تحقيقات

الصحافة السودانية.. حالة لجوء إلكتروني (1)

يتعقبها: خليفة حسن بلة

* صلاح: الكارثة أن صحفنا خرطومية مادة وإنتاجاً وتوزيعاً
* أبو إدريس: الصحف تعاملت مع منسوبيها كعمال يومية..
* بخاري: غياب الورقية غير مبرر.. وبالإعلام تميزت المليشيا

الساعة تجاوزت الثانية عشر ليل الجمعة غادر الأستاذ بخاري بشير رئيس تحرير صحيفة الانتباهة مكتبه بعد أن أجاز عدد يوم غد السبت والذي هو ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، راجع بخاري المانشيت الرئيسي للعدد: *(الحرية والتغيير: إلغاء الإطاري يعني الحرب)، غادرها بعد أن أودع نسخة يوم غد للمطابع، ولم يدر بخلده ولو بنسبة واحد من مليون في المئة أن هذا الخروج هو آخر عهده بصحيفته بل وأن يكون خروج للصحيفة ذاتها وبقية صحف الخرطوم وبلا عودة، فقد تحقق الشرط الثاني من مانشيت الإنتباهة : الحرب ..
لم يطالع أحد صحف السودان ليوم ١٥ أبريل وما تلاها حتى تاريخه، أحرر هذا التحقيق في الأسبوع الثاني من أبريل ٢٠٢٤م، وها قد أكملت الحرب العام على بدايتها ..

حضرنا ولم نجدكم
قلت لبخاري بشير والذي التقيته في القاهرة بعد عدة أشهر من مغادرته مكتبه ليلتئذ: هل غياب الصحافة السودانية بسبب هذه الحرب مبرر؟ قال:( بالتأكيد أن غياب الصحافة في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الدولة السودانية غير مبرر، كان من الممكن أن تتم معالجة الأمر بعدة طرق).. بخاري يرى الحل أن تتجه الصحافة للولايات، وكأن رئيس التحرير والناشر صلاح عمر الشيخ يرد على بخاري رغم موافقته له أن غيابها غير مبرر: (كل المطابع موجودة في الخرطوم وكل الصحف تطبع في العاصمة بما فيها الصحف الإقليمية وهذه مشكلة واجهت كل الصناعات بما فيها المطابع وهو تكدس الصناعة في العاصمة ولهذا وصفت الصحافة بأنها خرطومية مادة وإنتاجاً وتوزيعاً وهذا خلل يجب تداركه بعد الحرب) .. الناشر ورئيس تحرير مجلة حواس الاقتصادية طارق شريف مضى إلى توصيف المشكلة من زاوية اقتصادية فهو يرى أن الصحافة السودانية أصلاً تعاني من مشكلة اقتصادية مزمنة وتفتقد وجود مؤسسات صحفية.. قال شريف: (الصحف معظمها يملكها أفراد وتفتقد لرأس المال وجاءت الحرب وزادت الطين بلة ولهذا كان من الطبيعي أن تتوقف الصحف).. ذهبت بذات السؤال للصحفي مراسل الوكالة الفرنسية عبد المنعم أبو إدريس الذي قال: (غياب الصحافة بعد 15 أبريل يعكس هشاشة بنيتها التي ظلت تعاني منها لعقود من الزمن، المقصود ضعف وضعها المالي والهيكلي الذي لم يمكّنها التعامل مع الأزمات)، د. النور جادين أستاذ الإعلام بالجامعات السودانية يجد العذر لغيابها في مثل هذه الظروف.. اختصرني في جملة: (في هذا الوضع كان من الطبيعي أن تتوقف الصحف الورقية).
جفت المطابع..وغابت الصحف..ثم ماذا؟
فجر 15 أبريل 2023م وجد الصحفيون أنفسهم أمام متاعب لم يضطروا للبحث عنها مثلما تقول العبارة التي تقترن بالصحافة..قال لي أبو إدريس (الصحف تعاملت مع منسوبيها كعمال يومية عندما توقفوا عن العمل لم توف بالتزاماتها المالية لهم) إدانة أبو إدريس للناشرين تعضدها إدانة طارق شريف ويشير لشريك: (انسحاب الحكومة من الصحافة وعدم دعمها أثّر بصورة كبيرة على الصحافة السودانية التى كانت تعاني قبل الحرب وزادت المعاناة الآن..)
د. النور جادين يؤكد أن (غياب الصحافة الورقية مؤثر جداً – بالرغم من ضعفها في السودان – حسب وصفه وقال إن غيابها يسهم في انتشار الشائعات وضعف التحليلات السياسية، ولعل هذا عين ما قصده طارق شريف: (الصحافة الورقية على علاتها تحكمها ضوابط مهنية صارمة وبغيابها افتقدت القوات المسلحة لمنابر مهمة لدعمها في معركة الكرامة) يوافقه بخاري بشير الذي يشير إلى أنه (كان من الممكن جداً أن تصبح الصحافة أحد وسائل الحرب ضد مليشيا الدعم السريع)، بخاري يعتقد أن (المليشيا تقدمت بسلاح الإعلام كثيراً على الدولة والجيش السوداني) يوافقه صلاح الشيخ الذي يقول إن غياب الصحافة الورقية مقروناً مع إغراق المليشيا لمواقع التواصل الاجتماعي بأكاذيب وأخبار ملفقة شوشت على المواطن ونشرت إحباطاً وتضليلاً وسط المواطنين بالاضافة إلى إعلام المليشيا فإن صلاح قارن بين الصحافة الورقية ذات المصداقية العالية والتى تمتاز بالخبر الصادق بينما البديل في غيابها هو مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها من مشاكل، عبدالمنعم أبو إدريس أشار في رده إلى أن الغياب حدث لكل الإعلام السوداني بكافة أشكاله وهذا أحدث غياباً لتغطية الإعلام السوداني للحرب وأجبر المواطن أن يبحث عن أخبارها في القنوات الإخبارية الإقليمية ومواقع التواصل الاجتماعي والأخير أسهم في نشر الشائعات والأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية.. أبو إدريس وصفه بـ} الحرب الأخرى{.
الصحف في كشك إلكتروني :
منذ زمان أضافت ثورة التكنلوجيا فضاءا واسعا للإعلام، بل أحيانا توسم المرحلة بثورة الاتصالات، كان تجاوب مؤسساتنا مع هذه الإضافة متفاوت بين مؤسسة وأخرى.. لعلهم يتفقون على الاستفادة من ما يوفره الإنترنت من مصادر إضافة إلى وضعهم نسخة من ذات الورقية على موقعهم الالكتروني.. كان الأستاذ عادل الباز من السابقين في ارتياد عالم الصحافة الإلكترونية ب(الأحداث نيوز) والتي قبل أن يطلقها جمع صحفييها في دورة تدريبية شاملة دربتهم فيها الأردنية سارة قضاة.. ثم لحقت ب(الأحداث نيوز) أخريات.. الآن وقد جفت المطابع وتوقفت الصحف اتجهوا إلى هذا الفضاء.. لن نتناول هنا تقييم لالتزام هذه الصحف و(المواقع) بشروط وقواعد الصحافة الإلكترونية لأن نبحث الآن وبعد عام من حرب عن مساهمتها مقارنة بالورقية.
ضياء الدين سليمان رئيس تحرير الساعة 24 الإلكتروني قال عن دوافع تأسيس عملهم: (أسسنا تجربتنا لمواكبة التطور الذي طرأ على أدوات الإعلام وعلى أهم مميزات الخبر وهي السرعة) ثم دلفت لسؤالي: وهل ملأت الصحافة الإلكترونية فراغ غياب الصحافة الورقية؟ فاجأني باعتراف وقد توقعت غير ذلك.. قال ضياء : (لم تستطع الصحافة الإلكترونية سد الفراغ الذي تركته الصحافة الورقية لأن البعض يهتم ليس بمتابعة الأخبار وحدها بل يحتاج للقوالب الأخرى التي لا تستطيع الصحافة الإلكترونية أن تقدمها).. صلاح عمر الشيخ يرى أن الصحافة الإلكترونية هي تطور طبيعي للصحافة الورقية لكنه وبشكل قاطع أكد: (إنها لن تكون بديلاً لها) دلل على ذلك بأن (أشهر الصحف الورقية في العالم تصدر ورقية مع نسخة إلكترونية)، طارق شريف أكد على ما قاله صلاح، وبخاري بشير مضى مباشرة في المقارنة بين الصحافة الإلكترونية مقابل الورقية، قال بخاري: (أغلب هذه المواقع لا تعتمد المنهج الإعلامي الصحيح، وتديرها مجموعات محدودة العدد ومحدودة القدرات، والمنهج السائد في الصحافة الإلكترونية هو منهج }النسخ واللصق{ ولا تمتلك درجة عالية من الموثوقية والصدقية في تناول الأحداث)، وعلى هذا كانت إجابة د. النور جادين الذي عدّد صعوبات ومشاكل مرتبطة بواقع الحياة في السودان تجعل من الصعوبة تغطية الصحافة الإلكترونية فراغ الصحافة الورقية أبرزها (ضعف البنيات التحتية كشبكة الإنترنت) جادين يقر بأن الصحافة الإلكترونية لعبت دوراً مهماً (ولكنه لا يغطي مساحات الصحافة الورقية).
هنا تباع ال pdf
انتبه ناشرون إلى ضرورة توظيف ما توفره التكنلوجيا لهم من فرص فاتجهوا إلى إصدار صحف pdf ، كانت (الأحداث نيوز) أيضاً رائدة في هذا المجال فأضافت نسخة يومية من الـpdf إلى صحيفتها الإلكترونية لتلحق بها أخريات، وها أنتم تطالعون هذا العدد منها.. ذهبت بسؤال عن ما أضافته هذه النسخ وعن مدى موثوقيتها.. الإجابات تفاوتت أيضاً.. غداً سأفصح عن ما قالوه بكل صراحة.. المثير أن بعضهم من أصحاب ال pdf.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى