى 40 مليار دولار في غضون خمس سنوات، وفقاً لتصريحات وزير التجارة التركي عمر بولات

هذه هي الأسباب التي دفعت الإمارات للجوء إلى تركيا للتوسط اضافة لما تعتقده الامارات من علاقات جيدة لتركيا مع السودان وتأثير، ولكن لماذا وافقت تركيا على لعب دور وساطة لا تملك فيه مقومات كافية للنجاح؟

بدا لي أن سبب موافقة تركيا للدخول في هذه الورطة هو عدم إلمامها بتفاصيل الصراع في السودان، ومسبباته، وجذوره. كما أنها لم تدرس الموضوع بعمق، ولا أظن أن دبلوماسييها على معرفة كافية واطلاع على المبادرات التي قُدّمت من أطراف متعددة دولية وإقليمية، والأسباب التي قادت لفشلها.

رغم الاهتمام القديم لتركيا بالسودان والروابط التاريخية واهتمامها بإفريقيا – فهي ثالث أكبر مستثمر هناك – إلا أن معرفتها بتفاصيل مجريات السياسة السودانية ضعيفة. ويعود ذلك إلى انشغال تركيا الآن بملفات دولية وإقليمية بالغة الخطورة على أمنها القومي وعلاقاتها الدولية، وأبرزها الملف السوري الذي استطاعت أن تحقق فيه إنجازاً ضخماً بالمساهمة في إسقاط نظام عصابة الأسد – لعنة الله عليه – إضافة إلى ملف الحرب في أوكرانيا.

3

إزاء هذا الوضع، لماذا زجّت تركيا بنفسها في سوق المبادرات، ذلك السوق الكاسد الذي لم تحقق فيه أي من المبادرات نجاحاً يُذكر؟ وقلت إنني مشفق على تركيا لأنها تورطت في ملف يصعب أن تحقق فيه اختراقاً. لماذا؟ ببساطة، تركيا لن تستطيع أن تكون محايدة بل يجب أن تكون منحازة لحكومة السودان. كيف ولماذا؟… نواصل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى