الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب يكتب عن رفقاء السلاح والمحبس، الشهيدين أبو القاسم وبحر ، وعن صالح الصالح

 

اللواء طيار ركن أبوالقاسم علي رحمة الله

وأخيه… اللواء الركن بحر أحمد بحر

( ربح البيع )

الحمد لله رب العالمين

و الصلاة و السلام على الحبيب الأمين قائد الغر المحجلين…….

هل أستطيع أن أكتب جملة واحدة أو عبارة في حق أي من الرجلين، ذلك ما ظلت تحدثني به نفسي خلال يومين و يوم سابق…

قفز أبو القاسم في سبيل الله و نال مراده بعون الله شهادة طالما تمناها و عمل لها و سعى.

.ثم ارتقى البحر ليلحق بحبيبه و صديقه وجاره، و نعم الجوار …جوار في المحبس و جوار في حرب الكرامة جهاداً ثم جوار الشهيد للشهيد في الفردوس الأعلى برحمة الله ..

نال الرجلان المبتغى و ربح بيعهما …

كانت نعم الرفقة تلك ، فلم تكن ثلاث سنوات عجاف بل كانت ثلاث سنوات ميمونات خضر ،

أعود للشهيدين…

(1) أبا القاسم إسم علي مسمى .. يحب الله و رسوله صلي الله عليه وسلم….رجل من عهد الصحابة عبادة و حباً و صدقاً ..إجتمعت فيه كل خصلة حميدة و إبتعدت كل خصلة ذميمة….مكارم الأخلاق ذلك الرجل… شجاعة و مروءة ، كرما و عزما و كان يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..كان إمامنا في صلاة الظهر و العصر ونحن في الحبس، أما صلاة المغرب و الصبح فهي لبحر و صلاة العشاء و الجمعة فكانت للعابد الزاهد اللواء الدكتور الركن إبراهيم محمد ابراهيم .( أطال الله عمره و بارك له وفيه ذلك التقي النقي) .و يشاركه في الجمعة احيانا الرائد الشيخ المعلم عبد الله محمد عبد الله الذي نهلنا من علمه الغزير و حبانا الله بالدروس علي يديه فقهاً و حديثاً و سيرة…..

كل تلك الصفات اجتمعت في الرجلين …

و كلاهما خبير في مجال عمله فإذا كان أبا القاسم ذلك الطيار الماهر الخبير المعلم خاض المعارك و أدار العمليات الجوية بالتنسيق الكامل الدقيق مع العمليات البرية فكان النصر حليفاً لكل معركة يشهدها ..و تشهد بذلك معارك ، منها إستعادة هجليج و معارك أبوكرشولا و أخيراً معركة الكرامة حيث تغبرت موازين المعركة بعد إنضمامه و بات النصر قريباً …

و لا بد أن أذكر هنا ، وقد كنا علي اتصال دائم و في أول يوم بعد إعتداء هذا العدو اللئيم ، علمت منه أنه قد تحرك و بعربته الخاصة إلى القاعدة الجوية حيث يرابط أولئك النسور، نسور يَعلَمهم و يَعلَمُونه فهو من علَّم و قاد أكثرهم ..و قال لهم بأنه جاهز للانضمام لخوض هذه المعركة و أنه لا يريد مقابلاً من أحد….و قد فعلها الرجل فور مناداته مقبلاً غير مدبر

( و يا خيل الله اركبي)…..

(2) أما بحرنا …فهو رجل الاستخبارات الذكي الفطن

يعرف كيف يحصل علي المعلومة و من أين و كيف و متي ثم يعلم كيفية تحليلها و الخروج بها بما يعرف بالإستخبارات ، تعددت ملكاته في مجال الاستخبارات و الاستطلاع و لم يكتف بذلك فهو القائد المخطط المقاتل ، الذي يعرف كيف يدير الرجال سلما و حربا و كيف يستفيد من الموارد المتاحة ليحقق بها نصراً بعد نصر ، و لقد شهدت له معركة الكرامة التي كان له فيها الدور البارز تخطيطا و توجيها و تنفيذا ، مما قلب موازين المعركة خاصة في منطقة بحري و شرق النيل و ختامها بفك الحصار المضروب علي القيادة العامة. وقد كان بحر هو بطل تحرير أبوكرشولا و من أبطال إستعادة هجليج و تشهد له كثير من المعارك في أنحاء مختلفة من الوطن العزيز

ما أنقاك يا بحر فأنت البحر الوحيد العذب ماؤه..

نعود لأبي القاسم….ذلك الرجل الحليم الذي لم يصادفني في حياتي من يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منه..و هناك مواقف و شواهد منها………..

زارني يوما أحد اصدقائي (الدكتور أبوبكر محمد علي) ، و هو يقيم في المدينة المنورة. و كان أبو القاسم حضورا كعادته خلال النهار في غرفتي….و عندما علم أن الرجل يقيم في مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم…نهض من مقعده ثانية و ظل يسلم علي الرجل و يقبل يديه و يقول (الرجل دا ما بخليه ليك ده يجاور رسول الله في مدينته و لازم الليلة نشبع منه و من بركات المدينة المنورة)..

ما أنقاك أبا القاسم ، هيبة الرجل تأتي من وقاره الذي يتأتى له من صدق حديثه وقلة مزاحه واحترامه للغير مهما كان مستواه العلمي أو المادي أو منصبه.

ذلك أبا القاسم و ذلك البحر..

(و كأن بين الرجلين عهدا قديم)……

قلت لنفسي أنني لن أستطع أن أعطي الرجلين حقهما و أراني قد أصبت …

( اللهم تقبل جميع الشهداء وعجل شفاء المصابين و الجرحي و عودا قريبا و كريما لجميع الأسري)

(3) الشهيد الصنديد المقدم الركن صالح فضل المولي صالح

الشهيد المقدم الركن صالح الصالح …

(سيف من سيوف الله )

صالح الصالح…

إبني كما أحب و يحب أن أناديه..في العام 2001 – 2002 و كنت حينها قائداً لحامية مدينة (بانتيو) في منطقة غرب النوير و كنت حينها برتبة العقيد ، كان الملازم صالح فضل المولي صالح ذلك الفتي النضير، هو ضابط الإستخبارات حينها و قائده المباشر حينها النقيب فخر الدين آدم النعيم….

…..صالح الصالح

ذلك الفتي نحيل الجسم قوي العزيمة، قوة في الشخصية و القلب كنت أري فيه شجاعة و رأي أكبر من سنه…حيث كانت مهامه اكبر من رتبته فهو ضابط الاستخبارات و الأمن في وحدة في جبهة القتال مباشرة و كان هو حلقة الوصل و المنسق مع القوات الصديقة ، قوات (السوم) التي قائدها اللواء فاولينو ماتيب و هي من قبيلة النوير (البل) و بنفس الوقت مع قوات (السيم) و قائدها جيمس ليا….و هي من نوير (الجكينج)…رغم صغر سنه و حداثة خدمته إلا أنه كان يقوم بواجبه كضابط استخبارات و كأنه قد عمل في مجالها لعدد من السنوات .. تلك موهبة حباه الله بها و فوق ذلك كان قدوة لإخوته من الضباط دفعته و غيرهم فهو ذلك العابد نشأ في طاعة الله و شب عليها….

ثم وجدته في المحبس حيث اعتقل قبل إعتقالنا بشهرين أو أكثر في تهمة لم تستطع هيئة الاتهام إثباتها و لكن…!!؟؟

خلال سنوات ثلاث لم نر منه غير الثبات و الجلد و الصبر كان مثالاً يحتذي عابدا زاهدا و إن كان الشجاع كما قيل ، منشرح الصدر ، متسع القلب فذاك صالح فضل المولي صالح و لم يكن لصالح إلا أن يموت شهيدا….. فكان أول من وصل و أخيه البحر إلى سلاح الإشارة ( يا خيل الله إركبي), و كنت متابعا معهما يوميا ما يدور…. و خلال هجوم مكثف من العدوالغاشم علي سلاح الإشارة ، ذهب صالح ليلحق بقوة هناك كان قد ضيق العدو عليها و هي قوة صغيرة و أصر علي أن يلحق بتلك القوة خاصة بأن بها الكثير من المصابين ليصاب بها هو الآخر و علمت ممن حضر أنه قد كان في غاية الثبات و قالها لهم إنه ذاهب لملاقاة ربه….

ما أزهدك يا صالح ، لقد نلت ما إبتغيت و ربح بيعك و تركت لأهلك ورثة الفخر و العزة…..نعم ربح البيع…..

ذلكم الشهيد صالح ..تقبله شهيدا و شفيعا في أهله….

الفريق أول ركن

هاشم عبد المطلب أحمد

رئيس الأركان السابق

**********

من رسائل الشهيد اللواء طيار ركن أبوالقاسم علي رحمة الله المدني

السلام عليكم…

سياتو هاشم …الحبيب و القريب ….

اليوم الاثنين الثاني من شهر شعبان 1445 الموافق 2/2/2025

الساعه العاشرة صباحا في سماء الفاشر الصامدة والعصية على التمرد تنسمنا نفحات بدر الكبرى

بينما كان العدو يحاول التسلل من أطراف الفاشر الجنوبية الغربية كنا نتتبعه بحجارة من سجيل،

حانت مني التفاته إلى أحد أفراد طاقمي فوجدته قد أخذته سنة من النوم وكنت أذكر الله وأدعوه مرددا يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى، اللهم سدد رمينا وأهلك عدونا .. الله أكبر …

تفاءلت جداً بما رأيت وتذكرت الصحابة رضوان الله عليهم وهم يصطفون للقتال إذ غشيتهم نعسة، وأصابت بعضهم جنابة فقالوا كيف نقاتل عدونا ونحن على هذه الحال فأنزل الله تعالى غيثاً مباركاُ شربوا منه واغتسلوا، وسجل المولى عز وجل هذه الواقعة التي كانت مقدمة للنصر المبين …

(واذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماءاً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام)

ثم أعقبها بقوله سبحانه وتعالى :

(إذ يوحي ربك للملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق

واضربوا منهم كل بنان)،

فما كان من العدو إلا أن تراجع تحت وابل ضرباتنا المسددة بحول الله وقوته مع خسائر كبيرة في الأفراد والآليات ..

ومالنصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم.

Exit mobile version