الماجدات
د. إيناس محمد أحمد
نعم هن الماجدات نساء بلادي بنات الفرسان وأخوات الشجعان وزوجات الأبطال وأمهات الشهداء، اسمحو لي أن أقدم تحية عيد الاستقلال لكل سوداني و سودانية حمل السودان بين ضلوعه فخراً وانتماءً وهوية.
وتحية خاصة لنساء بلادي في ظل حرب قاسية و شرسة.
فقد عانت النساء في مختلف أرجاء العالم في حقب تاريخية كثيرة من ويلات الحروب وتعرضن لصور بشعة من صور الاهانة والتنكيل والمعاملة غير الانسانية، وتعد النساء والأطفال أكثر الفئات التي حظيت باهتمام القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة، لأنهم الفئات الأضعف جسدياً والأكثر تعرضا للانتهاكات في الحروب.
فالنساء لهن حماية ذات بعدين الأول أنهن شريحة ضمن المدنيين والآخر أن القانون الدولي الانساني أفرد لهن حماية عبر اتفاقيات خاصة بهن، وذلك لأنهن يدفعن فاتورة الحرب من دمائهن ودماء أطفالهن ومن ضياع الأسر بين النزوح واللجؤ، ومن الانتهاكات التي يتعرضن لها مباشرة جراء الحرب كالقتل والاعتقال و العنف الجنسي الذي أصبح سلاحاً من أسلحة الحرب والذي يتم اللجؤ إليه لزيادة الترويع والهلع ونشر الخوف بين المدنيين عامة والنساء خاصة.
وقد دفع ذلك العالم إلى وضع أعراف صارمة متفق عليها في حالات النزاع المسلح الأمر الذي شكل قاعدة أساسية في بناء ونشأة القانون الدولي الإنساني، ويتضح أثرها في وضع المبادئ العرفية التي شكلته كقانون منها مبدأ الفروسية ومبدأ الإنسانية ومبدأ أو (شرط) مارتنيز والذي أدلى به (فيورد فيورج مارتنيز) مندوب قيصر روسيا في مؤتمر السلام لعام 1899م والذي ركز علي وضع المدنيين في النزاعات المسلحة واقر بأن يكون هناك حماية للمدنيين حتي ولو لم يكن هناك نص قانوني صريح بحماية المدنيين، وقد عُرف فيما بعد بالمبدأ الاحتياطي ويقوم علي ثلاث ركائز هي العادات والأعراف الراسخة بين الشعوب، أحكام الضمير الإنساني العام ، المبادئ الإنسانية باعتبارها جزء من القانون الدولي التي يحتكم إليها في حالة عدم وجود نص قانوني صريح ، والتي كونت فيما بعد مجموعة معايير دولية لحماية ضحايا النزاعات المسلحة دون تميز بين رجال أو نساء ، وبعد تدوين قواعد القانون الدولي الإنساني بموجب اتفاقيات دولية تم وضع نصوص تتعلق بحماية المدنيين بصورة عامة.
وكانت بداية تدوين قواعد حماية المدنيين في الحرب حينما وضعت مدونة ليبر عام 1863م وهي لائحة محلية طبقت في الحرب الأهلية الأميركية، ورغم أنها لم يكن لها طابع دولي إلا أن هذة المدونة كان لها دور كبير في تدوين قواعد وأعراف الحرب، و تضمنت مجموعة من القواعد منها تحريم أعمال العنف والاغتصاب ضد المدنيين وفرض عقوبات على مرتكبها ، ثم جاء إعلان سان بترسبورغ لعام 1868م الذي أشار بصورة عامة لحماية المدنيين، وإعلان بروكسل عام 1874م الذي نص علي حماية المدنيين في النزاعات المسلحة والنساء خاصة ،ثم جاءت لائحة لاهاي1907م التي تضمنت بعض النصوص المتعلقة بحماية المدنيين ومن ضمنهم النساء.
مع تطور أشكال النزاعات المسلحة وانتشار مآسيها وآثارها غير الإنسانية زادت الحاجة لاتفاقيات دولية خاصة بالنساء تكون واضحة المعالم والأهداف، لذلك عقدت اتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949م والبرتوكلين الملحقين بها عام 1977م وهي تشكل عصب القانون الدولي الإنساني الذي ينظم الأوضاع في النزاعات المسلحة والحد من تأثيرها لاسيما المدنيين الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، حيث أشار البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م إلى حماية النساء صحياً بسبب الصدمة من العنف الجنسي أو المرض أو الاضطراب أو العجز البدني أو إصابات الحرب وتحديدا الاغتصاب أو الإكراه على الدعارة.
ونص البروتوكول الإضافي الثاني علي حظر انتهاك الكرامة الشخصية أو التي تحط من قدر الإنسان،
كذلك نص علي حماية النساء الأسيرات بموجب اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب ، وحماية النساء المحتجزات أو المعتقلات لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح وفقا لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة التي نصت علي مبدأ احتجاز النساء في أماكن منفصلة عن الرجال وأن يكون الإشراف عليهن بحراسة من النساء ، مع منع الإهانة أو الاعتداء عليهن أو انتهاك كرامتهن أو تعذيبهن أو إذلالهن لانتزاع المعلومات.
ثم جاء قرار مجلس الأمن المشهور رقم 1325 لعام 2000م الذي تناول قضيتين بالغتي الأهمية الأولى التأثير العميق الذي تخلفه النزاعات المسلحة علي النساء والفتيات، والثانية الدور الذي تقوم به النساء لمنع الحرب وبناء السلام.
هذا القرار يقوم علي ركائز أربع هي المشاركة، الحماية، الوقاية ، الإغاثة والتعافي.
ثم قرار مجلس الأمن رقم 1820 المتخذ بالإجماع في 19يونيو 2008م والذي يدين استخدام العنف الجنسي كأداة حرب ويعلن أن الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي يشكل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية ، وكانت تلك المرة الأولى التي يقول فيها مجلس الأمن بوضوح إن العنف الجنسي تكتيك حرب يمثل اعتداءً جوهرياً على النساء والفتيات ويشكل جريمة حرب.
ثم جاء قرار مجلس الأمن رقم 1888 الصادر في سبتمبر 2009م وهو بمثابة متابعة لقرار مجلس الأمن رقم 1820 و الخاص بتكليف بعثات حفظ السلام بحماية النساء والأطفال من العنف الجنسي في النزاعات المسلحة.
ثم صدر القرار 1960 للعام 2010 م والذي أنشئت بموجبه آلية لرصد العنف الجنسي في النزاعات المسلحة والابلاغ عنها .
و القرار 2106 للعام 2013م والذي يركز علي مساءلة مرتكبي العنف الجنسي في النزاعات المسلحة كمجرم حرب.
يذكر أن مجلس الأمن جرم العنف الجنسي الذي وقع علي النساء في محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا ، وجعل العنف الجنسي صورة من صور الجرائم ضد الإنسانية متي ما ارتكب على نطاق واسع ممنهج ومنظم ضد النساء ونص علي معاقبة مرتكبها كمجرم حرب.
كل ما سبق استعراضه يوضح موقف المجتمع الدولي من جرائم العنف الجنسي وكيف تدرج العالم في تجريم ذاك الفعل الاجرامي إلى أن وصل لمرتبة جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية ، لنطبق ما نص عليه القانون الدولي الإنساني علي ما يحدث في السودان إذ تبرز صورة مأساوية قاتمة لما تعرضت له النساء من جرائم على يد عناصر المليشيا الإرهابية.
في تقرير صادر عن الأمم المتحدة مؤخرا أشار إلى أن أكثر من 81% من ضحايا الحرب المدنيبن هم نساء وأطفال وأن الآلاف من النساء يواجهن يومياً خطر الموت والخطف والاختفاء القسري أو الاعتقال والاعتداءات الجنسية.
في أكتوبر 2024م أصدرت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان تقريرا يسلط الضوء علي الحاجة الملحة لحماية المدنيين، وأشار التقرير إلى وقوع جرائم العنف الجنسي بشكل ممنهج مما يجعلها ترقي إلى *جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية*، كما أكدت سامانثا باور مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن مليشيا الدعم السريع المتمردة قد شنت هجمات متتالية علي المدنيين في عدد من ولايات السودان وارتكبت جرائم ضد الإنسانية منها العنف الجنسي ضد النساء والفتيات .
في ديسمبر 2024م اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المليشيا الإرهابية بارتكاب أعمال عنف جنسي واسعة النطاق وبشكل ممنهج بما يشكل جريمة ضد الإنسانية تستوجب المحاسبة والمساءلة عنها ، وأن المجتمع الدولي مطالب أن يتحمل مسؤوليته تجاه السودان وما يحدث فيه من انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، داعية الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي للتحرك بشكل عاجل لمساعدة ضحايا المليشيا من المدنيين ، لاسيما النساء والاطفال.
كذلك دعا وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “توم فليتشر ” إلى التحذير من استمرار تعرض النساء للعنف الجنسي في السودان علي يد المليشيا.
لا زلنا ندعو المجتمع الدولي لاعلانها جماعة ارهابية مجرمة متمردة علي القوانين والاعراف الدولية ، ارتكبت وترتكب كل يوم جريمة في حق الشعب السوداني تستوجب المحاسبة والمسألة، فهي مليشيا إرهابية مجرمة لابد من تجريمها وتصنيفها جماعة إرهابية يحفل سجلها الأسود بالعديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
نقلا عن موقع “المحقق”