موفق عبدالرحمن محمد
أبدأ مقالي هذا بالقول المتوافق علية وهو أن بناء الأوطان لا يبدأ ولا ينتهي بالعمران وبناء الصروح و سنّ القوانين _ بل هو بناء للروح وغرس عميق لمعاني الانتماء في وجدان الأجيال .
وهنا يبرز الدور الجوهري والرئيس للقيم الثقافية والاجتماعية _ بوصفهما الرافدين الأساسيين لتعميق التربية الوطنية وتحويل محبة التراب من مجرّد عاطفة عابرة إلى فعل مستدام ونهج حياة . تبدأ الرحلة من القيم الثقافية لكونها الموروثات العميقة التي تتجسّد في لغتنا وفنوننا وقصص الاجداد _ وفي كل نغمة تُردد تاريخنا ونطرب لها هذه القيم هي هويتنا الحصينة وهي التي تُعلمنا كيف نرى العالم من منظورنا الخاص _ وهذا ما يُولّد عندنا الشعور بالفخر والمجد . _ عندما نستدعي قيمة الاعتزاز بالتاريخ الوطني و قيمة صون الإرث الحضاري ، فنحن لا نتذكر مجرد معلومات وحكايا تاريخية ، بل نستلهم ذلك الرابط الروحي الغير قابل للإنفصام بينه وبين التراب الذي يحتضن كل هذه الكنوز _ إنها الجذور التي تسقي نبات الانتماء وتمنح الهوية .
في المقابل تنهض القيم الاجتماعية لتُترجم هذا الحب الروحي إلى سلوكيات عملية في واقع حياتنا اليومية ~ فالتربية الوطنية لا تكتمل إلا باستدعاء قيم العدالة و الأمانة و المسؤولية المدنية والعمل الجماعي . هذه القيم هي جسور التماسك وهي التي تضمن أن يكون حب الوطن ليس مجرد شعار فردي بل التزام مشترك بالارتقاء بالجميع . فعندما يلتزم المواطن وكذا المُقيم بقيمة الإتقان في عمله و قيمة المحاسبة في تعامله مع الموارد العامة فهو بذلك يُمارس أعلى درجات المسؤولية والوطنية بادراكة بأن محبة ورفغة الاوطان تبدأ من جودة الأداء الفردي ونزاهته . استدعاء هذا المثلث متساوي الأضلاع ( الثقافة _ المجتمع _ التربية ) يحوّل مفهوم الوطن من خريطة إلى قضية أخلاقية _ وعندما تُصبح خدمة الوطن قيمة ثقافية وإلتزام اجتماعي فإنّ الإستقرار والنماء المستمر للدولة لا يكون مجرد هدف بل مصير محتوم تُضيئه شُعلة الوفاء والإيمان بالمستقبل .
