رأي
السودان يعيد ترميم قلبه

عثمان عربي
سنخرج من بين الركام… ونحفظ الوجوه جيدا… …من كربنا كربناه …ومن عبس في وجوهنا كشرنا له…ومن اذاقنا المر سقيناه حنظلا ..ومن أبتسم في وجوهنا ضحكنا له حتي غمرته السعادة..ومن دعا لنا بخير اكرمناه بدعاء في وقت التجلي
سئلنا إلى أين تمضون وأنتم مثقلون بالحرب
قلنا إلى الحياة ولو مشيا على الركام
فالسودان لا يسقط
هو فقط… يتعثر… ينفض غبار الطعنات من القريب ومن البعيد ويعيد ترتيب قلبه.
لقد وصلنا إلى القاع…
نزحنا داخل أرضنا
فوجدناها قد ضاقت بنا
وتجاوزنا حدودنا
فوجدنا من رفع شعارات الأخوة قد اخفاها عن عمد وتستر
تركنا في الطرقات بين مدينة مدمرة وأخرى تائهة
نحمل أبناءنا بيد وأوراق إثباتنا باليد الأخرى
لكن لم يفتح لنا سوى أبواب البيروقراطية
ولم يستقبل وجعنا إلا بالشروط والتأشيرات من بلاد بعيدة والانتظار والصلف المقيت
دفعنا لصفوف لم نعرفها من قبل
صفوف الموائد
صفوف الماء
صفوف التاشيرات
وصفوف التحقير غير المعلن من أناس كانوا بيننا أخوة كرام
ومن دول لم تكن أبعد من حروف السلام.
لكننا ما اهتز جذرنا…
ولا انكسر ظهرنا
بل انحنى قليلاً… لنلتقط ما تبقى من كرامتنا
ولنحفظ جيدا
من كان معنا ومن كان علينا.
نعم نحن في أقسى الفصول
لكن الغبار بدأ ينقشع
ورائحة الانفراج تسري رغم الدخان
وسنقوم من بين الأنقاض…
لا بأيدينا فقط بل بذاكرتنا الحية.
وسنذاكر ما جرى… كما تذاكر الأوطان خيانات التاريخ
سيأتي يوم
وسنقابلهم لا بالعتب
بل بالمواقف لكل من خاننا من أبنائنا سيكتبون في قائمة تاريخ العار
لكل من أدار ظهره
سنقابله بوجهنا الواضح:
نحن لا ننسى
ولكل من سامنا شروطا فوق الحرب
سنقابله بالندية
نحن نحاسب
وسنقارعهم موقفا بموقف
وصمتا بصوت
ونسيانا بذاكرة تحفظ الأسماء والتواريخ
لأن السودان
ليس بلدا يجبر على الصمت
ولا شعبا يرغم على النسيان….



