جنيف – ارتكبت أطراف النزاع في السودان مجموعة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم دولية، بما في ذلك العديد من الانتهاكات التي قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا لأول تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان اليوم.
ووجدت البعثة أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وكذلك حلفاءهم، مسؤولون عن أنماط واسعة من الانتهاكات، بما في ذلك الهجمات العشوائية والمباشرة التي نفذت من خلال الضربات الجوية والقصف ضد المدنيين والمدارس والمستشفيات وشبكات الاتصالات وإمدادات المياه والكهرباء الحيوية.
كما استهدفت الأطراف المتحاربة المدنيين ومن يقدم المساعدة للناجين أو يوثق الانتهاكات من خلال الاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي والاعتقال التعسفي والاحتجاز، بالإضافة إلى التعذيب وسوء المعاملة. ووجد التقرير أن هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب تتعلق بالعنف ضد الحياة والشخص وارتكاب أعمال فظيعة ضد الكرامة الشخصية.
وقال محمد شاند عثمان، رئيس بعثة تقصي الحقائق: “خطورة هذه النتائج تؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين”. وأضاف: “نظرًا لفشل الأطراف المتحاربة في حماية المدنيين، فإن من الضروري نشر قوة مستقلة ومحايدة تتمتع بتفويض لحماية المدنيين دون تأخير”.
ووجد التقرير أيضًا أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن قوات الدعم السريع وميليشياتها المتحالفة ارتكبت جرائم حرب إضافية، بما في ذلك الاغتصاب، الاستعباد الجنسي، والنهب، إضافة إلى إصدار أوامر بتهجير السكان المدنيين وتجنيد الأطفال دون سن 15 عامًا للمشاركة في القتال. وقد شملت الهجمات الوحشية التي نفذتها قوات الدعم السريع وحلفاؤها ضد المجتمعات غير العربية – ولا سيما المساليت في وحول الجنينة، غرب دارفور – القتل، التعذيب، الاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي، تدمير الممتلكات، والنهب.
هناك أيضًا أسباب معقولة للاعتقاد بأن الأفعال التي ارتكبتها قوات الدعم السريع وميليشياتها المتحالفة ترقى إلى العديد من الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل، التعذيب، الاستعباد، الاغتصاب، الاستعباد الجنسي، أشكال أخرى من العنف الجنسي المماثلة في الخطورة، الاضطهاد على أساس العرق أو النوع الاجتماعي، والتهجير القسري.
وانتشر النزاع في 14 ولاية من بين 18 ولاية سودانية، وأسفر عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين، وتشريد نحو 8 ملايين شخص، وإجبار 2 مليون آخرين على الفرار إلى الدول المجاورة. وذكرت البعثة أن الأطراف المتحاربة زادت من تفاقم الأزمة من خلال عرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
وقالت عضوة البعثة، جوي نغوزي إزييلو: “لقد عانى شعب السودان من مأساة لا توصف”. وأضافت: “يجب أن يكون وقف إطلاق النار الدائم أولوية لوقف القتال الذي يعاني منه السكان المدنيون، والسماح بتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة بشكل فعال إلى جميع المحتاجين، بغض النظر عن مواقعهم”.
التقرير – الذي صدر بناءً على قرار مجلس حقوق الإنسان الذي أنشأ بعثة تقصي الحقائق في أكتوبر 2023 – استند إلى تحقيقات أجريت بين يناير وأغسطس 2024. تضمنت التحقيقات زيارات إلى تشاد، كينيا، وأوغندا، وشهادات مباشرة من 182 ناجٍ وأفراد أسر وشهود عيان، بالإضافة إلى مشاورات موسعة مع خبراء وأعضاء من المجتمع المدني، والتحليل والتحقق من معلومات إضافية تم تزويد البعثة بها.
وأوصى التقرير بتوسيع حظر الأسلحة المفروض حاليًا في دارفور بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1556 (2004) والقرارات اللاحقة، ليشمل جميع أنحاء السودان بهدف الحد من توريد الأسلحة والذخيرة والدعم اللوجستي أو المالي للأطراف المتحاربة ومنع التصعيد المستمر. وأشار التقرير إلى أن الدول التي تورد الأسلحة قد تكون متواطئة في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني.
وحث التقرير السلطات السودانية على التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية (ICC) وتسليم جميع الأشخاص المطلوبين، بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير. ودعا أيضًا إلى توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية التي بدأت بموجب قرار مجلس الأمن 1593 (2005) بخصوص دارفور لتشمل جميع أنحاء السودان.
وأشار التقرير إلى أن الجهود التي بذلتها السلطات السودانية للتحقيق ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية تعرقلت بسبب عدم الرغبة، والذي تميز بالعدالة الانتقائية وغياب الحياد، مما يجعل تحقيق العدالة للضحايا تحديًا كبيرًا.
كما دعا التقرير إلى إنشاء آلية قضائية دولية منفصلة تعمل بالتوازي مع المحكمة الجنائية الدولية وتكمل عملها.
وقالت عضوة البعثة، منى رشماوي: “يجب أن تكون هذه النتائج بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات حاسمة لدعم الناجين وأسرهم والمجتمعات المتضررة، ومحاسبة الجناة”. وأضافت أن اتباع نهج شامل للعدالة الانتقالية أمر حيوي لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع وضمان المساءلة.
وأشاد عثمان بالجهود المختلفة التي بذلت لجلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات، قائلاً: “يستحق شعب السودان مستقبلاً تسوده السلام والازدهار واحترام حقوق الإنسان”.
وأضاف: “يجب أن يدعم المجتمع الدولي تطلعات السودانيين إلى حكومة مدنية شاملة تمثل جميع المواطنين وتحترم حقوقهم. هذا الدعم ضروري لتحقيق المساواة والعدالة والسلام المستدام في السودان”.