الفنان مصطفى أحمد الخليفة وكلمات عن المسرح

السر السيد

 

يعتبر الفنان مصطفى أحمد الخليفة ومنذ الثمانينيات من القرن الماضى واحداً من أبرز الفاعلين في حركة المسرح السوداني والدراما التلفزيونية والإذاعية، فقد استطاع أن يصنع لنفسه موقعاً متميزاً في مسيرة المسرح، فهو من قلة من المؤلفين لاقت مسرحياتهم نجاحاً جماهيرياً كبيراً، ومن قلة من المؤلفين تواصلت مسيرتهم دون انقطاع يذكر، فمصطفى الذي ألف عدداً من المسرحيات التي يمكن أن توصف ب”الجماهيرية”، بسبب ما لاقته من إقبال كبير من جماهير الخرطوم ومدن أخرى في السودان، نجده قد تفرد بعدد من الخصائص التي يمكن إجمالها في:

  1. ما يمكن أن نسميه ب”المسرح السياسي” فمسرحياته في معظمها اتخذت من السلطة وعلاقتها بالوطن والمواطن موضوعاً لها.
  2. اتكائه على نصوص لكتاب آخرين وإعدادها وسودنتها، مع ملاحظة أن له مسرحيات أخرى قام هو بتأليفها.
  3. ارتباطه خاصة في مسرحياته الطويلة بمخرج واحد هو محمد نعيم سعد، وفريق ممثلين محددين قوامهم فرقة الأصدقاء.
  4. عند مقارنته بأبناء جيله نجد أن أعماله هي الأكثر جماهيرية، فمسرحيات ك”المهرج”، و”حبظلم بظاظا” و”حفلة على الخازوق” و”بيان رقم واحد” و”دش ملك” “والنظام يريد”، تعد من المسرحيات السودانية التي عرضت أكثر من مرة ولاقت إقبالاً جماهيرياً كبيراً.

من موقعي الخاص والذي ينهض على معرفة ب”مصطفى” وعلى متابعة لأعماله أستطيع القول: إنه كان يسعى لأن يكون لمسرحه دوراً في إعادة طرح الأسئلة الاجتماعية، وفي المقدرة على صناعة الضحك ومن ثم (الفضح)، وعندما أقول مسرحه فإني أعني هذا، حيث إن البعض لا يرى في الإعداد أو الاقتباس أو إعادة الكتابة تأليفاً يعتد به، وهو رأي لن يصمد عند النظر إلى تاريخ النص المسرحي في العالم، حيث إننا سنجد مئات النصوص المسرحية التي نهضت على نصوص سابقة والأمثلة هنا كثيرة، فمثلاً مسرحية (هاملت يستيقظ متأخراً) للسوري ممدوح عدوان التي قامت على مسرحية (هاملت) لشكسبير ومسرحية (انتيجون) للفرنسي جان أنوي التي قامت على مسرحية (انتيجون) لسوفكليس.

يقول فناننا: (المسرح/ الدراما فن نبيل ابتدعه الإنسان لخلق عالم مواز يفكك فيه عالمه الحياتي، ويطرح من خلاله تلك الأسئلة الصعبة، لذلك ارتبط هذا الفن في نشأته بالدين والأساطير والأسئلة الوجودية الكبيرة كسؤال الموت والحياة والعدالة ولذلك لم يكن غريباً أن ترد أسماء فلاسفة عظام في التاريخ الإنساني ارتبطوا بهذا الفن بصورة ما، أمثال أرسطو ولم يكن غريباً أيضاً أن يستمر هذا الأثر للمسرح على مر العصور، ويصبح فناً إنسانياً يتشاركه كل الناس ويدخلونه في همومهم من أجل التغيير وتمكين ثقافة الخير والحق والجمال).

وعن أهمية أن يكون الكاتب على دراية بثقافته ومسكوناً بها يقول: (إن الكاتب الذي لا يعرف ثقافة مجتمعه واللحظة التاريخية التي يعيشها مجتمعه لا يمكن أن يبدع مسرحاً يخاطب الناس ويحمل مقومات الخلود).

وعن الكاتب السودانى، يقول:

(وبالرغم من أن السودان بلد متعدد الأعراق والثقافات.. غني بالأساطير والحكايات والطقوس إلا أن الكاتب المسرحي السوداني لم يستطع التعبير عن هذا الإرث إلا لماماً، وقد يعود هذا إلى سيادة النظرة الآحادية وتغييب التعددية والتنوع ولعل هذا ما خلق على صعيد المسرح هوية ناقصة، فهوية المسرح السوداني في الغالب لا تنعتق كثيراً عن الهوية التي سعت (السلطة) الى تكريسها مما ضيع على مسرحنا وكتابنا فرصاً كثيرة، في النهل من إرثنا المتنوع فى الأساطير والقصص والحكايات والتاريخ والحيوات اليومية والحكمة، ولا استثني نفسي، فقد تقاعسنا جميعاً إلا من بعض الاستثناءات القليلة جداً هنا وهناك في أن نجعل مسرحنا يعبر عن هذا التنوع اللغوي والثقافي والديني، لذلك كانت خسارتنا فادحة وإن كنت أرى بصيص أمل في إمكانية أن يوسع المسرح السوداني من هويته ويتكلم بأكثر من لسان ويعبر عن أكثر من ثقافة، ويحكي عن أكثر من مكان وعن أكثر من سحنة).

كنت ولازلت أرى أن مصطفى، يختلف نوعاً ما عن الكثيرين من دارسي المسرح في السودان، وقد تبدى لي هذا الاختلاف في مقدرته  على تحويل المعارف المسرحية المعقدة إلى عمل يتفاعل معه المشاهد بدلاً من إشهارها للاستعراض فقط وفي مقدرته على التأكيد، على أن أي عرض مسرحي هو جماهيري بالضرورة ولا يوجد عرض مسرحي يمكن أن يقال عنه أنه غير جماهيري.

لا تكتمل هذه المقالة دون الإشارة إلى علاقة فناننا بصانع جمهور المسرح في السودان أستاذ الأجيال الفاضل سعيد وتأثره به، وفي هذا يقول:

(…..ولكن لقائي بالأستاذ الفاضل سعيد وعملي معه كممثل كان هو النقلة الأساس التي أدخلتني إلى المسرح فمعه تعرفت على أهمية العمل الجماعي في إبداع المسرح، نصاً وعرضاً،

وعلى حتمية أن يكون للمسرح جمهوراً، وأن يكون له دور في قضايا التنوير والنقد.

Exit mobile version