تقارير

الذكرى الثالثة لـ(25) أكتوبر: دستورية الإجراءات وشرعية الحكومة

تقرير – صباح موسى

تمر اليوم الذكرى الثالثة لإجراءات 25 أكتوبر من عام 2021 في السودان، والتي قام فيها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالاطاحة بحكومة الدكتور عبد الله حمدوك وكتلة الحرية والتغيير المجلس المركزي، بعد خلافات عاصفة بين المكونين العسكري وقتها (القوات المسلحة – قوات الدعم السريع)، وحكومة حمدوك ومكون المجلس المركزي، وكانت تلك نقطة تحول فارقة بين شركاء الوثيقة الدستورية، والتي ألغى البرهان بنوداً منها بعد هذه الاطاحة.

انقلاب أم تصحيح؟

الداخل السوداني وقتها انقسم حول هذه الخطوة، ففي وقت رآها البعض انقلاباً صريحاً على السلطة، رآى بعض آخر أنها اجراءات تصحيحية، أصحاب الرأي الأول بطبيعة الحال سموه انقلاباً عسكرياً لأنها أطاحت بهم من السلطة، أما أصحاب الرأي الثاني ذهبوا إلى أن المكون العسكري كان مكوناً أصيلاً ورئيسياً في السلطة الإنتقالية، فكيف ينقلب على نفسه.

الاتحاد الأفريقي، من جهته، اعتبر الأمر انقلاباً وجمد عضوية السودان على إثره، وحتى هذه اللحظة لم يرفع ذلك التجميد، إلا أن هناك حواراً دائراً الآن حول رفع هذا التجميد، وتشير كل المعطيات الجارية بأنه وارد وبشدة، بعد طلب الاتحاد إقامة مكتب له في بورتسودان مقر الحكومة التي أوصى مجلس السلم والأمن الأفريقي بتجميد عضويتها، إضافة إلى زيارة مهمة لوفد من المجلس بدايات الشهر الجاري إلى العاصمة الادارية في بورتسودان، نتج عنها حوار مختلف لأول مرة بين الطرفين، اعتبره كثيرون بأنه يعد تمهيداً لرفع هذا التجميد.

دستورية الإجراءات

تأتي ذكرى إجراءات 25 أكتوبر هذه الأيام، ومازال الخاسرون فيها يربطون  بينها وبين اندلاع الحرب في السودان، رغم أن الدعم السريع كان شريكاً أصيلاً فيها، ومع أن قائد المليشيا اعتذر عنها، إلا أن ذلك لاينفي أنه كان موجوداً ومؤثرا فيها، وفي هذا التقرير نحاول أن نبحث ونناقش طبيعة ماحدث في ذلك  الوقت وهل كان سبباً في كل ما يحدث في السودان الآن، أم أنه كان بداية تصحيحية لانقاذ السودان من سيناريوهات فرض السيطرة والهيمنة على البلاد، وهل تمادي حمدوك ورفاقه في الداخل والخارج في مجابهة خروجهم من السلطة هو الذي أدى إلى انقسام في المكون العسكري، وأن هذا أدى بدوره إلى استقطاب خطير في السودان  مابين الدعم السريع والمطاح بهم من جهة، ومابين الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة من جهة أخرى، مامدى دستورية 25 أكتوبر وما الذي ترتب عليها، وما علاقتها بالإعتراف بشرعية الحكومة الموجودة في سلطة البلاد الآن؟

نتيجة ملاسنات

القيادي بالكتلة الديمقراطية الدكتور نبيل أديب رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام يرى أن إجراءات 25 أكتوبر جاءت نتيجة ملاسنات حادة بين المكونين المدني والعسكري. وقال أديب لـموقع “المحقق” الإخباري إن سوء الأحوال الإقتصادية بالبلاد وقتها أدى إلى خروج البرهان مؤكداً أن المكون العسكري ليس مسؤولا عن ذلك، ما أغضب الشركاء المدنيين، وبدأت الملاسنات بينهما بعدها، مضيفاً كنت طرفاً في لجنة لتهدئة الأمور بين الطرفين ولكنها لم تفلح، ما أدى إلى حدوث إجراءات 25 أكتوبر، واصفا ماتم في ذلك اليوم بـ “انقلابا”، مضيفا  أنها كانت غير دستورية وكان من الممكن تفاديها، مستدركاً في الوقت نفسه أن إتفاق البرهان – حمدوك في 21 نوفمبر، كان يمكن أن تستقيم الأمور بعده، مؤكداً أن هذا الإتفاق كان أكثر دستورية من الإتفاق الإطاري، وذكر أديب أن الحرية والتغيير لم تقبل بهذا الإتفاق، وأنها أصرت على العودة إلى الوثيقة الدستورية، موضحاً أن الوثيقة الدستورية لا تعني احتكار السلطة لأي من الجبهات المدنية الموجودة، وأضاف إن عدم تكوين السلطات الرقابية وعلى رأسها المجلس التشريعي أدى إلى وجود سلطة استبدادية لا رقابة عليها، مضيفا أن الوثيقة الدستورية بها ما يحتاج إلى تعديل، لأنها وضعت سلطة دستورية في يد تجمع سياسي، مانتج عنه مشاكل.

الحكومة شرعية

وأبان أديب أن إجراءات 25 أكتوبر لم تهدف إلى إلغاء الدستور أو تجاوزه، وقال صحيح أن بها أخطاء دستورية ولم يتم تشكيل حكومة حتى اللحظة، مضيفا أن إعادة حمدوك بعد هذه الاجراءات وقبوله فعلا بذلك يعتبر إعادة السلطة للهياكل الدستورية، إلا أن النزاعات السياسية أدت إلى استقالة حمدوك، لافتاً إلى أنه يحمد للسلطة العسكرية أنها مازالت معترفة بالوثيقة الدستورية كدستور لإدارة المرحلة الإنتقالية، وقال إنه على المدنيين أن يتفقوا على التعديلات المطلوبة واستكمال هياكل السلطة في حوار سوداني سوداني مدني، مؤكداً أن الحكومة الموجودة الآن شرعية، وأنه لا يمكن أن يقدح في شرعيتها، وقال إن إتفاق البرهان – حمدوك أزال العوار الموجود في دستورية إجراءات 25 أكتوبر، مشيراً إلى مشاركة الدعم السريع في هذه الإجراءات، وقال إن إعتذار حميدتي عنها فيما بعد لا يعني عدم مشاركته فيها، مضيفاً أن الإتفاق الإطاري هو سبب رئيس في اندلاع الحرب، لأنه هدف إلى وضع دستور جديد، وهذا هو الخرق الحقيقي للدستور، موضحاً أن الدستور لا يوضع إلا بسلطة تأسيسية – وفق الوثيقة الدستورية – ، وقال إن لجنة المؤتمر الدستوري التي نصت عليها الوثيقة لم يتم تشكيلها، وبالتالي لا يمكن وضع دستور بطريقة الإطاري، التي أخذت دستور المحامين والتي لم نشارك فيها كمحامين من الأساس، مشدداً على أن فرض دستور عن طريق الإطاري كان سبباً رئيسياً في الحرب.

قرارات اضطرارية

أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مكي المغربي فقد رأى من جهته أن إجراءات 25 أكتوبر كانت قرارات إضطرارية أو ضرورية وليس تصحيحية. وقال المغربي لـ “المحقق” إنه لو كان تم تكليف رئيس وزراء بعد استقالة حمدوك كانت حكومته هي من تصدر قرارات تصحيحية، مضيفاً للأسف فاتت على السودان هذه الفرصة في ذلك التوقيت ولكنها الآن متاحة، مؤكدا أن الحكومة الآن شرعية قطعاً، وقال لأن رئيس الوزراء الذي جاء بالوثيقة استقال في يناير 2022 وذهب وصار مقعده خاليا، ومن الممكن شغله في أي لحظة أو تكليف خبير وطني بتصريف الأعمال إلى حين إتفاق معظم القوى السياسية على شخص، وتابع أنها شرعية بمقدار سد الفراغ إلى حين تكليف حكومة، كما رأى أن التوصيف الحقيقي لما حدث في 25 أكتوبر 2021 هو إنهيار الشراكة وليس انقلابا، وقال إن شرعية الفترة كانت مؤسسة أصلاً على إتفاق بين مكون عسكري ومكونات حزبية وألحقت بها حركات مسلحة (يطلق عليها مدنية)، انهارت ولا يمكن إلصاق التهمة بطرف واحد، معتبراُ أن الطرف المخطيء أكثر هو أحزاب “قحت” بسلوكها الاقصائي، وما استمر بعدها هو جزء من الشرعية وهو المكون العسكري.

ارتباك القيادة

وبحسب المغربي يجب تكميل المكون العسكري بمكون مدني أو الأرجح يتفق الناس على (فترة تأسيسية) جديدة، وقال إن الحكومة الحالية تكتسب شرعيتها من ضرورة الإشراف على الحكم إلى حين الإتفاق على الفترة التأسيسية، مجددا تأكيده على أن ما حدث في 25 أكتوبر لا يسمى انقلابا، وقال لأن الإنقلاب يحدث على حكومة ديمقراطية منتخبة ويحدث بدون ثورة شعبية، مضيفاً ما كان موجود حينها لم تكن حكومة منتخبة وكان هنالك رفض شعبي ضدها، نافيا العلاقة بين قرارت 25 أكتوبر والحرب، وقال إن الجميع الآن بما في ذلك المليشيا يقول أن الإتفاق الإطاري هو السبب في الحرب، لافتا إلى أن ما حدث من خطوات ارتدادية بعد 25 أكتوبر هو السبب في تعطيل الحركة السياسية في البلاد، وقال إنه ازدادت بسببه حجم أحزاب قحت مجددا، وإنه أصرت دول بعينها على الإطاري، مضيفا أنها كانت إجراءات ضرورية ولكن القيادة ارتبكت بعدها.

نقلا عن موقع “المحقق” الإخباري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button