رأي

الشعوبي دونالد ترامب ..بداية تفكك امريكا (1-2)

 

علي عسكوري

*في نوفمبر الماضي أعاد الشعب الأمريكي انتخاب الرئيس دونالد ترامب ليصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الامريكية.

*يعلم القارئ أن الولايات المتحدة الامريكية اضخم امبراطورية في تاريخ البشرية من جميع النواحى، ماديا، عسكريا، دبلوماسيا ونفوذا سياسيا واضحا يأثر على جميع الدول والشعوب بل حتى الأفراد في أقاصي الأرض.

يقدم لنا شاعرنا الشعبي الخالد (حميد) لمحة عن تأثيرامريكا على الجميع وعن وعيه الكبير بذلك, يورد حميد في (اليازيته: رسائل ست الدار بت أحمد) سب ساقي المياه (السقا) لأمريكا، بعد أن تسبب حضور الأمريكان للقرية في انشغاله طوال اليوم بنقل المياه إلى منزل العمدة إلى أن نفق حماره من الإجهاد

وغايتو الليلة السقا يشولق

واطاة الله دى ست رشاها

مافي غنوتا ما غناها

ما في مدحتا ما سواها

حمارو صبح لحق امات طه

دمع وسب الامريكان

(ملحوظة: أوردت البيت الأخير بتصرف)

*هكذا إذن هي امريكا يصل تأثيرها إلى ساقي مياه بسيط في قرية نائية في شمال السودان، فما بالك من بقية الشعوب, لكل ذلك، فانتخاب رئيس شعوبي لدولة بمثل ذلك التأثير يطرح تساؤلات حول ازمة الانتماء و ما يدور داخل المجتمع الامريكي تستحق التوقف عندها، وما ان كانت امريكا ستظل متماسكة بفدراليتها الحالية ام ستتفكك إلى عدة دول.

*أهم هذه الاسئلة: لماذا انتخب الشعب الامريكي رئيسا شعوبيا؟ فالرئيس ترمب ورغم كل ما يقال عنه، إلا أن الحقيقة الثابتة هي انه يميني شعوبي متطرف لا يرى في العالم غير امريكا ومصالحها (امريكا اولا), اجتهد ترمب لتعبئة (الشعب) الامريكي على اساس قومى، لكن في حقيقة الأمر لا يوجد (شعب) امريكي، انما توجد (شعوب) امريكية. *الثابت هوفشل هوليود، موسيقي الجاز، الباسكتبول، والامريكان فوتبول، في توحيد الثقافات المختلفة وامكانية تجاوز التناقضات الداخلية للمجتمع الامريكي سواء ان كانت ثقافية او اثنية، والاثنين يلعبان دورا جوهريا في الاندماج وتوحيد الشعور القومى وخلق التمازج الوطنى المطلوب.

*نهضت الشعوبية بعد انهيار سلطة الدولة الرومانية ومعها سلطة الكنيسة على شعوب اوروبا، وما تبع ذلك من نشوء الدويلات القومية. جاء ذلك نتيجة لحرب ال 30 عاما الدينية التي تسبب الامبراطور الروماني (فيردناند الثانى) في اندلاعها بعد اصراره على اجبار البروتستانت لإعتناق الكاثلوكية بالقوة. *تلى تلك الحرب ما يعرف في تاريخ أوروبا بمعاهدة (ويستفاليا) 1648 م ، التي أرخت لنشؤ الدولة القومية في أوروبا ومن ثم نشرها المستعمرون الاوروبيون في بقية العالم، اذ لم تكن افريقيا واجزاء واسعة من امريكا اللاتينية وجنوب شرق اسيا تعرف الدولة القومية.

*يذكر القارئ كيف قادت الشعوبية عندما بلغت أوجها إلى الفكر النازي المتطرف، الذي قاد إلى الحرب الكونية الثانية التي هلك فيها حوالى 60 مليون إنسان في الحد الادنى.

*تاريخ امريكا وهي دولة حديثة – نوعا ما- يشير إلى أنها لم تكن في يوم (دولة قومية) فهي كما نعلم تجمع لشعوب كثيرة في أراضي واسعة، تم معالجة أسس تعايشها عن طريق تبني دستور فدرالي يحدد صلاحيات الولايات مع الحكومة الفدرالية ويمنح الولايات حقوقا كثيرة في إدارة شؤونها الداخلية، مع التزام قائم بحقوق المواطنة في جميع الولايات.

*هنالك حقائق تاريخية مهمة في تاريخ الولايات المتحدة يجب استصحابها في قراءة ما يمكن أن تقود إليه شعوبية الرئيس ترمب.

*من المعروف أن دخول عدد من الولايات للدولة لم يكن متزامنا مع الولايات الأخرى التي سبقتها في تكوين الفدرالية, بمعنى إنها التحقت متأخرة أو (ألحقت) بالقوة, فقد التحقت الولايات التالية بعد اكثر من سبعة عقود بعد تكوين الفدرالية الامريكيه في 1776م, فمثلا، في الحرب الامريكية المكسيكية العام 1846م والتي تسبب فيها احتجاج مواطني تكساس (أرض مكسيكية وقتها) ومطالبتهم بالانضمام لأمريكا، وقمع الجيش المكسيكي لهم مما تسبب في حرب بين امريكا والمكسيك، انتهت بانتصار كبير للامريكان، ودخل الجيش الامريكي عاصمة المكسيك (مكسيكو سيتي), ونتيجة لذلك، اضطرت المكسيك لتوقيع معاهدة (قيادالوبي هدالقو) في فبراير 1848م، (اتفاق إذعان)، تنازلت المكسيك بناء عليه عن نصف أراضيها التي شملت (تكساس، كليفورنيا، نيومكسيكو، يوتا، نيفادا،اريزونا، اوكلاهوما، كنساس، ويومنج)، و دفعت امريكا حوالى 15 مليون دولار فقط للمكسيك مقابل نصف أراضيها، (حوالي 600 مليون دولار تقريبا اليوم) حسب الاتفاقية.

*لذلك فعندما نشاهد المكسيكيون يتدافعون إلى الهجرة إلى هذه الولايات في جنوب وجنوب غرب امريكا، فهم إنما يهاجرون حقيقة إلى أراضي أجدادهم التي اغتصبتها امريكا منهم عنوة, الراجح عندي أن حكومات المكسيك نفسها تدفع مواطنيها إلى، وتسهل لهم الهجرة إلى امريكا بطرق شتى، إذ لم تكن المكسيك في أي يوم مقتنعة بخسارة نصف أراضيها! ولذلك مهما فعل الرئيس ترامب واتخذ من اجراءات، لن تتوقف هجرة المكسيكيين إلى أراضي أسلافهم، فالبشر دائما قادرين على استنباط طرق وأساليب للوصول إلى ما يعلمون أنه حقهم.

*أحاديث كثيرة تدور في تكساس وكليفورنيا وغيرهما – والاثنين من الولايات الغنية- عن جدوى البقاء في دولة امريكا والنار من مستصغر الشرر

هذه الأرض لنا

نقلا عن “أصداء سودانية””

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى