الأحداث – وكالات
عندما خرج معتصم آدم، التاجر بالسوق العربي من الخرطوم، للنجاة من الحرب، في مطلع أكتوبر العام الماضي، خالي الوفاض بعد أن فقد كل ما يملك، لم يكن يعلم أن مستقره الجديد سيكون في يوغندا، أسوة بسودانيين كثر اتخذوها ملجأ منذ سنوات مضت، وخاصة من مدن وقرى غرب السودان بعد اندلاع حرب دارفور في 2003. لذا لم يكن من المستغرب أن يتخذ الكثيرون ذات السبيل، حين تفاقم الوضع في السودان بعد اندلاع حرب 15 أبريل في العام السابق، إذ قدم كثيرون عبر الحدود مع دولة جنوب السودان أو بالطيران من إثيوبيا وبورتسودان.
فارين من الحرب:
يوغندا ضمن الدول الموقعة على اتفاقيات اللاجئين، وظلت توفر اللجوء للفارين من الحروب والاضطهاد في بلدان شرق ووسط أفريقيا الموبوءة بالحروب على مدى خمسة عقود خلت. وتصنف المفوضية السامية للاجئين يوغندا بأنها أكبر مستضيف للاجئين في أفريقيا، إذ تستضيف الملايين وغالبيتهم من جنوب السودان وجمهورية الكنغو الديمقراطية، وبورندي، والصومال، وإرتريا، وإثيوبيا.
ورغم التدفق الكبير، الذي شجعته
سياسة الباب المفتوح، تعتمد الحكومة اليوغندية نهجا يمنح اللاجئين التسجيل، ثم نيل شهادة إقامة من مكتب رئيس الوزراء لخمس سنوات، ما يتيح لهم التنقل بحرية، وحق العمل، وتأسيس مشاريعهم التجارية الخاصة، وحق الوصول إلى الخدمات العامة كالصحة والتعليم أسوة بالمواطنين.
عثمان آدم، الأستاذ الجامعي سابقا، وأحد قيادات معسكر اللاجئين في «بويالي»، شمال غرب يوغندا، قدم من أم درمان وقضى فترة في معسكر اللجوء بجنوب السودان، ثم اتجه إلى معسكر نيومانزي في يوغندا، قبل أن يستقر أخيرا في معسكر «بويالي» في مقاطعة كرياندونقو.
متحدثا لمراسلة «أثر»، قال عثمان إن عدد المسجلين من اللاجئين السودانيين تجاوز 28 ألف فرد، حسب إفادات موظفي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مضيفا أن المعسكر يضم طيفا مجتمعيا واسعا من جميع أنحاء السودان، كما تقطنه فئات مهنية متنوعة، موزعين أسرا أو أفرادا في 17 مجمعا سكنيا، يرمز لها بحروف (L G …). ويقطن السودانيون في 11 مجمعا منها، ويعد مجمع G الأكبر مساحة وبه أكبر عدد من السودانيين، بحوالي 550 أسرة.
توفير غذاء:
توفر المفوضية السامية للاجئين، بالتعاون مع منظمة الغذاء العالمي، أربعة أصناف غذائية، وهي الذرة الشامية، وزيت الطعام بمعدل لتر للفرد، والفاصوليا الحمراء، والقليل من الملح. وتقدر الحصص حسب تاريخ التسجيل بالمفوضية ودخول النظام في الأشهر الأربعة الأولى بنسبة 100%، تتناقص بعدها إلى 60% في الأشهر الثلاثة التالية، ثم إلى 30%. مؤخرا اسئبدلت حصص الغذاء بمبالغ نقدية، تتدرج من 48 ألف شلن للفرد شهريا في الشهور الأربعة الأولى، ثم تتناقص حتى تصل 28 ألف شلن مع نسبة 60% في الغذاء، وصولا لمبلغ 14 ألف شلن.
يقول معاوية محمد الحسن، وهو اقتصادي ورائد أعمال سابق في السودان، وأحد القيادات المجتمعية في المعسكر، إنه دخل يوغندا بتاريخ 23 سبتمبر الماضي، قادما من إثيوبيا، التي تركها بعد اعتقاله بسبب مخالفة الفيزا، فقصد يوغندا وسجل لاجئا في معسكر نيومانزي قرب حدود جنوب السودان، لكنهم نقلوا قسرا في 24 يناير، وجيء بهم إلى معسكر «بويالي» ف كرياندونقو.
وحسب معاوية، فإن حصة الغذاء لا تكفي الأفراد (السناقل)، خاصة بعد الانتقال إلى نسبة 30%، فقد لوحظ انتشار سوء التغذية وسطهم: «ناقشنا الأمر مع سلطات المعسكر، ولجأنا إلى تأسيس مطبخ جماعي بالعون الذاتي ومساهمات مجمع 6، ثم اتسع الأمر ليشمل تأسيس مطبخين آخرين».
كفل المطبخ في بدايته 250 أسرة، ويكفل الآن 450 أسرة، لكنه يعاني من تذبذب ونقص الدعم والإمداد.
تحدٍ كبير:
فرح الدولة الطاهر، مفتشة ضرائب سابقة في السودان، وصفت لمراسلة «أتر» مشكلة المياه قائلة إنها من أكبر التحديات التي تواجه قاطني المعسكر، سواء كان من حيث توفرها أم صلاحيتها للشرب أو الطبخ. «المياه مالحة، ما يضطرنا للمشي مسافة طويلة بالأقدام تمتد 5 كيلومترات لشراء المياه النظيفة بقيمة ألف شلن يوغندي للتانك (جركانة 36 لتر)»، مشيرة إلى أن معدل الاستهلاك اليومي يتراوح بين 5 و6 تانك للأسرة.
«حددنا عددأ من المواقع لحفر آبار من قبل بعض المنظمات، ولكن لم تنجز بعد»، تقول فرح الدولة.
السكن والملجأ:
توفر حكومة يوغندا قطع أراض سكنية وزراعية للاجئين، بما يتماشى مع نهج التجمعات في يوغندا، والذي تعهدت الحكومة بتطبيقه على مجتمعات اللاجئين في قمة القادة. وخضصت لكل أسرة سودانية مساحة تبلغ 2020 مترأ مربعا مساحة سكنية وزراعية. كما توفر الحكومة مواد بناء، وتشمل عيدانا وأعمدة ومسامير، بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون للاجئين، إضافة إلى مشمعات تخييم، وبعض الأدوات المنزلية مثل مصباح إنارة بالطاقة الشمسية، وسجادات للنوم والصلاة، وبطاطين، وتانك مياه، وحبال، وطشت. لاحقا استبدل جزء من هذه العيدان والإنارة وأدوات المطبخ بمبلغ 170 ألف شلن. لكن كل هذا يتوقف على توفر تلك المواد في مخازن المفوضية.
وحسب حديث أحد سكان المعسكر، فإن المبلغ التعويضي وصل 258 ألف شلن، ومع ذلك لا يغطي النفقات، فقد ارتفع سعر العود في السوق من قيمة ألفين إلى 10 آلاف شلن، أما سعر لمبة الإنارة فقد ارتفع من 40 ألفا إلى 70 ألف شلن حاليا.
عثمان آدم، أستاذ وأحد القادة المجتمعيين أخبر مراسلة «أتـر»، أن إقامة المعسكر على أرض كانت في السابق غابة هو أكبر تحديات الأمن والحماية، ما جعل من المساحات شاسعة بين المساكن، إضافة إلى العجزعن تسوير المنازل أو القطع السكنية، مما يجعلهم عرضة للاحتكاك مع الجنسيات الأخرى التي تتشارك السكن في المعسكر، إضافة إلى انتشار السرقات، فضلا أن المخيمات عرضة للحيوانات العابرة، ناهيك عن عدم الخصوصية.
يضم المعسكر أيضا أطفالا وفتيات دون أسر، وأمهات عازبات، كما شهد المعسكر عددا من حوادث العنف والانتهاكات سواء أكان في المدارس أم التجمعات السكنية.
تحديات الصحة:
يسرد عثمان آدم: «يوجد مستشفى واحد تقع على كاهله تغطية جميع التجمعات السكنية، وهو فوق ذلك غير مؤهل سواء أكان من ناحية وفرة الأدوية، خاصة للأمراض المستدامة، أم من ناحية كفاية الكوادر الطبية المؤهلة، لذا تحول معظم الحالات إلى المستشفيات الحكومية في المدن القريبة مثل قولو ومستشفى ملاقو في كمبالا».
ويبعد المستشفى عن المعسكر أكثر من كيلومترين، كما لا تتوفر سوى عربة إسعاف وحيدة، ما يتسبب في حدوث وفيات، وحالات إجهاض، وتراكم المنتظرين في مستشفى المعسكر للتحويل إلى المستشفيات الأخرى. وبطبيعة المنطقة تنتشر الثعابين، والعقارب، والبعوض، وحشرات أخرى، تفاقم من الوضع، خاصة مع انعدام الأمصال والأدوية اللازمة.
التعليم:
ذكر عبد الله موسى عبد الله، المعلم والناشط المدني وممثل لجنة التعليم، أن المعسكر يضم ثلاث مدارس بها طلاب يوغنديون ولاجئون من جنوب السودان، والكنغو وكينيا. «يوجد أغلب الطلاب السودانيين في مدرسة إيماتونق في مجمع 6». وحسب الإحصائيات، فإن نسبة 95% من الأسر تمكنت من إلحاق أطفالها بمدارس المعسكر. ويتراوح عدد الطلاب في المدرسة بين 450 إلى 500 طالب وطالبة، في مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف السادس، فيما يوجد عدد مقدر ممن هم في سن المدارس الثانوية، لكنهم خارج النظام التعليمي.
وحسب المعلم عبد الله موسى، فإن التحديات التعليمية للأسر السودانية تتمثل في العجز عن تسديد الرسوم الدراسية، إذ لا يملك أغلبها مصدر دخل. وتبلغ الرسوم 150 ألف شلن للفصل الدراسي الواحد (ثلاثة أشهر)، بينما تتوزع السنة الدراسية على ثلاثة فصول.
«كذلك لا تتوفر الكتب الدراسية، كما أن الزي المدرسي إجباري، وقيمته المالية تختلف حسب المدرسة، إضافة إلى تكلفة الشنطة المدرسية بمحتوياتها من أدوات مكتبية»، يقول أستاذ عبد الله، مضيفا أن الطلاب يواجهون حالة من الاكتظاظ ف الإجلاس، ما يسبب انتشار الأمراض خاصة أمراض الجهاز التنفسي والأنفلونزا وسط الطلاب.
شكت أسر عديدة أيضا من صعوبة تكيف أطفالها الطلاب مع البيئة الجديدة، إضافة إلى أن البيئة المدرسية غير محفزة للمدرسين، على قلة عددهم، مع عدم توفر مكاتب للمعلمين وضعف الوسائل التعليمية. ويختلف الدوام المدرسي عما كان عليه الوضع ف السودان، فيوم الدراسة طويل يمتد من السابعة صباحا وحتى السادسة مساء، والأجور ضعيفة مقابل الجهد الكبير.
وتشكو الأسر أيضا من المسافة البعيدة بين المدرسة الثانوية والمساكن، مما يجبر الطلاب على دفع تكلفة مواصلات عالية لأسر بالكاد تملك قوت يومها.
وتعد الوجبات المدرسية إحدى المشكلات المهمة، فاختلاف الثقافة الغذائية مجهد للأمهات والأطفال. تقدم المدارس مديدة الذرة أو الدخن صباحا للأطفال، وهي في العادة «غير مستساغة لأطفال الأسر السودانية»، حسب شكاوى عديدة، كما توفر إدارة المدارس وجبة الغداء في مواعيد الإفطار السودانية، وتقدم فيها الجنجارو (الفاصوليا الحمراء) مع عصيدة الذرة الشامية.
أما الطلاب الجامعيون، وفقا للمعلم عبد الله موسى، فإنهم لم يتمكنوا من الالتحاق بأي جامعة، بسبب الشروط المالية وعدم امتلاك كثيرين لشهادات الإكمال.
معاناة النساء:
زليخة محمد موسى، مهتمة بمسائل المرأة والطفل للاجئين السودانيين في معسكر «بويالي»، وقد أخبرت مراسلة «أتر» أن النساء يعانين من ندرة فرص العمل، وكذلك فرص تنمية القدرات والمهارات، «لكن الأنكى هو معاناتنا من عدم الخصوصية ف الحمامات، فهي مؤقتة ومشتركة، والخيام مكشوفة في العراء، والخيمة الواحدة تضم جميع أفراد الأسرة، وهي مع ذلك باردة ليلا وساخنة نهارأ»، مستطردة أن معظم النسوة يفتقرن إلى التغذية الجيدة، ما يجعلهن عرضة للإصابة بسوء التغذية بسبب شح الغذاء وعدم تنوعه، خاصة وسط الحوامل والمرضعات، الأمر الذي تسبب في إجهاض كثيرات، ومعاناة المرضعات من قلة در الحليب.
تستمر زليخة في سرد مشكلاتهن، موضحة أن مشكلة التعليم تؤرق مضاجع الأمهات خاصة مع اختلاف السلم التعليمي وحاجز اللغة، ما يخلق صعوبة في الفهم والتواصل، كما أن طول اليوم الدراسي وضغط الحصص والامتحانات، واختلافها عن النظام السوداني، مع غياب وسائل الترفيه جعل الأطفال يعانون من ضغط عصي قد يترك أثره عليهم.
يقول الهادي عبد الله، أحد القيادات الشبابية بالمعسكر، إن المعسكر يضم طاقات شبابية من حملة الدرجات العلمية والناشطين السياسيين وأعضاء لجان المقاومة، وطلاب الثانويات والجامعات والمعاهد العليا الذين انقطعت دراستهم بسبب الحرب، موضحا أن «هؤلاء جاءوا أفرادا أو مع أسرهم، ويجاهدون ف مواجهة تحديات الحياة، خاصة مع انعدام فرص العمل، والتعليم، والتدريب. لذا أسسنا مكتبا للشباب بعد نقاش مستفيض عن أوضاع الشباب في المخيم، ولكنه يفتقر إلى الأساسيات، عدا بعض المعينات التي تأتي من هنا وهناك من بعض الخيرين».
الإقامة والحياة داخل معسكر
«بويالي» في مقاطعة كرياندونقو، ليست سهلة. ورغم الجهود المبذولة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالشراكة مع الحكومة اليوغندية وبعض المنظمات الدولية، فإن الوضع غير مهيا ويفتقر إلى كثير من الخدمات الأساسية ومقومات الحياة الكريمة، ما أتر على الجميع، وخاصة قطاعات الشباب، إذ لا تتوفر فرص العمل والتعليم بقدر توفر المشروبات الكحولية والمخدرات. اضطر كثيرون إلى مغادرة المعسكر صوب أماكن أخرى في يوغندا، أو دول الجوار في رواندا، وتنزانيا، وأحيانا الصومال، بينما أجبر كثيرون على العودة إلى السودان، وفتح فصل جديد نحو المجهول.