(1)
إعداد: اللواء (م) د.عادل حسن
مقدمة:
تعتبر ظاهرة الإرهاب أحد أهم الموضوعات التي طرأت على العلاقات الدولية والقانونية باعتبارها ظاهرة متعددة الأبعاد متعدية للحدود، فهي لا تعرف وطن ولا جنس ولا دين، وهي تشتمل على مجموعة من التهديدات المعقدة والجريمة المنظمة خاصة في مناطق الصراعات ووجود المقاتلين الإرهابيين الأجانب ووجود عناصر بينها تنشر ثقافة التطرف والعنف والجريمة. وتحرص الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، والذين يمثل الشباب بينهم الغالبية العظمى على مغادرة ديارهم والسفر إلى مناطق الصراع كما حدث في العراق وسوريا وليبيا والآن السودان.
رغم التهديدات التي طرأت على النظام الدولي جراء هذه الظاهرة إلا أن آليات مواجهتها والاستراتيجيات والسياسات المرسومة لمواجهتها لم تثبت نجاحها بشكل مطلق. ويعود ذلك إلى الاختلافات في تعريف الظاهرة والاتفاق على مفهوم يتجاوز الأنساق القيمية والخلفيات الثقافية ومقتضيات الأمن القومي. رغم المحاولات الحثيثة على مستوي المنظمات الإقليمية والدولية في وضع إطار مفاهيمي للإرهاب يكون متفق عليه مثال لذلك الاتحاد الأفريقي الذي قدم التعريف الآتي (بأن الإرهاب يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان وبصفة خاصة الحقوق المتعلقة بالحياة والحرية والأمن وإعاقة التطور الاجتماعي والاقتصادي، والناجم عن عدم استقرار الدولة. لذا يجب مواجهته في جميع اشكاله ومظاهره بما في ذلك الإرهاب الذي تتورط فيه دول بشكل مباشر أو غير مباشر). والعمل الإرهابي حسب الاتحاد الأفريقي هو فعل يشكل انتهاكاً للقانون الجنائي للدولة والذي يمكن أن يعرض حياة الأفراد للخطر والقتل.
لم تعد الأعمال الإرهابية هي تلك المتعلقة بأعمال الاغتيالات أو خطف الطائرات واحتجاز الرهائن، بل أصبح له تنظيمات وتشكيلات عسكرية تسندها بعض القوى الدولية، هدفها تدمير البني الأساسية للدولة المستهدفة وإسقاط الأنظمة الحاكمة من الداخل والقضاء على أكبر عدد من السكان.
فظاهرة العنف الجديدة ترتكز حول الهدف من تبنى أعمال العنف والتطرف والتدمير الممنهج، المعني بالقضاء على الركائز والبني السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي قامت عليها دولة ما بعد الاستقلال.
مفهوم التوحش:
حسب التعريف الذي أورده أبوبكر ناجي في كتاب إدارة التوحش (Management of Savagery) وقد أعطى الكتاب اسم آخر وهو (كيف تصنع إرهابياً) والذي اعتمده تنظيم الدولة الإسلامية في تنفيذ عملياته الإرهابية. فالكتاب يشرح فكرة واستراتيجية تنظيم قاعدة الجهاد. وتزامن صدور الكتاب مع التحولات الاستراتيجية التي شهدتها الحركة السلفية الجهادية. ومنع الكتاب من التداول في كثير من الدول العربية. وقد قامت وزارة الدفاع الأمريكية بترجمته إلى اللغة الإنجليزية بعد أن عثرت المخابرات الأمريكية على وثائق ورسائل موجهة من وإلي أسامة بن لادن تشمل فصولاً من هذا الكتاب، فاهتم به المختصون الأمريكيون. وقام مركز مكافحة الإرهاب في كلية ويست بوينت العسكرية بترجمته إلى الإنجليزية بعنوان إدارة الوحشية، وتم توزيعه على المسؤولين في الدوائر السياسية للحكومة الأمريكية والمسؤولين في وزارة الدفاع.
فالتوحش كلمة استعملها المؤلف ويقصد به تلك الحالة من الفوضى التي ستدب في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها إذا مازالت عنها قبضة السلطة الحاكمة، ويقصد المؤلف أن هذه الحالة من الفوضى ستكون متوحشة وسيعاني منها السكان المحليون. وتعريف إدارة التوحش تعنى باختصار إدارة الفوضى المتوحشة. وقد مارسته داعش من خلال نظام محاكم التفتيش، فمن لا يؤيدهم أو يبايعهم يستولون على أملاكه ويعدمونه.
فالتوحش حسب أبوبكر ناجي له ثلاث مراحل:
مرحلة شوكة النكاية والإنهاك.
مرحلة إدارة التوحش.
مرحلة شوكة التمكين.
لافتاً إلى أن الفتح والتمكين يأتيان من الخارج. ومن شروط التوحش أن يكون السلاح منتشر وسط أعداد كبيرة من الناس والمقاتلين بهدف إنهاك قوات العدو والأنظمة الحاكمة وتشتيت جهودها ومنعها من التقاط أنفاسها. إضافة إلى ذلك جلب شباب جدد للعمل الإرهابي وتنفيذ عمليات نوعية وإقامة مناطق إدارية وأخذ الأتاوات والجبايات من المناطق التي يسيطرون عليها. وكذلك التركيز على الأهداف الاقتصادية (النفط) ومحاولة جر العدو إلى الانتشار لتقل فعاليتها بسبب تشتت جهدها. وهو يحث المقاتلين الإرهابيين أن يضربوا بقوتهم الضاربة بأقصى قوة لديهم في أكثر نقاط العدو ضعفاً. واعتماد الشدة لأن الجهاد عنده كما يقول هو شدة وغلظة وإرهاب وتشريد. وأن المرحلة الأولى من الجهاد يجب أن تتسم بأقصى درجات الشدة والاثخان تجنباً للفشل وإدخال حالة من اليأس في نفوس الجيوش. وفي مواجهة شراسة العدو وغاراته الجوية على معسكرات التدريب والمناطق التي يسيطرون عليها، وجب عليهم اتباع سياسة دفع الثمن، ليس للجيوش الغازية بل بتعرض سفارات ومصالح الأنظمة المرتدة للخطر. وعندما تحقق مرحلة الشوكة يحصل الجميع في منطقة التوحش على الولاء من قبل الجميع وعندها يكون شعارهم (الدم الدم الهدم الهدم). وأكد على خطورة ترك القرار السياسي بأيدي من لا يخوض المعارك العسكرية، واستخدام الإعلام في ترسيخ إدارة التوحش لدى قطاع واسع من الجمهور واتقان الجانب الأمني وبث العيون واختراق الخصوم والمخالفين. وقد كتب ناجي نحتاج للقتل ونحتاج لأن نفعل كما حدث مع بني قريظة، فلابد من اتباع سياسة الشدة بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب مثلما حدث لأسرى مطار بليلة (حديثاً) من قبل قوات الدعم السريع من إعدامات جماعية.
توحش داعش:
انبثق تنظيم داعش المسلح من الفرع العراقي لتنظيم القاعدة. كان أول ظهوره في عام 2006، ثم انتقل إلى سوريا بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011م، ثم سعى التنظيم إلى نشر نظام الرعب الذي يتبعه خارج منطقة المشرق العربي وصولاً إلى ليبيا ومصر وأفغانستان وجنوب شرق آسيا. فالمجموعة الجهادية السنية التي تعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIL) تتبنى أيديولوجية عنيفة تسعى إلى إقامة (الخلافة). وهو يتبع فكرياً وعقائدياً إلى جماعات سلفية جهادية، ويعتبر الوليد الشرعي لتنظيم القاعدة، وأبو مصعب الزرقاوي هو المؤسس للتنظيم وأهم قياداته أبوبكر البغدادي، حاول استقطاب جبهة النصرة السورية للتنظيم، والتي كانت تتبع للقاعدة إلا أنه بسبب خلافات فكرية وتنظيمية تباعدت جبهة النصرة عنه.
استطاع تنظيم داعش أن يسيطر على مساحات كبيرة في العراق بعد أن انضم إليه عناصر عسكرية وأمنية من نظام صدام حسين. وانتقل نشاطه إلى سوريا ثم إلى ليبيا وجنوب مصر ثم إلى غرب أفريقيا، كما له اتباع في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وحاول أن يتوحد مع تنظيم بوكو حرام مما جعل تأثيره واضحاً في منطقة غرب أفريقيا والساحل الأفريقي.
التحول الاستراتيجي لداعش:
مع انهيار استراتيجية التمكين التي تبناها تنظيم داعش في أعقاب سقوط ما يسمى الخلافة الداعشية من الموصل عام 2017 إلى التركيز على مفهوم حتمية الصدام عبر إتباع ثلاثة تكتيكات أساسية:
الأول: تكثيف معدل العمليات الإرهابية مع اختيار أهداف ومناطق جديدة لتنفيذ العمليات.
الثاني: النشاط الإعلامي من خلال الظهور المتكرر للمتحدث الرسمي لتنظيم الدولة (داعش) أبو حمزة القرشي، بهدف ترويج مزاعم بشأن تماسك التنظيم من ناحية، وحشد وتعبئة المقاتلين سواء في المركز أو الفروع المختلفة التابعة له من ناحية أخرى.
الثالث: الإعلان عن استراتيجية جديدة مغايرة للاستراتيجية القديمة (إدارة التوحش والتمكين)