في خطوة قد تشكّل منعطفًا حاسمًا في السياسة الأمريكية تجاه الصراع السوداني، يناقش مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الأسبوع موازنة الدفاع للعام 2026، حيث طُرح بند إضافي من قبل السيناتور الجمهوري جيم ريش يطالب وزارة الخارجية الأمريكية بإجراء تقييم رسمي حول ما إذا كانت قوات الدعم السريع السودانية تستوفي معايير التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية.
وينص البند المقترح على إلزام وزير الخارجية بتقديم تقرير سري إلى اللجان المختصة في الكونغرس في غضون 90 يومًا من إقرار المشروع، يحدد فيه نتائج التقييم استنادًا إلى المعايير القانونية المتبعة في تصنيف الجماعات الإرهابية. ويرى مراقبون أن إقرار هذا البند سيشكّل ضغطًا مباشرًا على الإدارة الأمريكية لتبني موقف أكثر صرامة تجاه الانتهاكات الجسيمة المنسوبة إلى قوات الدعم السريع.
قوات الدعم السريع، التي انخرطت في حرب دامية مع الجيش السوداني منذ أبريل 2023، تواجه اتهامات موثقة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين. وتشمل هذه الانتهاكات عمليات قتل جماعي واغتصاب ونهب، إضافة إلى حصار المدن ومخيمات النازحين. وقد وثّقت منظمات حقوقية دولية، بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، أدلة على ارتكاب قوات الدعم السريع ومليشياتها أعمالًا ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما أثارت المجازر الأخيرة في إقليم دارفور، لاسيما في مدينة الجنينة وزمزم ومحيط الفاشر، موجة من الإدانات الدولية، حيث وصفت الأمم المتحدة هذه الهجمات بأنها “تطهير عرقي”، فيما اعتبرت الإدارة الأمريكية في يناير الماضي أن ما يجري في السودان يرقى إلى مستوى “الإبادة الجماعية”.
ويُتوقع أن يؤدي إدراج بند التقييم ضمن الموازنة الدفاعية إلى فتح الباب أمام إجراءات أمريكية أكثر صرامة ضد قادة الدعم السريع، مثل تجميد الأصول، وفرض عقوبات موسعة، ومنع التعاملات المالية والتجارية مع الكيانات المرتبطة بهم. كما قد يشجع ذلك حلفاء واشنطن في أوروبا وأفريقيا على اتخاذ خطوات مماثلة.
ويرى محللون أن الخطوة، إذا ما اكتملت، ستزيد من عزلة الدعم السريع إقليميًا ودوليًا، وقد تعيد رسم موازين القوى داخل السودان، خصوصًا في ظل الضغوط الإنسانية الهائلة التي يواجهها المدنيون.
ومع انتظار التصويت النهائي على الموازنة خلال الأيام المقبلة، يترقب الشارع السوداني والدولي ما إذا كانت واشنطن ستنتقل من الإدانة اللفظية إلى خطوات عملية يمكن أن تغيّر مسار الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين
ردود الفعل الدولية والإقليمية المتوقعة
يرى محللون أن الخطوة، إذا ما اكتملت، ستشكّل تصعيدًا نوعيًا في الموقف الأمريكي تجاه قوات الدعم السريع، التي تواجه اتهامات واسعة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في السودان، خاصة في دارفور والفاشر. ومن المتوقع أن تلقى هذه الخطوة ترحيبًا من قوى دولية مثل الاتحاد الأوروبي وكندا، التي طالبت مرارًا بتشديد العقوبات على الجماعات المسلحة المنتهكة للقانون الدولي الإنساني.
إقليميًا، يُتوقع أن تواجه بعض الدول، خاصة الإمارات المتهمة بتوفير الدعم اللوجستي والمالي لقوات الدعم السريع، ضغوطًا أمريكية متزايدة قد تعيد صياغة توازن علاقاتها مع واشنطن. كما أن تشاد ودول الجوار السوداني قد تُجبر على اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا تجاه تحركات الدعم السريع عبر حدودها.
أما في الداخل السوداني، فإن هذا التصنيف – إذا مضت واشنطن في تبنيه رسميًا – قد يعزز موقف الجيش السوداني سياسيًا، ويمنحه غطاءً دوليًا باعتباره الطرف “المشروع” في مواجهة جماعة مصنفة إرهابية. لكنه في الوقت نفسه قد يدفع قوات الدعم السريع إلى مزيد من التشدد، ما يهدد بزيادة حدة الصراع وتفاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها ملايين المدنيين.
ويشير مراقبون إلى أن واشنطن، بطرحها هذا البند، ترسل رسالة واضحة مفادها أن انتهاكات القانون الدولي الإنساني لم تعد تمر دون محاسبة، وأن مستقبل الدعم السريع ومصادر تمويله قد يواجهان عزلة خانقة إذا استُكملت إجراءات التصنيف
