رأي

السودان في مواجهة التحدي الرقمي – لماذا نحتاج إلى قانون لحماية البيانات الشخصية؟

د. نصرالدين أبو شيبة الخليل
في عصر تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي وتتشابك فيه خيوط التكنولوجيا مع تفاصيل الحياة اليومية تبرز أهمية حماية البيانات الشخصية كواحدة من اهم القضايا القانونية والحقوقية في القرن الحادي والعشرين وفي السودان حيث يشهد المجتمع تحولات رقمية متزايدة تظل مسألة غياب قانون شامل لحماية البيانات ثغرة تشريعية خطيرة تستدعي التدخل لإجراء معالجة عاجلة. والبيانات الشخصية يقصد بها كل بيان مهما كان مصدره أو شكله من شانه ان يؤدي إلى معرفة الفرد على وجه التحديد او يجعل التعرف عليه ممكناً بصفة مباشرة او غير مباشرة ومن ذلك الاسم ورقم الهوية الشخصية والعناوين وأرقام التواصل وأرقام الرخص والسجلات والممتلكات الشخصية وأرقام الحسابات البنكية والبطاقات الائتمانية وصور الفرد الثابتة او المتحركة وغير ذلك من البيانات ذات الطابع الشخصي.
فراغ تشريعي في بيئة رقمية متسارعة
رغم وجود بعض القوانين ذات الصلة مثل قانون مكافحة جرائم المعلوماتية لسنة 2018 وقانون حق الحصول على المعلومات لسنة 2015 إلا ان هذه التشريعات تظل قاصرة ولا ترقى إلى مستوى قانون مستقل ومتكامل لحماية البيانات الشخصية فهي اما تركز على الجوانب العقابية أو تفتقر إلى آليات واضحة لحماية الخصوصية الرقمية مما يترك الافراد والمؤسسات عرضة لانتهاكات جسيمة.
لماذا نحتاج لتشريع قانون لحماية البيانات؟
وقد أصبح تشريع قانون لحماية البيانات الشخصية في السودان ضرورة لا تحتمل التأجيل لعدة أسباب نذكر منها ما يلي:
أولاً: حماية الخصوصية : أصبحت حماية الخصوصية ليس ترفاً قانونياً، بل حق دستوري حيث نصت المادة (55) من الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية على ( لا يجوز انتهاك خصوصية أي شخص ولا يجوز التدخل في الحياة الخاصة او الاسرية لأي شخص في مسكنه او في مراسلاته إلا وفقاً للقانون) وتأسيساً على هذا النص الدستوري يجب على الدولة اصدار التشريعات القانونية التي تمنع انتهاك الخصوصية ومن ضمنها خصوصية البيانات خاصة انه في ظل تزايد استخدام التطبيقات والمنصات الرقمية أصبحت بيانات الافراد عرضة للتجميع والتتبع والاستغلال دون علمهم او موافقتهم.
ثانياً: تعزيز الثقة في الاقتصاد الرقمي: البيئة الرقمية لا تزدهر الا في ظل ثقة المستخدمين ومما يعزز هذه الثقة وجود قانون مستقل لحماية البيانات وهذه الثقة تشجع على الاستثمار في التكنولوجيا وتمنح الشركات المحلية والدولية اطاراً قانونياً واضحاً للتعامل مع البيانات.
ثالثاً: الالتزام بالمعايير الدولية: السودان كعضو في المجتمع الدولي مطالب بمواءمة تشريعاته الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الانسان وحيث إن الحق في حماية الخصوصية هو أحد حقوق الانسان المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان لذا كان من الواجب وجود قانون سوداني خاص بحماية البيانات بالإضافة إلى ان عدم وجود هذا القانون يضعف من فرص السودان في التعاون الرقمي مع دول ومؤسسات تفرض معايير صارمة لحماية الخصوصية.
رابعاً: مكافحة الانتهاكات الرقمية: الانتهاكات الرقمية لها صور عديدة وكمثال لهذه الانتهاكات تسريب الصور والمحادثات وبيع البيانات الشخصية لأغراض تجارية او سياسية وغير ذلك من الانتهاكات والقانون يمكن أن يشكل حاجزاً قانونياً واخلاقياً امام هذه الممارسات ويمنح الضحايا وسائل فعالة للإنصاف.
ما الذي يجب أن يضمنه القانون حماية البيانات الشخصية؟
من الموضوعات التي يجب أن يضمنها القانون المقترح الموضوعات التالية (على سبيل المثال لا الحصر):
1- تعريف دقيق للبيانات الشخصية.
2- اشتراط الموافقة الصريحة قبل جمع البيانات.
3- منح الافراد حقوقاً واضحة في الوصول الى معلوماتهم مع منحهم حق التعديل لتلك البيانات وحق طلب اتلافها وحذفها وقبل ذلك حق العلم ويشمل إحاطة الافراد علماً بالمسوغ القانوني الذي يبرر جمع بياناتهم الشخصية والغرض من جمعها.
4- إلزام المؤسسات باتخاذ تدابير أمنية صارمة للمحافظة على البيانات.
5- انشاء هيئة مستقلة للأشراف والرقابة.
6- فرض عقوبات رادعة على المخالفين.
وفي خاتمة هذا المقال نؤكد على ان تشريع قانون مستقل لحماية البيانات الشخصية في السودان لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة وطنية واخلاقية ملحة فكما هو واجب على الدولة حماية حدودها الجغرافية فإن عليها أيضاً أن تحمي ” حدودها الرقمية ” وخصوصية البيانات الشخصية لمواطنيها وأن أي تأخر في هذا المجال لا يعني فقط التخلف عن ركب التطور العالمي، بل يعرض المواطن السوداني لمخاطر لا يمكن التنبؤ بعواقبها لذا نقول على الجهات المختصة في الدولة السودانية أن تضع حماية الخصوصية في صدارة أولوياتها التشريعية ويمكن لهذه الجهات الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال.
وختاماً نقول حماية البيانات الشخصية حماية للكرامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى