الصحافة الأمريكية ترصد التحولات الخطيرة في حرب السودان

تجمعت تغطيات كبريات الصحف الأمريكية — نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وسي إن إن — حول نقطة مفصلية في الصراع السوداني، هي سقوط مدينة الفاشر في دارفور بيد قوات الدعم السريع، وما رافق ذلك من اتهامات بارتكاب مجازر عرقية وتورط قوى إقليمية في تسليح الميليشيا، على رأسها الإمارات.
تُجمع هذه التقارير على أن الحرب السودانية دخلت مرحلة أكثر دموية وتعقيدًا، وسط عجز دولي متزايد عن احتواء الانهيار الإنساني.
نيويورك تايمز
اهتمت صحيفة نيويورك تايمز التطورات الأخيرة في الفاشر، عاصمة ولاية شمال درافور، وانسحاب الجيش السوداني من آخر القواعد العسكرية في إقليم دارفور وسيطرة قوات الدعم السريع عليه.
تقول “نيويورك تايمز” في تقريرها ” تحول جذري في الحرب الأهلية الوحشية في السودان” إن سقوط المدينة بعد حصار دام 18 شهرًا أدى إلى تفاقم المخاوف من أن مقاتلي الميليشيات شبه العسكرية – الذين يسيطرون أيضًا على معظم إقليم دارفور غرب السودان – قد يشرعون في موجة من عمليات القتل بدوافع عرقية.
ووصف التقرير الفاشر بأنها أصبحت واحدة من أسوأ ساحات المعارك في الحرب الأهلية الوحشية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التي دخلت عامها الثالث. ويعني سقوطها في أيدي الميليشيات شبه العسكرية أن الجيش السوداني قد تخلى الآن عن آخر معاقله الرئيسية في دارفور، وهي منطقة مترامية الأطراف تعادل مساحتها مساحة فرنسا.
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع ضاعفت جهودها للسيطرة على الفاشر في أبريل بعد طردها من العاصمة السودانية الخرطوم. وبعد أشهر من تصعيد الهجمات بالطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة، سيطرت قوات الدعم السريع على القاعدة العسكرية الرئيسية في الفاشر يوم الجمعة، مما أدى إلى تشتت القوات السودانية ومقاتلي دارفور المتحالفين معها في الأحياء السكنية.
التقرير أوضح أن انتشار الاتهامات لقوات الدعم السريع على وسائل التواصل الاجتماعي ومن منظمات الإغاثة بأن مقاتليها كانوا يطاردون المدنيين، ويقتلونهم أحيانًا، أثناء فرارهم من المدينة بعد إعلان قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، الانسحاب من المدينة لـ”تجنيب المواطنين وباقي المدينة الدمار.
تناول تقرير “نيويورك تايمز” ما نشره مختبر الأبحاث الإنسانية في كلية ييل للصحة العامة بأن صور الأقمار الصناعية قدمت أدلة على عمليات قتل جماعي مشتبه بها نفذتها قوات الدعم السريع مع سقوط المدينة. حيث أظهرت الصور جثثًا متجمعة قرب ساتر ترابي طويل بنته قوات الدعم السريع حول الفاشر خلال الأشهر الخمسة الماضية لتطويق المدينة بالكامل، وفقًا لما ذكره مختبر الأبحاث الإنسانية في تقرير نُشر يوم الاثنين.
وأضاف أن الصور تتفق مع تقارير عن “إعدامات قرب الساتر، وقتل أشخاص حاولوا الفرار من المدينة عبره”.
أظهرت لقطات فيديو، تحققت منها صحيفة نيويورك تايمز، مقاتلين مبتهجين من قوات الدعم السريع يمتطون الجمال والدراجات النارية في شارع خالٍ في الفاشر خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويُظهر مقطع فيديو آخر مقاتلين في مطار المدينة المهجور، أحد آخر معاقل الجيش.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الصور الواردة من الفاشر “تكشف حقيقة مروعة: قوات الدعم السريع تشعر بالحرية في ارتكاب فظائع جماعية دون خوف يُذكر من العواقب”.
