تقرير – رحاب عبدالله
انتقد فريق من الخبراء المصرفيين اعتماد بنك السودان المركزي طريقة الدفع المقدم لحصائل الصادر مرة أخرى، كما انتقدوا إصدار البنك المركزي مناشير عديدة وإجراء تعديلات بصورة مستمرة، في وقت برر فريق آخر الخطوة بأنها تصحيح لبعض الأخطاء لضمان عودة حصائل الصادر، وحذر الخبراء من سلبيات القرار واعتبروها تتفوق على إيجابياته، وأبدوا تخوفهم من عدم قدرة الصادر السوداني على المنافسة والخروج من السوق العالمي.
انتعاش سوق العملة
وانتقد مدير الوكالة الوطنية لتنمية وتمويل الصادرات السابق
أحمد حمور، اتجاه البنك المركزي لاعتماد طريقة الدفع المقدم لحصائل الصادر مرة أخرى.
وحذر حمور من انتعاش السوق الموازي للعملة، وأكد ل(الأحداث) أن القرار ينعش سوق العملة الموازي داخل وخارج السودان إذ يلجأ معظم المصدرين للسوق الموازي لشراء مبالغ الدفع المقدم.
وقطع بأن اشتراط الدفع المقدم يقلل من حجم الصادرات السودانية إلى العالم الخارجي الذي يتجه نحو المرونة وتقديم التسهيلات للمستوردين في العالم بتشجيع طرق الدفع الآجلة، مضيفاً أن المصدر السوداني لايستطيع منافسة مصدر الدول الأخرى والذي يبيع بالآجل، بسبب اشتراط الدفع المقدم مما ينعكس سلباً على الصادرات السودانية.
تجارب فاشلة
وأضاف حمور أن الدراسات والتجارب أثبتت أن اشتراط الدفع المقدم من أسباب انتشار ظاهرة ما يعرف ب(الوراقة) المدمرة للاقتصاد السوداني.
وأشار حمور إلى اعتماد بنك السودان ذات التجربة في عام 2014 حينما اعتمد الدفع المقدم كطريقة دفع ومنع كل طرق الدفع الآجلة إلا باعتمادات مستندية، إلا أنه تراجع وسمح بالتصدير بطرق الدفع الأخرى بجانب الدفع المقدم والاعتمادات وذلك بعد سنوات من الفشل، مشيراً إلى أنهم في الوكالة الوطنية كانوا ضد القرار لأسباب كثيرة منها الخاص بعمل الوكالة، حيث إن الدفع المقدم يلغي الحاجة إلى تأمين الحصائل وهي الوظيفة الأساسية للوكالة.
إيجابيات الدفع المقدم
وأشار حمور إلى أن من التجارب الناجحة تحفيز المصدرين بمنحهم حافز مالي يضاف للسعر الرسمي للدولار كان هذا في العام 2010، ومنها أيضاً تجربة المركزي بأن وضع يده في عام 2018 على كل حصائل الصادرات مع تشكيل لجنة للنظر في طلبات المستوردين عبر البنوك، ودعا حمور إلى إمكانية المزاوجة بين التجربتين للحصول على نتائج أفضل.
منشور البنك المركزي
وأصدر بنك السودان المركزي منشوراً أجرى بموجبه تعديلاً على ضوابط تنظيم التصدير بطريقة الدفع المقدم بموجب قانون تنظيم التعامل بالنقد لسنة ١٩٨١ والمادة ٢٠ من لائحة تنظيم التعامل بالنقد ٢٠١٣ بغرض تنظيم حصائل صادرات السلع الأخرى والصادرات لدول الجوار عبر المعابر البرية.
وسمح المنشور الذي حصلت عليه (الأحداث) باستخدام طريقة الدفع المقدم عند التصدير شريطة الإلتزام بتحويل الحصيلة من الخارج ولا يسمح للمصارف باستلام تحويلات حصائل الصادرات من بلدان أخرى غير التي يتم التصدير لها، على أن يكون التحويل بأمر المستورد بالخارج والوارد إسمه بعقد الصادر المعتمد من وزارة التجارة والتموين شريطة أن تكون الفاتورة النهائية بإسم المستورد ومطابقة للبيانات الواردة في عقد الصادر، وأن يكون الحد الزمني الأقصى لتنفيذ عمليات التصدير ثلاثة أشهر من تاريخ إضافة الحصيلة في حسابات المصرف المعني.
وأوضح المنشور أن في حالة عدم تمكن المصدر تنفيذ عمليات الصادر خلال الفترة المذكورة يجوز للبنك اتخاذ عدد من الإجراءات بينها النظر في تمديد الفترة بعد تقديم العميل طلب يوضح فيه أسباب عدم التنفيذ على أن يكون طلب التمديد لمرة واحدة فقط وبعد موافقة بنك السودان المركزي، ومن بين الإجراءات السماح للمصدر بإعتبار المبلغ المدفوع مقدماً نظير صادرات أخرى على أن تكون العملية منفذة بواسطة نفس المصدر ولنفس المستورد ولا يشترط في هذه الحالة أن تكون نفس السلعة.
غير أن المنشور أوضح أن صادرات الذهب الحر وذهب شركات مخلفات التعدين تعامل وفقاً لمنشور إدارة السياسات رقم ٢٣/ ٢٠٢٢ الصادر بتاريخ ١٧ مارس ٢٠٢٣.
تقلب السياسات
وانتقد الخبير المصرفي وليد دليل تعدد المناشير من بنك السودان، مبيناً في حديثه ل(الأحداث) أن تقلب سياسات الصادر في العام أكثر من مرة وكثرة المناشير يؤدي إلى عزوف المصدرين وإيجاد سبل جديدة للتحايل والتهرب وضياع مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي على البلاد وهي في أمسّ الحوجة لها.
ونادى الدليل بالرجوع إلى سياسة خطاب الضمان المعزز من الخليج، وعزا ذلك لأنه يسهل عمليات الصادر ويسهم في تنشيط اقتصاد السودان خصوصاً أن بعض البنوك الخليجية لها أفرع في السودان، وتساءل “ماهي الفائدة المرجوة من هذه البنوك الخليجية إذا لم تساهم في تسهيل عمليات الصادر والوارد”.
مخاطر الدفع المقدم
ونبه وليد الدليل لخطورة
إلزام المصدرين بالدفع المقدم في ظل وجود طرق ووسائل للدفع، منوهاً أنه يقلل من منافسة الصادرات السودانية، في ظل شدة المنافسة العالمية وتسهيلات الدفع التي تتم، واعتبره يحد من قدرة السلع والمنتجات السودانية على المنافسة في السوق العالمية، وأردف “يا بنك السودان الدفع المقدم يعطل الصادر ويضيع الفرصة على المصدرين ويسهم في إفلاسهم”، وتوقع أن تنشط في الأيام المقبلة عمليات الصادر إلى مصر حتى يتهرب المصدرون من سياسات بنك السودان وتضيع على البلاد موارد النقد الأجنبي على قلتها.
حتمية الضوابط
غير أن الخبير الاقتصادي د.عثمان البدري قطع بأن من المهم أن ترد عوائد الصادر بطريقة مضمونة إلى البنك المركزى في السودان، مضيفاً أن المُصدِر أو المستورد أو صاحب البقالة هو تاجر يبحث عن الربح، لذا شدد البدري على ضرورة الضبط حتى يتطور الاقتصادر الكلي لمصلحة الجميع.
غير أن وليد دليل رأى أن بنك السودان ينظر إلى عائدات الصادر أكثر من تسهيل عملية الصادر
واعتبره خطأ كبير، ونبه إلى أهمية إنشاء بنك السودان ووزارة التجارة النافذة الواحدة لتسهيل الإجراءات بالإضافة لذلك توجد ضمانات لتحويل عائدات الصادر عن طريق البنوك التي تمول هذه العمليات.
في وقت قال حمور “طالما تكلفة سلع الصادر في السوق المحلي عالية فستظل مشكلة حصائل الصادر قائمة” ، مبيناً أن المشكلة ليست في ضوابط توريد الحصائل وإنما في سعر شراء هذه الحصائل من المصدرين، وأمن حمور على أن المُصدِر في النهاية تاجر ولن يخسر بأي حال من الأحوال ولن يضحي بمصلحته لأي اعتبار وطني أو غير وطني.
حلول محفوفة بالمخاطر
ورهن حمور الحل برفع سعر الدولار للمصدر ليكون العائد مجزياً له غير أنه أشار إلى أن لهذا الخيار أضراره المعروفة ومنها غلاء الأسعار للمستهلك السوداني بما فيها أيضاً زيادة سعر مدخلات الإنتاج وإنتاج سلع الصادر نفسه،
أو الخيار الثاني أن التحكم في أسواق سلع الصادر محلياً كالمحاصيل والحيوانات الحية وغيرها، واعتبره خيار صعب ومعقد رغم أنه هو الخيار الأفضل، ولفت إلى أنه لتحقيق هذا الخيار آليات مختلفة وأهمها ضبط التمويل المصرفي.
في السياق قال البدري من أهمها أيضاً عدم صادر الخام أو الحي بل الجاهز للاستخدام النهائي فقط.
فيما أبرز حمور الأمثلة وهي تصدير منتجات اللحوم وبحد أدنى اللحوم بدلاً عن الحيوانات الحية وتصدير خيوط الغزل بدلاً عن القطن وغيرها.