أن لا تُدْعَى أو أن لا تشارك في مؤتمر باريس، فهذه شهادة وطنية، بل شهادة براءة من العمالة.
هذا مع بعض استثناءات لبعض أشخاص محترمة مثل دكتور السيسي وسيدنا سلطان المساليت، الذي لقّنهم دروساً؛ وبضع شخصيات أخرى.
دعا الفرنسيون قاتلاً مداناً بحكم محاكم سودانية مثل ياسر عرمان؛
ودعوا من لا يملأ أهله في السودان صفحة واحدة، بما في ذلك أطفالهم.
دعوا قحت المنبوذة.
لذا طارد السودانيون نصرالدين في الطائرة، وطاردوا الآخرين في مطار شارل ديغول، وأمام قاعة المؤتمر وأمام الفندق.
ورأيت حمدوك وقف أمام الفندق، فلما رأى المحتجين يتربصون به وبرهطه “إنْسَرَتَ” لداخل الفندق.
وتكاد مريم تبكي وهم يطاردونها.
كلهم زاغت أبصارهم وتملكهم الرعب.
يقع هذا لهم وهم في الغرب، فهل يستطيعون أن يعودوا للسودان؟؟
أشك.
لقد رأت فرنسا وشاهد العالم كيف أن القحاتة المشاركين منبوذون من السودانيين، الذين تصدّوا لهم ذَمّاً وتقريعا.
رأت فرنسا في قلب عاصمتها كم أن القحاتة محتقرون ومبغوضون، ولا يحظون بذرة احترام من السودانيين.
وهكذا بَانَ أن القحاتة جَنوا ثمار ما غرسوا.
فهم أول من أدخل السباب الشخصي في السياسة، ووصلوا حد مهاجمة البيوت وسب المحترمين في منازلهم وأمام أبنائهم، وانحطوا بالخطاب السياسي.
وهكذا، فإن عدم دعوة حكامنا تجدد بعض الأمل فيهم.
لكن المثير للعجب مشاركة سلوى بنية مسؤولة العون السوداني، ومخدموها الحكام لم تتم دعوتهم!!!
ولكم كتبتُ أن الحكومات الغربية الإمبريالية تعادي الوطنيين وتتآمر عليهم.
فإن عادوا الحاكمَ فطُوبى له وحُسن مآب.
اتخذ الغرب من وطنيين مثل مانديلا وياسر عرفات ونجم الدين أربكان والليندي (إيندي) ومحمد مصدق وصدام حسين، اتّخذ منهم أعداء؛ لأنهم وطنيون.
يعادي الغرب الوطنيين؛ لأنهم لا يخونون أوطانهم ولا يصبحون عملاء.
واعتزال الغرب لدول نفعها، فحققت الاعتماد على النفس Self- Reliance؛ وبنت بلادها، ورفعت الروح الوطنية بين شعوبها.
وقد كان اعتزال الدول الغربية لبعض الدول مَغْنَماً لا مَغْنَماً لها.
فقد نمت الصين أوان عدم اعتراف أميركا بها، واستطاعت أن تُفجر قنبلتها النووية؛ وها هي ذي إيران على الطريق.
وأمّن صدام حسين أفضل نظام صحة أولية وكذلك نظام تعليم عام والغرب كارهٌ له.
ومثل فِعْلِه فعلت كوبا.
أمّا السيد/ الواثق البرير فقد كشف عن سذاجته بزعمه أن المؤتمر سيجمع 4 مليار دولار.. وليس ثمة شيء من أن تدخل الصف الأول في مدرسة السياسة عام 2019، ثم لا تقوى أن تتطور فتُنقل للصف الثاني.
والقحاتة المنبوذون وطنياً، خسروا حريتهم.. فهم لا يستطيعون انتقاد الغرب، ولا يقدرون على انتقاد الإمارات، ولا يقوون على معارضة حميدتي والمليشيا ومجابهتهم بما فعلوه بأهلهم.
وذلك بؤس يثير الحسرة عليهم.
ولكنه ثمن العمالة الطبيعي.
ومن البديهيات أن الغرب الرسمي لا يأبه لمعاناة الشعوب؛ ولو كان الأمر غير ذلك لانفطرت أفئدتهم لمآسي الفلسطينيين في غزة.
ولذا فإن لمؤتمر باريس مرامي أخرى.. أبرزها أن فرنسا تريد تعويض خسارتها في غرب أفريقيا؛ بعد أن طُردت من بوركينا فاسو والنيجر ومالي.. وتلحق بهم السنغال مع رئيسها الجديد. وبعد أن حلت فاغنر محلها في أفريقيا الوسطي.
ففرنسا ترى في دارفور بديلاً؛ ولذا ستسعى لتأجيج الصراع فيها لتفصلها ثم تستحوذ عليها.
ودارفور تكتظ بالموارد المعدنية؛ ففيها اليورانيوم الذي يعوضها عن يورانيوم النيجر، وفيها الذهب ومعادن ثمينة شتى.
ولازالت لفرنسا علاقة بالجنجويد وتلتقيهم سراً.. تماماً كما تفعل بريطانيا التي بدأت تفاوضهم سراً منذ 6 مارس الماضي؛ وفقاً لما نشرته الغارديان بتاريخ اليوم 15 أبريل 2024.
وحقيقة فإن مشاركة المليشيا في مؤتمر باريس تحققت عبر مشاركة حلفائها القحاتة الذين وقعوا معها حلف التآمر في أديس أبابا في الثاني من يناير 2024.
والمؤتمر يهدف لتقوية قحت وغسل المليشيا لإعادتهما للسلطة في صورة جديدة.
قال السفير الروسي بالسودان:
إن الغرب يبرر لتدخله في السودان بالترويج لمجاعة طاحنة؛ هذا في حين نرى أنه يصدر الحبوب والماشية عبر بورتسودان !!!
من ضروب النفاق السياسي أن الحزب الشيوعي بفرنسا أصدر بياناً ضد المؤتمر، علماً أن الشفيع خضر مشارك فيه!!!
أتوقع أن يُوصي المؤتمر بمعاقبة الجيش ومنع استيراده للسلاح، وإضعافه.
المؤسف مشاركة السفير حسام زكي مساعد الأمين العام للجامعة العربية. فهو يشارك والسودان الدولة العضو بالجامعة والتي يعنيها الأمر لم تُدْعَ. وكان من المفترض أن تعترض الخارجية على مشاركته قبل ذهابه. ولكن أين الخارجية!!!
ومما يؤكد المؤامرة دعوة الإمارات، مُسعرة نار الحرب، وأيضاً مشاركة دُمْيَتها تشاد؛ مّمَر السلاح والمرتزقة والعتاد!!
ورغم ذلك يزعم منظمو المؤتمر أنهم يريدون إطفاء الحريق!!
أيّ استخفاف بالعقول هذا!!!
ومن عبر التاريخ القريب انعقاد مؤتمر للسودان بباريس في مايو 2021. وذلك إبان كان حمدوك رئيس وزرائنا وقحت تُمسك بأزّمة كل الأمور بالسودان.
وبُشّرْنا وقتها أن السودان سيحصل على 2 مليار دولار من البنك الدولي.
وبُشّرْنا أن باريس ستمنحنا “قرض تجسيري” بمبلغ مليار ونصف المليار دولار، وأن السعودية ستمنحنا وكذا دول أخرى…
ووُعدونا يومها بإعفاء ديوننا البالغة60 مليار دولار؛ وبأننا سننعم بتطبيق مبادرة “الهيبك” Heavily indebted poor countries Initiative) كإطار لتخفيف عبء الديون عن البلدان المؤهلة.
ووُعدونا بالتطبيع الكامل للسودان مع المجتمع الدولي وتنوير المستثمرين والقطاع الخاص.
وصدّق حمدوك وزمرته تلك الوعود!!
ولكن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح.
ومن جملة المليارات التي أعلن المانحون تبرعهم بها؛ لم يصل ألّا 5% منها.
وحقيقة، فإن هذه النسبة تكاد تطابق كل الوعود السابقة التي وُعد بها السودان مثلما حدث في مؤتمر المانحين بعد انفصال الجنوب.
ولن يقع خلاف ما وقع سابقاً بشأن تبرعات المانحين.
أتوقع أن ينجم عن هذا المؤتمر خلق “عملية شريان حياة” ثانية.
وعندها ستتدفق المنظمات الغربية المرتبطة بأجهزة مخابراتها..
وقتها سنرى الجواسيس يجوسون خلال الديار؛ يجندون ويشترون ولاءات العُمد والنظار وكل ضعيف ذمة.
الغربيون ينشطون لمثل تلك العمليات.
وقد سبق أن كتبتُ عن مخاطرها وفقاً لتجربتنا في شريان الحياة. وبيّنت ضروب “الاستهبال ” كما تمثلها المساعدات المرتدة لأصحابها المانحين Boomerang Aid.. وما كُتبَ عن لوردات الحرب الذين يثرون من تلك العمليات.
والخشية أن يخضع حكامنا ويوافقون.
“الله يكضب الشينة”.
السفير عبد الله الأزرق
————————————
15 أبريل 2024