رأي

السودان.. وطن يفتح قلبه قبل حدوده

بقلم: مبارك محجوب موسى

لا أحد يمكنه أن يزايد على السودان في مواقفه النبيلة وأبوابه المفتوحة أمام جيرانه وإخوانه من شعوب المنطقة الفارين من الحروب والويلات. فالسودان، الذي عرفته الشعوب ملاذًا آمناً ووطناً كريماً، ظل على الدوام يمد يده بالعون، ويشارك الآخرين لقمة العيش ومأوى الأمن.

منذ عقود طويلة، احتضن السودان ملايين الإثيوبيين والإريتريين والصوماليين الذين فرّوا من ويلات الحروب الأهلية، فوجدوا فيه بيتًا ثانيًا وقلوبًا رحيمة. لم يغلق السودان أبوابه في وجوههم، بل سمح لهم بالإقامة والعمل والتعليم، حتى تخرّج من جامعاته عشرات الآلاف من أبناء تلك الدول، الذين أصبحوا لاحقًا قادة سياسيين ومدنيين في بلدانهم. ولهذا، ليس غريبًا أن يحمل كثيرون منهم مشاعر حب ووفاء عميقة للسودان وشعبه.

وحين اشتدت الأزمات في مناطق أخرى من العالم العربي، وجد اليمنيون والعراقيون ومن بعدهم السوريون في السودان الملاذ الذي لم يُغلق بابه في وجوههم. فقد أعفي كثير منهم من شروط الإقامة، ومنحوا حق العمل، وفتحت المدارس السودانية أبوابها لأطفالهم، إما مجانًا أو بتكافل نبيل من المجتمع السوداني الذي تحمل رسومهم الدراسية بروح الإخاء والمروءة.

ولم يكن الأشقاء من دولة جنوب السودان استثناءً، فعندما تجددت الحرب الأهلية هناك في عام 2016، فتح السودان حدوده مشرعة دون قيد أو شرط، ليؤوي مئات الآلاف من الفارين من أهوال النزاع.

وقد روى لي أحد السفراء التشاديين أنهم، حين كُلّفوا بإجراء إحصاء لعدد التشاديين المقيمين في السودان تمهيدًا لتحديد مراكز اقتراعهم في الانتخابات الرئاسية، ذُهلوا — والكلام للسفير — عندما اكتشفوا أن عدد الجالية التشادية وحدها يناهز الأربعة ملايين نسمة، يعيشون ويعملون في السودان ويقاسمون أهله اللقمة والمصير.

وما ينطبق على التشاديين ينطبق على العديد من الجاليات الإفريقية الأخرى القادمة من غرب إفريقيا وجنوبها، التي وجدت في السودان وطنًا بديلًا يحتضنها دون تمييز أو منّة، في وقت أغلقت فيه كثير من الدول حدودها وشددت قيودها.

إن السودان، رغم ما يمر به من تحديات داخلية وضغوط اقتصادية وأمنية، ظل وفيًّا لرسالته الإنسانية ومكانته التاريخية كبلد احتواء وسلام. إنه وطن لا يغلق قلبه أمام المستضعفين، لأنه ببساطة يعرف معنى المعاناة، ويؤمن أن الكرامة لا تُجزأ، وأن الإنسان — أي إنسان — يستحق يدًا تمتد إليه في أوقات الشدة.

ومن هنا، فإن على المجتمع الدولي أن يلتفت إلى هذا الوجه الإنساني المشرق للسودان، وأن يعترف بدوره المحوري في استقبال ملايين اللاجئين دون أن يمتلك الموارد الكافية لذلك. إن دعم السودان ليس منّة، بل هو استحقاق أخلاقي وإنساني لموقف نادر في هذا العصر، حيث لا تزال القيم السودانية الأصيلة تقف شامخة أمام عالمٍ تراجع فيه معنى التضامن الإنساني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى