د. ياسر محجوب الحسين
تتسارع الأنفاس وتكاد تبلغ قلوب مرشحي الرئاسة الأمريكية حناجرهما مع تبقي أياما قليلة لساعة الحسم وانفضاض مولد السباق الرئاسي. بيد أن الناس في السودان ربما يفكرون في كيفية تعاطي كلا المرشحين مع الشأن السوداني في حال فوز كلاهما، رغم القناعة بثوابت استراتيجية للسياسة الامريكية أيا كان حزب الرئيس المنتخب.
ربما يعتمد ذلك على عدة عوامل تتعلق بالسياسة الخارجية والأولويات الاستراتيجية لكل منهم. فعادة، ينظر الديمقراطيون ومرشحتهم كاملا هاريس إلى قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، وقد يتابعون ما ينظرون إليه باعتباره تحولا ديمقراطيا في البلاد والدفع بدعمه والضغط على الحكومة السودانية لتحقيق تقدم في مزاعم حقوق الإنسان. من ناحية أخرى سيميل الجمهوريون ومرشحهم دونالد ترامب إلى مقاربة أكثر عملية، حيث قد يركزون على المصالح الأمنية في منطقة البحر الأحمر وشرق أفريقيا، بما في ذلك الحد من النفوذ الصيني والروسي، مما قد ينعكس على دعم أكبر لاستقرار السودان. وفي كلتا الحالتين لن تجد قضايا التنمية والاستثمار اهتماما او دعما بل أن التنمية واستثمار الموارد بعيدا عن ربط ذلك بالمصالح والاطماع الامريكية سيعتبر مهددا لمصالح الولايات المتحدة على المديين المتوسط والبعيد.
إن الأهداف الأمريكية تجاه السودان تتلخص في إضعافه أيّا كان نظام الحكم الذي يحكمه، خدمةً لإستراتيجية أمن إسرائيل التي تقوم على القضاء على كل عناصر القوة في دول تمثل خطرا على المصالح الامريكية، ولترامب استعداد نفسي عنصري لمعاداة دولة مثل السودان. وكل ذلك يصب في ضمان السيطرة على ثروات السودان وإبعاد روسيا والصين عنها لاستغلالها عند الحاجة إليها.
وعلى أية حال؛ فإن خيارات الخرطوم بشأن التلكؤ والمزاج الأميركي محددة، وتنحصر في إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية، وتنفيذ خطط تنموية شاملة، فضلا عن بناء السلام الاجتماعي وتعضيد الوحدة الوطنية وتقوية مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش الوطني ومنع تعدد الجيوش داخل الدولة الواحدة.
في كل الاحوال ستبقى تساؤلات كثيرة تحتشد وهي تراوح مكانها تحاول فك شفرة العلاقات السودانية الامريكية التي دخلت في تعقيدات تصادم الأيديولوجي بالسياسي منذ يونيو 1989 حين وصل الرئيس السابق عمر البشير للسلطة في السودان. فالنظام كان حينها
موسوما بتبني أيديولوجية إسلامية وأدرجته الادارة الامريكية في قائمة الدول الراعية للإرهاب في 1993 مما مهد لفرض عقوبات اقتصادية صارمة بدأت في 1997، واستمرت لاكثر من عشرين عاما حيث أثرت على قطاعات حيوية وتقدر خسائر تلك المقاطعة بنحو 41 مليار دولار.
لكن في ذات الوقت لا تتأخر واشنطن عن اعتماد براغماتية انتهازية حينما تتطلب مصالحها التعامل مع نظام تصفه بالإرهابي. وتتطرف مواقف واشنطن تجاه الخرطوم لتصل لحد العمل العسكري المباشر، حينما أمر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون العام 1998 بمهاجمة مصنع الشفاء للأدوية بالخرطوم بصواريخ كروز من سفن حربية أمريكية متمركزة في البحر الأحمر في عملية أُطلق عليها اسم “عملية الوصول اللانهائي”، واتهمت واشنطن الخرطوم باستخدام المصنع في تصنيع أسلحة كيميائية.