الدبلوماسية القطرية: دائماً تسبق الآخرين أميالاً وفراسخ

اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام
يمنحك الوجود قريباً من مؤسسة الرئاسة في بلد كالسودان أن تطّلع على الكثير والمثير من المعلومات والملفات وكواليس اتخاذ القرارات وغير قليلٍ (من الأحاديث) وإن لم تعلم تأويلها في حينها .. ولقد منحتني ذات الفرصة ولكن تظل كثير من الأمور (طي الكتمان) وخارج دائرة النشر فليس كل ما يعرف يقال ولو مر ذلك (الربع قرن) الذي اتخذ مندوحة للبوح والتلميح أو التصريح بكل ما هو (سري للغاية) لتنشر على الملاً ملفات اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي مؤخراً مثالاً لا حصراً .. ليس سري أنه كان لدولة قطر علاقات متميّزة جداً مع السودان خلال سنوات حكم الإنقاذ وشواهد ذلك لا تحصى ولا تعد ولس رعاية الدوحة لمحادثات سلام دارفور واكمال الاتفاق رغم رفض بعض الحركات اللحاق بالاتفاقية التي ظلت مفتوحة ولأسباب (شخصية) أكثر من كونها ذات علاقة بأصحاب المصلحة من سكان الإقليم.. ثم ظلت دولة قطر تقدّم بسخاء وعبر شراكات واتفاقيات مع الحكومة السودانية وفي مختلف المجالات تعزيزاً لتلك العلاقات وترسيخاً لها قبل سلام دارفور وبعده حيث تبنت دولة قطر تنفيذ الكثير من المشاريع الخاصة بمعالجة المشاكل الاجتماعية والصحية وغيرها.. ثم كانت علاقة الرئيس البشير فرج الله كربته ومن معه الخاصة جداً والمتميّزة مع سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (الأمير الوالد) وقد كان أول قائد عربي يصل الخرطوم بعد استلام الرئيس البشير مقاليد السلطة أوائل التسعينيات.. لتعدّد الزيارات للخرطوم في أكثر من مناسبة ولتتوثق عرى الإخوة الصادقة بينه والرئيس البشير ويكفيك أن تقرأ ذلك عند اللقاءات بينهما لتلحظ الارتياح والبشاشة والترحاب والاريحية البائنة.. وقد كان سمو الأمير الوالد من السباقين المبادرين بمهاتفة البشير في عيد الفطر وعيد الأضحي فقد كان أول اتصال خارجي يتلقاه البشير للتهنئة بالعيد من سمو أمير قطر (الأمير الوالد).. وهذا في علم الدبلوماسية يعرف بالدبلوماسية الرئاسية التي أضحت مفتاحيةً ي عصرنا الحاضر لتنداح نزولاً لمختلف مستويات العلاقات بين الدول.. إذن لا غرابة أن تكون وضمن الرسائل التي استلمها الفريق أول البرهان وهو يزور الدوحة بعد التغيير وضع الرئيس البشير والمعاملة التي يتلقاها من ضباطه.. هذا بالطبع ليس كل شئ فقد كانت هناك مبادرة الشيخ موزة بنت ناصر المسند خلال زيارتها للسودان للتعريف بالآثار السودانية وترميمها حفاظاً عليها باعتبارها إرثاً إنسانياً ينبغي أن يصان ويعرّف به
أمس تداولت المواقع الاسفيرية ووسائل التواصل الاجتماعي صور لسفير دولة قطر بالسودان السفير محمد بن إبراهيم السادة وقد وصل الخرطوم كأول سفير متفقداً لمقر السفارة بحي المنشية.. رفع السفير العلم القطري على ساريته وربما ردّد مع الوفد هذه الكلمات والعلم يرتفع على ساريته:
قسماً قسماً قسمـاً بمـن رفـع السـماء قسمـاً بمـن نشـر الضـياء
قطر ستـبـقى حـرةً تسمـو بـروح الأوفــيـاء
سـيروا عـلى نـهـج الألـى سيروا وعـلى ضياء الأنبـياء
قطر بقــلـبي سـيرة عـزّ وأمجـاد الإبــاء
قطر الرجـال الأولــين حمــاتنـا يـوم النــداء
وحمــائـم يـوم السلام جــوارح يــوم الفــداء
ثم التقط مع وفده هذه الصور التي يثت على التلفزيون الرسمي كمقاطع فيديو مؤكداً أن السفارة ستستأنف عملها قريباً.. حظيت هذه الصور على تداول سوداني واسع ووجدت ارتياحاً كبيراً فهي تقول أن دولة قطر ستظل لجانب السودان تشاطره همومه وتضمّد جراحاته الغائرة ليسمو فوقها فينهض بعد كبوة ويقوى بعد ضف ويتعافى بعد سنتين من الرهق..
كفو سعادة السفير محمد بن ابراهيم السادة وأنت تصل الخرطوم (الجريحة) وهي بلا كهرباء ولا ماء في معظم أجزائها تسبق حتى بعض المسؤولين في الدولة.. لكنه ليس بغريب على الدبلوماسية القطرية وقد الجميع دورها القيادي والريادي وهم يستغربون في تسخير قوي (الدولة الناعمة) للعب أدوار سياسية ودبلوماسية في كل العالم قد لا تتسق والحجم والموقع ولا يفهمه إلا من يقرأ علم الجيوبوليتك.. شكراً سعادة السفير وشكراً دولة قطر ودمتم ذخراً للأمة العربية والإسلامية.



