اللحظة التاريخية الفارقة
علي عسكوري
نقترب من لحظة تاريخية فارقة في تاريخنا الوطنى تتجسد فيها كل احلامنا ومشاعرنا وخلجات دواخلنا ويبلغ توتر اعصابنا وارتجاف اطرافنا مداه.. وتتسمر اعيننا في حلم سيصبح حقيقة قريبا بعدما اعتقد البعض في لحظة ما انه بعيد المنال، لكنه الآن يتحقق بتضحيات الأبطال وبعزيمة الرجال وبشحذ الهمم وعزم تهراقا.. لا تعرف المليشيا ومن خلفها من غزاة ان تهراقا جدنا ونحن احفاده ولنا للمجد مليون طريق وطريق.. فنحن المجد نفسه، واول شعب على البسيطة عرف الدولة والسيادة ورفع رأيتها! فالمجد صنعتنا وحرفتنا.
ونحن اناس لا توسط عندنا
لنا الصدر دون العالمين او القبر
تهون علينا في المعالى نفوسنا
ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
كانت دولة كرمة اول دولة في التاريخ رفعت رأية السيادة، قبل مصر و اثينا، و فارس والصين، و كان ما يعرف اليوم باوروبا مجرد ادغال موحشة لم يستوطنها البشر بعد، اما امريكا فلم يسمع بها احد!
تهفوا وترنوا وتتسمر انظار السودانيين لعلمهم وهو على وشك ان يرفع على ساريته فوق القصر..! ” ها نحن قد عدنا يا حميدتي”! (نستلف مقولة اللورد اللنبي بعد احتلاله للشام ووطئه قبر القائد صلاح الدين الأيوبي!) وما كان حميدتي سوى صايع صنعته صدف التاريخ وتقاطعاته فصدق انه فارس مغوار وقائد تتاري سيحكم ارض النيلين و مادرى ان ارضنا دونها خرط القتاد! فنحن مهد الحضارة وبذور التكوين واصل المدنية وفصلها لا يطالنا بشر ولا تدانينا امة ذلك حقنا ولا فخر. كانت لنا رأية عندما كانت جزيرة العرب (ما عدا اليمن والشام) ربعا خاليا لا حياة فيها، وبادت العرب البائدة وبقيت رأيتنا عالية، فنحن منذ القدم قوم روحانيين نخشي الخالق فشملنا بلطفه ورحمته، اما العرب البائدة فقد استكبروا وفسدوا وعصوا فسلط عليهم الخالق ما شاء من عذابه فبادوا وفي الطريق اخرين، وها نحن ننهض وسيسقط من يسقط وتبقي رأيتنا عالية .
بقيت رأيتنا فوق ضفة النيل ترفرف عبر التاريخ استشهد دونها اسلافنا وها قد جاء دورنا في الفداء وياله من فداء مقدس!
عندما ترتفع الراية فوق السارية، لن نحتفل لان الراية قد ارتفعت لمكانها، فهذا امر عادى عندنا، فنحن امة جبلت على النصر والمجد والسؤدد، انما نحتفل بتجديد تاريخنا الباذخ بالانتصار! سنحتفل لاننا اكدنا لانفسنا وللعالم مرة اخري اننا احفاد اباطرة عظام سادوا العالم حينما كانت اغلب الشعوب في رحم الغيب. سنحتفل باعادة بعث تاريخنا وملوك بلادنا الاولين من تهارقا وبعانخى الذين تحلق الآن ارواحهم جزلة ببطولات احفادهم. لقد احيت فينا هذه الحرب معنى الانتماء والاصالة واعدنا اكتشاف تاريخنا الذى حاول الغزاة من كل حدب وصوب قطعه وفصلة كى نصبح امة بلا جذور ولا تاريخ…!
شكرا للعنطيز حميدتي ومليشايته التى ايقظتنا من غفوتنا وتيهنا!
لقد كانت بلادنا مقبرة للغزاة عبر التاريخ وهاهم ابناؤنا الفرسان يسيرون على درب اجدادهم ولا جديد… قوة أخري غازية تتم ابادتها ودحرها، او كما يقول الافرنج Business as usual. وان كان العالم قد اجتهد لطمس تاريخنا، فها هى الحرب تعيد تذكير الجميع.
لقد تطاول علينا العنطيز حميدتي واستبد ورفض طيب المعشر ولين الحديث وتكبر وتجبر وظن انه الآمر الناهي في بلاد النيلين، فالآن يطيع العوالى ذليلا صاغرا. عوالينا في هذا الزمن هي (البل) بلا رحمة!
قال زهير:
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه
يُطيع العوالي ركبت كل لهذم
احتفلوا احبائي وانظروا رأيتكم القديمة الجديدة ترفع فوق السارية، فقد رفعها من قبل، تهارقا وبعانخي، و عمارة دنقس وعبد الله جماع والازهري والمحجوب، والآن يرفعها البرهان ولا جديد..! روي ابناؤنا هذه الارض بدمائهم الطاهرة وما بخلوا ولا وهنوا، فهذه ارضننا ووطننا وستبقي كذلك الى ان يرث الله الارض ومن عليها..!
عندما ترتفع الرأية على السارية،هى ليست قطعة قماش ملونة ترفع، انما ترفع كل تلك الدماء التى بذلت وكل ذلك الفداء الذى بذل، ترتفع الرأية رمزا لكل الدماء الطاهرة، فالرأية ايها الاحباب مقدسة لانها ترمز لكل دماء ابنائنا الذى استشهدوا لتبقي رأيتنا خفاقة علما بين الامم.
اينما كنتم… اقفوا في صمت وانحنوا عند رفع الرأية احتراما وتقديرا وعرفانا لمن بذلوا دمائهم رخيصة من اجلنا ومن اجل وطننا.!! فالراية هي دماء الشهداء ورمز فدائهم!!
نحن احفادك يا تهارقا فالتحلق روحك جزلة فوق ارضك.. ارض النيل… ما اعظم الفداء وما اصعب الطريق، ولا يعرف الابطال الا الابطال..!
هذه الارض لنا
نقلا عن “أصداء سودانية”