سي إن إن
نشرت “سي إن إن” تقريراً مطولاً تحت عنوان “مخاوف من حمام دم مع حصار المتمردين للآلاف في مدينة سودانية”. أورد اللتقرير تصريحات لبعض المسؤولين الأممين حول التطورات في مدينة الفاشر.
صرح جاستن لينش، الباحث في شؤون السودان والمدير الإداري لمجموعة “كونفليكت إنسايتس”، وهي منظمة لتحليل البيانات ومراقبة النزاعات، لشبكة CNN بأن سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر تُمثّل “بداية ما نخشى أن يكون مذبحة للمدنيين”.
ووفقاً لتوم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، لا يزال مئات الآلاف من المدنيين محاصرين في الفاشر، ويفتقرون إلى الغذاء والرعاية الصحية. وأفاد بأن طرق الهروب قد سُدّت وسط “قصف مكثف وهجمات برية” “اجتاح المدينة”.
ورغم تأكيدات قوات الدعم السريع التزامها بحماية المدنيين في الفاشر وتوفير ممرات آمنة لمن يرغبون في المغادرة، إلا أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأنه أفاد تلقى “تقارير متعددة ومثيرة للقلق” عن ارتكاب قوات الدعم السريع فظائع، بما في ذلك إعدامات ميدانية لمدنيين، ومقاطع فيديو تُظهر عشرات الرجال العُزّل يُطلق عليهم النار أو يُدفنون قتلى مُحاطين بمقاتلي قوات الدعم السريع.
كما أشار إلى “مؤشرات على دوافع عرقية وراء عمليات القتل”.
ووفقًا لجلالي غيتاشيو بيرو، كبير المحللين في مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة (ACLED)، وهو مجموعة رصد الأزمات، هناك “خطر كبير من وقوع هجمات تستهدف عرقيًا، وخاصة ضد الجماعات غير العربية”. بحسب “سي إن إن”.
قالت “سي إن إن” إن قائد الجيش البرهان وقائد قوات الدعم السريع يتقاتلان للسيطرة على السودان. وأشارت إلى أنهما لعبا دورًا مهمًا في الانقلاب اللاحق في عام 2021 عندما استولى البرهان على السلطة من الحكومة الانتقالية السودانية.
واجه كلا الجنرالين عقوبات غربية لتورطهما في جرائم حرب. ومع ذلك، اتهمت الولايات المتحدة قوات الدعم السريع بقيادة دقلو، إلى جانب الميليشيات العربية المتحالفة معها، بارتكاب إبادة جماعية خلال الحرب الأهلية الدائرة. وهذه هي المرة الثانية خلال عقدين التي تُعلن فيها الولايات المتحدة عن إبادة جماعية في السودان.
صرحت الحكومة الأمريكية عند إصدارها إعلانها في يناير أن قوات الدعم السريع نفذت “هجمات مباشرة ضد المدنيين”، بما في ذلك القتل الممنهج “للرجال والفتيان – حتى الرضع – على أساس عرقي”.
وعلاوة على ذلك، قالت إنها “استهدفت عمدًا النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي الوحشي”، و”استهدفت المدنيين الفارين، وقتلت الأبرياء الهاربين من النزاع، ومنعت المدنيين المتبقين من الوصول إلى الإمدادات المنقذة للحياة”.
اتهمت الحكومة العسكرية السودانية الإمارات العربية المتحدة بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، على الرغم من أن الإمارات نفت ذلك.
وقالت بيرو: “في كردفان، تسعى القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها إلى تأمين طرق رئيسية تربط وسط السودان بمنطقة دارفور، بينما تعمل قوات الدعم السريع على ترسيخ سيطرتها على المنطقتين لكبح جماح حكومتها البديلة في غرب السودان”.
وأضافت، وسط جهود عالمية لوقف إطلاق النار: “من المرجح أن تُحدد نتائج المعارك في الفاشر وكردفان المسار المستقبلي للصراع في السودان والمستقبل السياسي للبلاد”.
صرح يونا دايموند، المحامي الدولي في مجال حقوق الإنسان، لشبكة CNN بأن المجتمع الدولي يجب أن يتدخل مع تصاعد العنف في السودان وتزايد أعداد الضحايا المدنيين في الفاشر، متسائلاً عما إذا كان قادة العالم سيسمحون لقوات الدعم السريع “بارتكاب إبادة جماعية أخرى في دارفور دون عقاب”.
وول ستريت جورنال
ركزت صحيفة “وول ستريت جورنال” على دور الإمارات العربية المتحدة في حرب السودان ودعمها لقوات الدعم السريع. وذكرت الصحيفة أن وكالات الاستخبارات الأميركية تقول إن دولة الإمارات أرسلت هذا العام كميات متزايدة من الأسلحة، بما في ذلك طائرات مسيّرة صينية متطورة، إلى ميليشيا سودانية كبرى، مما عزز قوة مجموعة متهمة بارتكاب إبادة جماعية، وأشعل الصراع الذي تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وأشارت إلى تقارير من بينها تقارير صادرة عن وكالة استخبارات الدفاع (DIA) ومكتب الاستخبارات في وزارة الخارجية الأميركية، زيادة في تدفق المعدات العسكرية من الإمارات إلى قوات الدعم السريع المتمردة منذ الربيع الماضي وفقًا لمسؤولين أميركيين مطلعين على المعلومات الاستخبارية، وتشمل هذه المعدات طائرات مسيّرة صينية الصنع متقدمة، إلى جانب أسلحة خفيفة، ورشاشات ثقيلة، وآليات، ومدفعية، وقذائف هاون، وذخائر.
وأوردت الضحيفة أن الإمارات، التي تُعد شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة، قامت أحيانًا بدور الوسيط في تحقيق السلام، إذ أسهمت في ترسيخ “اتفاقات أبراهام” بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل نحو خمس سنوات، وقدمت أفكارًا ودعمًا لخطة الرئيس ترامب للسلام في غزة، لكنها في الوقت نفسه دعمت أطرافًا متحاربة عندما كانت تلك المساندة تخدم مصالحها.
فقد تدخلت عسكريًا ضد ميليشيا الحوثي في الحرب الأهلية اليمنية، وقدمت أسلحة لزعيم ميليشيا مدعوم من روسيا حاول الاستيلاء على السلطة في ليبيا.
وقد أرسلت الإمارات هذه المرة شحنات أسلحة إلى السودان لتعزيز قوات الدعم السريع بعد سلسلة من الانتكاسات التي بلغت ذروتها حين فقدت السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس الماضي.
ونجت من تلك المرحلة الحرجة في الحرب بعد إعادة تسليحها، وشنّت هجومًا جديدًا على الحكومة أدى إلى بعض من أسوأ أعمال الدمار منذ اندلاع الحرب قبل عامين.
وقد أثارت شحنات الأسلحة الإماراتية استياء المسؤولين الأميركيين الذين يسعون إلى احتواء الحرب، بينما انتهت أحدث جولة من المفاوضات التي استضافتها الولايات المتحدة لترتيب وقف إطلاق النار، يوم الجمعة الماضي، إلى الفشل.
ويقول كاميرون هدسون، وهو رئيس أركان سابق لعدد من المبعوثين الأميركيين الخاصين إلى السودان “كانت الحرب ستنتهي لولا الإمارات، والشيء الوحيد الذي يُبقيهم في هذه الحرب هو الدعم العسكري الهائل الذي يتلقونه من الإمارات”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
وأكد مسؤولون ليبيون ومصريون وأوروبيون مطلعون على الوضع صحة التقارير التي تتحدث عن زيادة شحنات الأسلحة الإماراتية.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الإماراتية إنها “ترفض بشدة الادعاء بأنها تزوّد أي طرف في النزاع الدائر في السودان بالأسلحة”، بينما قال متحدث باسم قوات الدعم السريع إن المزاعم بأنها تتلقى أسلحة من الإمارات “مجرد شائعات تروجها الحكومة”.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها ملتزمة بتحقيق سلام دائم في السودان، يشمل التوصل إلى هدنة وإنهاء الدعم الخارجي للأطراف المتحاربة. وامتنعت وكالة استخبارات الدفاع عن التعليق.
ورغم أن الولايات المتحدة لم تُوجّه علنًا اتهامًا مباشرًا للإمارات بدورها في تسليح قوات الدعم السريع، فإنها أدانت بصورة عامة تدخل أطراف أجنبية في تزويد الجانبين بالسلاح دون أن تسمي دولًا بعينها.
وبحسب الصحيفة، تراهن الإمارات على قوات الدعم السريع لحماية مصالحها في السودان، فالدولة تقع في موقع إستراتيجي على البحر الأحمر، حيث ألغت الحكومة السودانية العام الماضي صفقة إماراتية لبناء ميناء بقيمة ستة مليارات دولار، كما يملك السودان احتياطيات ضخمة من الذهب يُصدَّر معظمها تاريخيًا إلى دبي. وقد استثمرت الإمارات مليارات الدولارات في البلاد.
وبعد أن فقدت قوات الدعم السريع السيطرة على الخرطوم، كثّفت الإمارات إمداداتها لإنقاذ الميليشيا، بحسب مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، وأكد أحدهم أن معلومات استخباراتية أميركية، بعضها حديث العهد حتى أكتوبر، حددت أنواع الأسلحة المرسلة عبر صور من ميادين القتال واعتراض اتصالات.
ومن بين تلك الأسلحة طائرات مُسيّرة من سلسلة “رينبو” التي تصنّعها شركة الصين لعلوم وتكنولوجيا الفضاء (CASC)، وهي شركة مملوكة للحكومة الصينية، بما في ذلك الطراز المعروف باسم CH-95، وفقًا لمسؤولين أميركيين ومصريين مطلعين على المعلومات. ولم ترد الشركة على طلب للتعليق.
وتُضيف طائرة CH-95 قوة نارية كبيرة إلى ترسانة الدعم السريع، فهي قادرة على إطلاق أسلحة دقيقة وتستطيع التحليق نحو 24 ساعة متواصلة، ما يمكّنها من تنفيذ عمليات استطلاع وضربات جوية بعيدة المدى، وفقًا لشركة “جينز” المتخصصة في التحليل الدفاعي.
وبحسب “سي إن إن” رُصدت طائرات مطابقة لمواصفات هذا الطراز أثناء تحليقها خلال الهجوم الحالي لقوات الدعم السريع في شمال دارفور، بحسب مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل.
وكانت الإمارات قد أرسلت شحنات أسلحة إلى فصيل سوداني قبل عامين عبر تشاد، وفقًا لما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال آنذاك، فيما قالت أبوظبي إن الطائرات كانت تحمل مساعدات إنسانية.
وكثّفت الإمارات في الأشهر الأخيرة، الرحلات الجوية التي تنقل الأسلحة عبر الصومال وليبيا، قبل أن تُنقل برًا إلى السودان، بحسب مسؤولين أميركيين وأوروبيين وعرب.
وساهمت تلك الإمدادات في تصعيد القتال؛ إذ شددت قوات الدعم السريع قبضتها على مدينة الفاشر هذا العام، وبنت سدًّا رمليًا حولها كما أظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرها مختبر جامعة ييل في أغسطس، ما زاد من عزل المدينة وقطع الإمدادات الغذائية والإنسانية عنها.
نقلا عن مواطنون



