رأي

الخيانة العابرة للحدود والجوار غير الآمن

د. إيناس محمد أحمد

الجوار الآمن نعمة لا يدركها إلا من حُرم منها ، الأمر لا يختلف إن كان الجوار بين البشر أو الدول ، وإن كان في البشر الأمر أسهل إذ بامكانك تغيير المكان أو الرحيل بعيدا عن الجار المؤذي ، لكن في حالة الدول يصعب الأمر .. كيف لها الإبتعاد عن الجار المؤذي ؟!!!

ولأهمية الأمر اهتم العالم بمبدأ حسن الجوار منذ القدم وذلك بحكم الضرورة والأهمية له بين الدول والمجتمعات البشرية . بدأ مبدأ حسن الجوار كعرف ثم أصبح بتواتر الاستخدام وثباته مبدأ دولياً ملزماً.

وقد ورد مبدأ حسن الجوار في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م ، لينظم العلاقات بين الدول ويحث على التعاون والتنسيق من أجل جوار آمن واستقرار للدول ، لاسيما التي ترتبط فيما بينها بوشائج قربي وتاريخ وعادات وتقاليد ومعتقد واحد ، ووحدة مصير وتداخل قبلي ومصالح مشتركة.
والإخلال بهذا المبدأ يتسبب في توتر العلاقات بين الدول ويرتب التزامات علي الدولة التي أخلت بالتزاماتها بإيقاف العمل الضار مباشرة ، وإصلاح وجبر الضرر الذي أصاب الدولة المتضررة ، بالإضافة إلى إنقاذ الضحايا والتعويض عن الأضرار.

والسودان ظل محافظاً بشدة علي مبدأ حسن الجوار مع كل الدول التي تجاوره ، انطلاقا من إرثه التأريخي والحضاري والإنساني والأخلاقي وهو مبدأ من المبادئ التي تبناها السودان في سياسته الخارجية وركيزة أساسية في علاقاته الدولية مع دول الجوار والعالم أجمع.
انطلاقاُ من عقيدة إنسانية راسخة مفادها أن تحقيق الأمن بمفهومه الشامل والعالمي لا يتأتى إلا من خلال علاقات دولية ترتكز أولاً على سياسة حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، وهو ما اخترقته دولة تشاد إذ إنها لم تراع حسن الجوار وعلاقات الإخاء والتداخل القبلي ووشائج القربى بينها وبين السودان ، مما دفع السودان إلى تدوين شكوى رسمية ضد تشاد إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الافريقي ، وذلك لمساندة تشاد لمليشيا الدعم السريع المتمردة و السماح بمرور شاحنات الأسلحة عبر أراضيها ودعمها للمليشيا فيما ارتكبته من جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، والتي تتمثل في القتل والاغتصاب والعنف الجنسي، والتهجير القسري ، والاختفاء القسري وتجنيد الأطفال واستخدامهم كدروع بشرية، وتدمير البنى التحتية ونهب ممتلكات المدنيين وغيرها من الفظائع.
يُذكر أن مندوب السودان لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس كان قد ذكر في 29 أكتوبر الماضي أن شاحنات إغاثة تدخل ولاية غرب دارفور تحت حراسة وإشراف مليشيا الدعم السريع وقد عبرت 30 شاحنة من معبر أدري محملة بالأسلحة المتطورة ومضادات الطائرات وذخائر ومدافع ، كما دخل آلاف المرتزقة عبر المعبر.

هذا المعبر الذي وافقت على فتحه السلطات السودانية لمدة ثلاثة أشهر للقوافل الإنسانية، إلا أنه استخدم لأغراض أخري.
تضمنت الشكوى وقائع وبينات وأدلة دامغة تثبت تورط تشاد في دعم ومساندة المليشيا المتمردة مما أطال أمد الحرب وزاد من معاناة الشعب السوداني وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وانتهاكات صارخة للقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان وخرقا لميثاق حقوق الإنسان والشعوب الأفريقي.

ولما كانت الحرب في السودان تشكل حالة استثنائية خطيرة للأمن والاستقرار الأفريقي ، وكانت إحدى الدول المعتدية دولة جوار للسودان وعضوا في الإتحاد الأفريقي لذا تقدم السودان بشكوى رسمية ضد تشاد عبر اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، قرر الزعماء الأفارقة تعديل هياكل منظمة الوحدة الأفريقية ، بما يتناسب ومشكلات وتحديات الدول الأفريقية مما دعا لإنشاء الاتحاد الافريقي في قمة سرت 9 سبتمبر 1999م.

وهكذا جاء الاتحاد الافريقي خلفا لمنظمة الوحدة الأفريقية التي تأسست في 25 مايو 1962م في أديس أبابا حيث وافقت 32 دولة أفريقية نالت استقلالها في ذلك الزمان على تأسيسها.

وتم اعتماد القانون التأسيسي للاتحاد في قمة لومي 2000م ، ووضع خارطة طريق وأهداف ومبادئ الاتحاد في قمة لوساكا 2001م ، ثم انطلق الاتحاد وعقد أول اجتماع له في قمة ديربان في العام 2002م.
وأصبح الإتحاد الافريقي (AU ) منظمة إقليمية تتألف من 54 دولة أفريقية تأسس في 9 يوليو 2002م ، وقد اعتمد الاتحاد الافريقي عددا من الوثائق الهامة التي ترسي معايير جديدة علي صعيد القارة السمراء وتشمل اتفاقية الاتحاد الافريقي لمنع و مكافحة الفساد للعام 2003م ، والميثاق الافريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم للعام 2007 م .

حينما اجتمع رؤساء الدول والحكومات الأفريقية في يوليو 1979م في مونروفيا بدولة ليبيريا ، تم اعتماد قرار يدعو إلى تكوين لجنة خبراء من شأنها أن تضع مسودة ميثاق أفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ، وقد تم اعتماده في القمة الأفريقية بنيروبي 1981م ، ودخل الميثاق حيز التنفيذ في 21 اكتوبر 1986م ، واحتفل بهذا التاريخ بوصفه يوم حقوق الإنسان الافريقي.
وقد تشكلت لجنة حقوق الإنسان والشعوب الأفريقية (ACHPR) بموجب المادة 30 من الميثاق الافريقي وتتكون من أحد عشر عضوا يعملون بصفتهم الشخصية المستقلة عن بلدانهم ، ونص في المادة31 على أن يتم اختيارهم من الشخصيات الأفريقية التي تتحلى بأعلى قدر من الحكمة والاحترام والأخلاق والنزاهة والحيدة والكفأة في مجال حقوق الإنسان ، ولكل دولة عضو أن ترشح شخصين كحد أقصى لفترة عمل ست سنوات قابلة لإعادة الانتخاب.
تم تدشين عمل اللجنة رسميا في 2 نوفمبر 1987م في أديس أبابا ، ثم انتقلت إلى بانجول بدولة غامبيا في 12يونيو 1989م. وهي مسؤولة عن حماية و تعزيز حقوق الإنسان، ولها من أجل ذلك جمع وإعداد المستندات القانونية الخاصة بتطوير حقوق الإنسان ، ولها أن تنشر المعلومات لرفع الوعي للجمهور وأجهزة الإعلام والمنظمات المعنية بأهمية حقوق الإنسان، وتقوم أيضاً بالتعاون مع المؤسسات الدولية والإقليمية والأفريقية في المشاركة من أجل حل المشكلات المتعلقة بحقوق الإنسان في قارة أفريقيا.
للجنة وظيفة تفسير الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وهي بذلك تكون جهازا شبه قضائي ، يقوم بمراجعة الشكاوى المقدمة من الدول والحكومات والأفراد بشأن انتهاك الميثاق الأفريقي أو انتهاكات حقوق الإنسان وفقا للمواد من ( 46 إلى 59 ) ، ولها سلطات التحقيق و رصد حالات الطوارئ ، ويمكنها أن تعيِّن خبراء يطلبون من الدول اتخاذ تدابير مؤقتة لوقف الانتهاكات ولحماية الضحايا والاستماع إلى الشهادات وغيرها من الإجراءات.

تقدم الشكاوى للجنة للأسباب الاتية :

1/باعتبار اللجنة جهازا شبه قضائي فإنها تمهد للوصول للمحكمة الأفريقية أو الوصول لتسوية ودية .

2/ لمنع الدولة المعتدية من الإفلات من العقاب و تحمل مسؤولية الضرر الذي وقع على الدولة الشاكية.

3/استخدام القضية كجزء من المناصرة أو الضغط على أصحاب القرار للوصول لحلول تحمي الضحايا ووقف الانتهاكات.

4/الوصول إلى طرق جبر الضرر وتعويض الضحايا.
بمجرد قبول الشكوى تسعى اللجنة للحل السلمي عبر تسوية ودية ، وهنا تقوم بتعيين مقرر لتيسير عملية الوصول لتسوية بين الدولتين وأن تكون التسوية وفقاً لمعاهدات حقوق الإنسان العالمية والأفريقية وأن تضمن التعاون بين جميع الأطراف لإنجاح الاتفاق الودي ، فإذا نجحت فإنها تقدم بينات التسوية وكيف تمت وتنتهي القضية.

أما في حالة عدم الوصول لتسوية ودية والسعي نحو تطبيق القانون الدولي ، هنا تطلب اللجنة من الدولة الشاكية تقديم دفوعها الموضوعية وكافة الأدلة والإثباتات والأضرار التي وقعت عليها والانتهاكات التي تضررت منها خلال 60 يوما من تقديم الشكوى للجنة ، وتخطر اللجنة الدولة المعتدية بكل دفوع الدولة الشاكية ولها أن ترد على الشكوى خلال 60 يوما.
يجوز للدولة الشاكية أن تقدم دفوعا وأدلة إضافية جديدة خلال 30 يوماً أخرى ، وللطرفين الحصول على نسخ من دفوع كل طرف.

مع ملاحظة أنه قد لا تتعاون الدولة المعتدية مع اللجنة ،، هنا تعتمد اللجنة ما قدم لها من دفوع من الدولة الشاكية للوصول لقرار بشأن القضية وتصدر اللجنة قرارها وتوصياتها وتقدمها في مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأفريقية في الجلسة السنوية.

بعد صدور القرار تتسلم الأطراف نسخاً من القرار وفقا للمواد ( من 52 ، إلى 59) .

مع ملاحظة أنه يمكن سحب الشكوى في أية مرحلة من مراحل الإجراءات.
تخضع الشكاوى والمراسلات للجنة لسبعة شروط أساسية وفقا للمادة 56 من الميثاق تتمثل في :

1/ يجب ألا تكون الشكوى مجهولة المصدر .

2/ لابد أن تكون هناك إشارة إلى كاتبها ولو بدون الكشف عن هويته وذلك في حالة شكاوى الأفراد ضد الدول .

3/ ألا تكون الشكوى مستقاة من وسائل الإعلام وألا تنطوي على الإهانة أو التجريح .

4/ ألا يتناول قضايا تمت تسويتها بالفعل وفقا لميثاق الأمم المتحدة أو الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

5/ أن تكون الشكاوى أو المراسلات متوافقة مع الميثاق الأفريقي .

6/ أن ترسل الشكوى إلى اللجنة بعد استنفادها طرق العدالة المحلية .

7/ أن تقدم خلال فترة زمنية معقولة.
إذا اتضح للجنة أن هناك سلسلة أحداث تشكل مجموعة انتهاكات لميثاق حقوق الإنسان والشعوب الأفريقي، فإنها تقوم بإبلاغ جمعية رؤساء الدول والحكومات الأفريقية وفقا للمادة 58 من الميثاق الأفريقي، وفي الحالات الحرجة والطارئة تقدم تقريرها مباشرة إلى رئيس الجمعية لسرعة البت ووضع تدابير عاجلة لإنقاذ الضحايا ووقف الاعتداء.

ما قام به السودان هو حق له في الدفاع عن أمنه وسلامه واستقراره وحماية شعبه وأرضه من استمرار الحرب ووقف أي دعم خارجي للمليشيا المتمردة يساعدها على ما تقوم به من انتهاكات وجرائم ضد الشعب السوداني بما يخالف القانون الدولي وقانون حقوق الانسان والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب ، ولأن تشاد خرقت مبدأ حسن الجوار ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واستخدام اراضيها علي نحو يهدد أمن واستقرار وسلامة السودان بما يمثل خروجا عن أهداف ومخالفة لمبادئ الاتحاد الأفريقي التي تدعو إلى تعزيز السلام والأمن والاستقرار بين دول القارة السمراء ، واحترام سيادة واستقلال الدول.

لكن الفجر لاح وبشائر النصر تقترب ، ولابد للحق أن ينتصر ولو بعد حين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى