القاعدة الروسية بالبحر الأحمر .. “ترانزيت سياسي أم إقتصادي” ؟

 

تقرير – نازك شمام

تنظر الحكومة السودانية لدولة روسيا كحليف قوي يساندها في مواقفها السياسية وهي تخوض حرباً اقتربت من إكمال عامها الثاني مع مليشيا الدعم السريع، تزامناَ مع تصاعد الآمال بين البلدين أن يسهم التحالف بينهما في انفتاح اقتصادي كبير يعزز من العلاقات السياسية بينهما كما يظهر من خلال زيارة وزير الخارجية السوداني علي يوسف الحالية ونتائج مباحثاته مع نظيره الروسي سيرجى لافروف، والتي عاد فيها الاتفاق القديم بإنشاء نقطة دعم لوجستية على سواحل البحر الأحمر السودانية إلى الواجهة مرة أخرى.

 

والاتفاق الذي أشعلته تصريحات يوسف بموسكو، في جوهره، ليس جديداً فقد تم إبرامه في العام 2017 في عهد الرئيس السابق عمر البشير وينص على أن تبني روسيا وتُشغّل نقطة دعم لوجستية بحرية على البحر الأحمر لصالح الأسطول البحري الروسي، غير أنه وبعد تولي الجيش السوداني الأمور عقب الإطاحة بنظام الرئيس البشير، وضع هذا الاتفاق قيد المراجعة.

 

ويُؤكد سفير السودان بروسيا، محمد الغزالي التجاني سراج أن ما تردد عن الإتفاق عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر في السودان، هو نفس الإتفاق القديم والمسمى نقطة الدعم المادي واللوجستي بالبحر الأحمر، وقال إن الإتفاقية موجودة وينظر البلدان إليها في إطار العلاقات الثنائية المتطورة طالما هو إتفاق ثنائي رأى البلدان أن من مصلحتيهما تطوير العلاقات الثنائية بينهما في هذا الجانب.

 

وربما ما يهم الجانب السوداني في الوقت الراهن هو مانقله موقع “المحقق” الاخباري عن السفير السوداني في موسكو أمس من أن روسيا أكدت رغبتها في المشاركة عبر القطاعين الحكومي والخاص في خطط وبرامج الحكومة السودانية لإعادة الإعمار بعد الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية من جراء الممارسات الممنهجة لمليشيا الدعم السريع الإرهابية، وأضاف إن روسيا لديها مقدرات كبيرة، والسودان به موارد ضخمة، ونتوقع إسهام روسيا في مجالات حيوية مثل الطاقة والنفط والمعادن، مشيراً أنه قد بدأت بالفعل تهيئة القطاع الحكومي، وأنه سوف تنعقد اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين في بورتسودان قريبا جدا بمشاركة مهمة من شركات حكومية وخاصة ذات ثقل وخبرة كافية في هذه المجالات.

 

ويتصدر قطاع التعدين الاهتمام الروسي بالبلاد حيث تسعى الشركات الروسية للعمل بمربعات التعدين بالولايات الآمنة بعد الحرب، وفي شهر سبتمبر الماضي ناقش وفد من غرفة التجارة الروسية مع مسؤولين سودانيين ترتيبات العمل على استخراج الذهب من عدة مواقع في البلاد بدءاً من أكتوبر المقبل. ووقعت وزارة المعادن السودانية اتفاقية مع شركة زاروبيج الروسية في السابع من يونيو الماضي للبحث واستخراج الذهب في مربع (NS- A-24).

 

وأكد التجاني أن السودان يبني علاقاته على المصلحة المشتركة وتبادل المنافع على أسس عادلة ودون استغلال، وقال نرى أن روسيا تطرح ذلك ضمن نهجها في إدارة علاقاتها الاقتصادية الخارجية، مضيفاً نحن منفتحون نحو أي دولة سواء كانت غربية أو غيرها، تراعى هذه الأسس في العلاقات.

وتابع: فضلاً عن أن روسيا وقفت مع السودان ودعمته بصورة مقدرة خلال هذه الأزمة، لافتاً إلى أن هذا التفهم لطبيعة الأوضاع في السودان يضع روسيا في قائمة الدول التي لها الأولوية في الاستثمارات والشراكات في مختلف المجالات.

 

غير أن الخبير الاقتصادي، د. محمد علي تورشين يرى أنه لايوجد ثمة مكاسب اقتصادية يمكن أن تنجم من خلال إقامة (قاعدة حربية روسية) على ساحل البحر الأحمر لعدة عوامل من بينها أن الاقتصاد الروسي لا يملك قدرات إنتاجية ولا تسويقية كبيرة مقارنة بالدول الغربية الأخرى.

 

وأشار في حديثه مع “المحقق” إلى إن روسيا تتفوق في الصناعات الدفاعية والعسكرية حيث تصدرت قائمة الدول الأكثر تصديراً للاسلحة لاسيما للدول الافريقية.

وأوضح أن الفائدة من إقامة هذه القاعدة للسودان ستنحصر في المكاسب العسكرية ودعم الجيش السواني بالأسلحة في الحرب القائمة الآن.

 

وأكد على أن السودان يحتاج للانفتاح مع كثير من الدول غير روسيا لجهة أنه يحتاج لتنويع المصادر الاقتصادية من عدة دول في آسيا والاتحاد الأوروبي.

 

بدوره أكد المحلل الاقتصادي، د. هيثم محمد فتحي أن روسيا تمتلك أكثر من 30 قاعدة عسكرية خارج حدودها، وتنتشر في معظمها داخل الأراضي التي كانت تتبع للاتحاد السوفيتي السابق، وأنها تبحث باستمرار عن فرص لزيادة إمكاناتها العسكرية في آسيا وأفريقيا،

وقال إن”ذلك من شأنه أن يتيح تطوير التعاون مع البلدان في هذه المناطق، ليس عسكريًّا فقط، ولكن أيضًا سياسيًّا واقتصاديًّا. خاصة أن السودان يتمتع بأهمية رئيسية ليس فقط على المستوى الإقليمي؛ بالإضافة إلى المستوى الجيوسياسي العالمي؛ لأنه سيمكن روسيا من أن تكون لديها نقطة دعم لوجستية على سواحل البحر الأحمر ، وأضاف فتحي في حديثه لموقع “المحقق” الإخباري إنه “نظرًا إلى طرق التجارة الكثيرة التي تمر عبر هذه المياه؛ ستكون روسيا حريصة على توسيع نفوذها في هذا الاتجاه في ظل وجود قوى أخرى كثيرة تولي اهتماماً بأن يكون لها حضور بحري في السودان، ومنها دول الخليج والصين.

 

ويرى فتحي إن من شأن الوجود الروسي في السودان أن يمكنها من التنافس مع الولايات المتحدة والصين في المنطقة إلا انه في ذات الوقت يلفت النظر الى معاناة روسيا من أعباء اقتصادية متزايدة نتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب حرب أوكرانيا، إضافة إلى تكاليف الوجود العسكري في الخارج.

 

وأوضح أن مع هذه الضغوط، قد تجد موسكو نفسها مضطرة لتقليل نفقاتها العسكرية والتركيز على التحديات الداخلية مع سعيها في الوقت نفسه إلى تطوير علاقات اقتصادية مع دول البحر الأحمر من خلال اتفاقات التعاون الاقتصادي في مجالات مختلفة، ومن خلال المشاريع الاستثمارية.

وكشف هيثم عن تفاهمات روسية سودانية حول الاستثمار في مجالات النفط والغاز والمعادن، مبيناً أن العلاقات الروسية السودانية أشبه بمحطة “ترانزيت سياسي”.

نقلا عن موقع “المحقق”

Exit mobile version