رأي

الخطة (ط): التطويق (4/4)

فيما أرى

عادل الباز

1

في الحلقات السابقة، أوضحتُ كيف سعت الإمارات إلى تطويق السودان عبر إقامة علاقات اقتصادية مع أغلب دول الجوار. هذه العلاقات والمساعدات، في حقيقتها، ليست سوى رشاوى لتسهيل تمرير السلاح والمرتزقة، وبناء قواعد عسكرية، ومحطات إمداد وتموين، وحتى مستشفيات لمعالجة الجرحى والمصابين من المليشيا.

 

وقد لجأت الإمارات إلى خطة التطويق الشامل بعد فشل كل خططها السابقة، بدءًا من الانقلابات، مرورًا بالحرب المباشرة، ثم حرب المرتزقة والغزو، وكلها باءت بالفشل، كما فشلت في العديد من حروبها الأخرى في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها.

 

والسؤال الآن: ما هي فرص نجاح خطة التطويق الشامل هذه؟

 

2

تبدو فرص نجاح تلك الخطة، التي بدأت مع اندلاع الحرب، منعدمة، وبدأت معالم فشلها وسقوطها تتضح الآن مع انهيار المليشيا، التي تتخذها الإمارات أداة لتنفيذ مخططها الرامي إلى ابتلاع السودان، موارده وجغرافيته.

 

فبالرغم من الدعم المتواصل للمليشيا، وتجنيد المرتزقة من مختلف الدول والأعراق، ها هي تنهار يوميًا تحت ضربات الجيش، وأمام أنظار العالم، وهي الآن بين القتل والتشريد والحصار. هذه أولى علامات سقوط خطة التطويق الشامل، رغم كل المحاولات المستميتة لإنجاحها.

 

3

إن صمود الشعب خلف جيشه، ووحدة قيادة الجيش والمستنفرين، أسهم في تماسك الدولة، التي تمكنت من استنهاض المجهود الشعبي في كافة المجالات. فغصت ساحات المعركة بالمقاتلين، وتطوع مع الجيش مئات الآلاف من الشباب، مما جعل مهمة المليشيات وحلفائها عسيرة، بل مستحيلة.

 

فأولئك الذين يسارعون إلى تطويق السودان، وجدوا السودانيين جميعًا طوقًا منيعًا وحائط صد صلبًا حول وطنهم، فلم يستطيعوا النفاذ من خلاله أو كسر إرادته الحرة. ورغم أنهم تمكنوا من تجنيد مرتزقة سياسيين، فإن كل ما استطاعوا فعله هو “الهوهوة” في الفضائيات بأصوات مبحوحة لم يسمعها أحد.

 

منذ أن رفع بعضهم شعار “لا للحرب”، زاد السودانيون إصرارًا على مواصلتها حتى اقتلاع المليشيا وهزيمة داعميها. وكلما اشتد الطوق حول السودان، ازداد السودانيون وحدةً وصلابة.

 

4

اتضح للإمارات أن الدول التي تحاول مساعدتها في تطويق السودان، والتي تنفق عليها مليارات الدولارات كرشاوى لخدمة أجندتها، ليست في حقيقتها دولًا قوية، بل أكثر هشاشة من السودان نفسه. فجميعها تعاني من أزمات داخلية وحروب أهلية تجعلها مفككة وغير مستقرة.

 

ليبيا: دولة ممزقة، تدرك الإمارات أنها متى ما قويت حكومة طرابلس، يمكنها ببساطة إسقاطها في غمضة عين.

إفريقيا الوسطى: جغرافيا مفتوحة للعصابات المسلحة، ونظامها الحاكم هش وقابل للتغيير في أي لحظة.

جنوب السودان: يقف على أعتاب حرب أهلية جديدة، قد تكون أشد فتكًا مما جرى في السودان، خاصة بعد انتصارات الجيش الأبيض واعتقال رياك مشار، نائب الرئيس سلفاكير.

إثيوبيا: أوضاعها الداخلية متفجرة، والخبراء يتوقعون اشتعال الحرب بينها وبين إريتريا في أي لحظة، فضلًا عن أن جبهة التقراي استأنفت القتال ضد السلطة المركزية.

تشاد: تبدو متماسكة ظاهريًا، لكنها تغلي من الداخل بسبب سياسات رئيسها محمد كاكا. ورغم الدعم الإماراتي، فإن اقتصادها يعاني من الانهيار وشح الموارد. كما أن مكون الزغاوة، الذي يعتمد عليه كاكا، بدأ يبتعد عنه بسبب موقفه من الحرب في السودان، إضافة إلى تنامي قوة حركة “فاكت” المعارضة، التي استقطبت الآلاف من العناصر المطرودة من الأجهزة الأمنية.

 

هذا الطوق الهش، الذي تحاول الإمارات لفّه حول السودان، لن يصمد طويلًا وسينهار قريبًا. وستذهب أموال رشاوى الإمارات هباءً منثورًا.

 

“فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ” (الأنفال: 36).

 

5

يشهد الموقف الإقليمي والدولي من الحرب تغييرات كبيرة، لن تجدي معها الرشاوى بعد الآن. فقد خرج الاتحاد الإفريقي من عباءة الإمارات، حيث يتولى المغرب، منذ مارس 2025، رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، كما انتُخب الجيبوتي محمود علي يوسف رئيسًا لمفوضية الاتحاد الإفريقي خلال قمة فبراير 2025 لرؤساء الدول والحكومات.

 

هذه التغييرات ساهمت كثيرًا في تصحيح المسار الإفريقي، الذي كان منحازًا للمليشيات منذ بداية الحرب. وهنا، لا بد من الإشادة بجهود سفارتنا في أديس أبابا، بقيادة السفير الزين إبراهيم حسين، ومندوبها الدائم لدى الاتحاد الإفريقي، حيث شهدت البعثة السودانية هناك تحولات جذرية منذ وصوله في ديسمبر 2024، وحققت ما يشبه المعجزات.

 

6

أما الموقف الدولي من المليشيا، فقد بدأ يتغير بصورة جلية، لا سيما بعد خطوتها الفاشلة بإعلان نيتها إقامة حكومة موازية. فقد قوبلت تلك الخطوة برفض عالمي واسع، بل إن المجتمع الدولي حذر المليشيا بوضوح، وأعلن أنه غير مستعد للاعتراف بحكومة تُنشئها مليشيا متهمة بجرائم إبادة جماعية.

 

7

إذا كان الشعب، الذي يسند الجيش، قد أفشل كل الخطط السابقة للمليشيات والإمارات، وإذا كان قد بات واضحًا أن دول الطوق جميعها تعاني من هشاشة داخلية وتحالفها مع الإمارات مبني على الرشاوى، وإذا كان الدعم الإقليمي والدولي لهذا الطوق يتلاشى، كما انكشفت الحقائق حول الدور الإماراتي في تأجيج الحرب في السودان، فإن تحقيق أهداف هذا المخطط أصبح مستحيلًا.

 

فلا هم قادرون على كسر صمود الشعب السوداني.

ولا باستطاعتهم الاعتماد على دول مفككة لتنفيذ مهام قذرة ومستحيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى