رأي

السجال بين المؤسسات الأمريكية حول سلوك دولة الأمارات والفوائد التي يمكن أن يجنيها السودان

د. محمد عثمان عوض الله

الحقيقة الواضحة للعيان هي أن السجال بين المؤسسات الأمريكية حول دولة الأمارات، هو سجال سالب في حق الأمارات. و يظهرها بمظهر الدولة غير الموثوقة للدرجة التي جعلت الحكومة الأمريكية، تتعهد أمام الكونغرس، بأن تتجشم عبء وعناء متابعة و مراقبة سلوكها للتأكد من التزامها بتعهداتها التي قطعتها على نفسها أمام الحكومة الأمريكية.

ومن فرط الشكوك وعدم الثقة، لم يكتف الكونغرس بهذه المراقبة ولم يجعلها فعلا محصورا بين الحكومتين، بل ألزم الحكومة الأمريكية بأن تقدم له إحاطة توضح فيها نتائج تلك المتابعة و المراقبة، ومدى التزام الإمارات بها.

ليس ذلك فحسب، بل اتفقت هذه المؤسسات على تصنيف الأمارات بأنها دولة متهمة بأدلة قطعية ثابتة. مما جعل الكونغرس يتقدم بمشروعين لمنع بيع السلاح الأمريكي لهذه الدولة كونها متهمة و غير موثوقة.
بل إن قوة الأدلة التي تبادلتها هذه المؤسسات الأمريكية، جعلت الحكومة تواجه دولة الإمارات بهذه التهم و الأدلة، بل و تستجوبها، بل و تأخذ منها تعهدات، بل و تنشر تلك التعهدات، بل و تقر بأن إلتزام الإمارات بتنفيذها محل شكوك و يحتاج إلى مراقبة بل و تتعهد الحكومة الأمريكية بالقيام بهذه المراقبة و تحيط بها الكونغرس.

بالتأكيد أن هذا السجال يعني الكثير و بالتأكيد لايدل على اهتزاز صورة الإمارات فحسب، بل و أنها صارت محشورة في الزاوية وأن علاقتها مع أمريكا صارت عبئا بسبب سلوكها محل الاتهام و المراقبة و كتابة التقارير.

الآن، وبعد أن اكتملت هذه الدورة من المراسلات، و أحاطت الحكومة الأمريكية الكونغرس بأن دولة الأمارات، قد استجابت كالتلميذ بتهذيب سلوكها كونه تحت المراقبة، و أنها قد قدمت تعهداتها كتابة بأنها الآن لا تعمل على دعم مليشيا الدعم السريع بالأسلحة، و لن تعمل مرة أخرى في المستقبل. و على إثر ذلك وافق الكونغرس على إكمال الصفقة المليارية لبيع الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات. و جمد مشروع قراره الذي كان يمنع اكمال الصفقة.

يمكن أن ينقسم الناس في تفسيرهم لكل هذا الحراك والجدال داخل المؤسسات الأمريكية. وكذلك يمكن أن ينقسموا حول أثرها هنا أو هناك. وهذا ما سوف نتناوله في هذا المقال.

أولاً: بالنسبة لأمريكا. حققت أمريكا عدة مكاسب من هذا السجال المؤسسي. أولها الأرباح الإقتصادية الناتجة عن إكمال الصفقة المليارية.
ثانيا: امتلكت دليلا مكتوبا بالتزام دولة الأمارات بكل معايير بيع الأسلحة الأمريكية و بتحملها المسؤولية الأخلاقية أو الجنائية اذا حدث عدم التزام.
ثالثاً: حشرت شريكها الغني و أخضعته لمزيد من الإبتزاز و جعلته قابلا للإستخدام الوظيفي حيثما تريد لاسيما في الإقليم.

أما بالنسبة للسودان فإن المنافع كثيرة.
أولاً: أكسبته أعضاء من الكونغرس يتبنون قضيته و حجته و سرديته. بل و يضغطون على الحكومة الأمريكية من أجل الإلتزام بالمعايير. وهؤلاء الأعضاء على استعداد للقيام بذلك الدور، لدرجة أنهم كتبوا تشريعات وإن كانت ضد المصالح الإقتصادية الأمريكية نفسها و إن كانت قيمتها بالمليارات و ألزموا كلاً من الحكومتين الأمريكية و الإماراتية بالقيام بأدوار محددة.
ثانياً: هذا الحراك يكسب الحجة السودانية زخماً إعلامياً عالميا كبيرا مؤثرا يجعل العالم كله يسمع حجج السودان ليس على لسان المسؤولين السودانيين فحسب، بل و من داخل المؤسسات الأمريكية نفسها. و يقوي مواقف كثير من دول العالم التي تساند السودان.
ثالثاً: يجعل دولة الإمارات في محل اتهام عالمي و دوما تحت الضغط و المراقبة.
رابعاً: هذا الحراك يمكِّن السودان من تعزيز شكواه ضد الإمارات و تقديم حجته و تحديث أدلته باستمرار و مثابرة حتى تتم إدانتها قضائياً يوماً ما.
خامساً: هذا الحراك يركز في أذهان الرأي العام السوداني إدانة الإمارات وتعديها على شعبه. مما يلصق تهمة العمالة و المسؤولية الجنائية على عملائها من الأحزاب و السياسيين السودانيين.

أخيراً، إن تحقيق أمريكا لمصالحها الإقتصادية مع دولة الإمارات و توقيعها معها على الصفقات المليارية لبيع الأسلحة واستمرار علاقة الشراكة بينهما. لا ينفي الفوائد العظيمة التي يمكن أن يجنيها السودان من تناقضات تلك العلاقة و المواجهات التي تحدث بين المؤسسات الأمريكية بسبب الأخطاء التي تقع فيها دولة الإمارات والأدوار القذرة التي تقوم بها. و لا ينقص أهمية تعزيز هذه الفوائد و الطرق عليها بشتى السبل، حتى يكتمل الهدف النهائي بإدانة دولة الإمارات وتحميلها المسؤولية وإنزال العقوبة عليها و إلزامها بدفع الفواتير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى