د.الشفيع البدوي
عطّلت روسيا مشروعَ قرارٍ لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النّار في السودان، كما تزعم دولتا بريطانيا وسيراليون اللّتان صاغتا مشروع القرار، ووافق على مشروع القرار أربعة عشر دولة .. وقد استخدمت روسيا “الفيتو” المعروف بحق النّقض لإيقاف مشروع القرار التي ترى أنّه معيباً وفق رؤيتها، وفنّدت ذلك في طرحها..
قالت روسيا أنّ المملكة المتّحدة وسيراليون لم تتّبعا الطرق المعروفة في صياغة مشروع القرار ولم تراجعا موقف السلطات بالسودان ولم تشاوراها في الأمر، وأرادت الدولتان – كما ترى روسيا – أن تفرضا واقعا على الشعب السوداني فوق إرادته ورغبته.. وترى روسيا أنّ مشروع القرار يجب أن يراعي رؤية السودان في ذلك وأن يأخذ في اعتباره نجاحه في إيقاف الحرب القائمة وأن يستصحب موافقة الحكومة السودانية بذلك وهذا ما لم يحث، لذلك، اتّجهت روسيا هذا المنحى في إيقافه..
ثارت بريطانيا غضباً جرّاء الفيتو الرّوسي، حيث ظهر ذلك جلياً في كلمات مندوبها، إذ كان منفعلاً ونبراته عالية وكلماته ساخطة على تصرّف روسيا، واصفاً إيّاها بأنّها عرقلت مشروع القرار وأنّها أوقفت جهود مجلس الأمن في معالجة المسائل الإنسانية بالسودان، وهذا أمرٌ معيب، وفق زعمهم.. كما انتحت الولايات المتّحدة ذات المنحى واصفة تدحّل روسيا بالسافر في قتل الجهود الدولية ووأد المشاريع الرامية لمعالجة الصعوبات الإنسانية..
واعتبر الأستاذ جعفر حسن النّاطق الرسمي باسم “تقدّم” تدخّل روسيا بالغريب وقال أنّها ذكرت “تقدّم” بالإشارة إلى تحالف القوى الديمقراطية المدنية، بالاسم والتي يعتبر الأستاذ جعفر حسن ناطقاً رسمياً لها، حيثُ قال أنّها لم يتبقى لها سوى أن تقول “في حماك ربّنا، في سبيل ديننا” في إشارة إلى أنّ روسيا تقف مع “الكيزان” ، في إشارة خبيثة إلى أنّ “الكيزان” هم من يتحكّمون في الشأن السودان الحالي.. انتهى مشروع القرار الذي تم التخطيط له بليل إلى سلّة التاريخ البعيدة..
الغريب في الأمر، أنّ مشروعَ قرارٍ بذات الفكرة وذات الصياغة، أُعِدّ من اجل وقف إطلاق النّار وإنهاء الاقتتال في “غزّة” وتمّ الموافقة عليه بذات عدد الدول في مشروع القرار الذي سبقه، وهو أربعة عشر دولة، وقامت الولايات المتّحدة الأمريكية بعرقلته مستخدمة حق النّقض “الفيتو”.. فهل تخيّلتم ما حدث؟!
صمتت بريطانيا التي تتشدّق بالإنسانية، وأنّها معنية بما يواجه النّاس من قتل ونزوح وتشريد وو.. الخ.. صمتت تماماً ، بلعت لسانها ولم تنطق ببنت شفة .. كما لم نسمع لجعفر حسن الذي علا صراخه من قبل، ولم يتكرّم أحد من الناطقين الرسميين بـ “تقدّم”، بشجب أو إدانة لهذا قرار؛ أكلت القطة ألسنتهم؛ لم تُسمع لهم كلمة واحدة ولا حتّى تعليق، ليتّضح أنّ الإنسانية في قاموسهم هي بضاعة يخرجونها متى ما كان السوق كاشفاً ومتى ما ضمن القوم بيعها لمن يريدها..
على من يتزّعم أمر قوم ما، أن يكون متّسقا مع نفسه وأن لا تتجزّأ المبادئ عنده .. لا يمكن أن تنادي بشيء في حالة وفي ذات الصياغ تنادي بغيره .. هذا لا بدّ وأنّه يعبّر عن تشوّه في البنية الأساسية للمنصّة التي تنطلق منها وخلل كبير في الرؤية العامة للقضية التي تنادي بها وتقاتل من أجلها .. اللّهم إلّا إذا كنت “ميكافيلياً” الغاية عندك تبرّر الوسيلة؛ عندها لم تكن مؤهّلاً لرفع شعار قضية منصفة ولست عادلاً في حملها وطرحها..