رأي

الخطة (ط): التطويق (3) 

 

عادل الباز

في الحلقة الثانية من هذا المقال، قلنا إن خطة التطويق الشامل تهدف إلى دعم المجهود الحربي للمليشيا لإحكام الحصار على السودان. ولذا، سارعت الإمارات إلى تمتين علاقاتها القائمة أصلًا مع دول الجوار. نظرنا في أول مداميك تلك الخطة، وكانت إثيوبيا هي الدولة الأسرع في تأسيس أول مداميك الطوق الشامل. في هذه الحلقة، ننظر في الموقف التشادي: كيف جرى استقطاب تشاد لصالح دعم المليشيات لتصبح القاعدة الأساسية للانطلاق في حربها ضد السودان.

 

في 11 أكتوبر 2023 (لاحظ التاريخ)، صادق برلمان جمهورية تشاد على اتفاقية قرض من دولة الإمارات العربية المتحدة لتشاد بمبلغ 700 مليون دولار أمريكي. ووفقًا لبيان صحفي على موقع البرلمان، يصل المبلغ الإجمالي للقرض إلى 700 مليون دولار، مع تقديم 50 مليون دولار بشروط المنحة. سيكون سعر الفائدة 1% سنويًا. إجمالي الدعم المالي المقدم من الإمارات لتشاد في السنوات الأخيرة يصل إلى 850 مليون دولار، وليس 1.5 مليار دولار.

 

بهذا المبلغ التافه، باع محمد كاكا تاريخًا طويلًا من العلاقات بين انجمينا والخرطوم. وليس ذلك فقط، بل باع أهله وعشيرته الأقربين، وتركهم ضحايا للجنجويد الذين يقتلونهم ويهجّرونهم، ويقصفونهم بالدانات التي فجرت بحورًا من الدم تسيل يوميًا من أهله قرب حدود تشاد. ماذا فعلت تشاد؟

فتحت أرضها برًا وجوًا للجنجويد والإمارات لإقامة معسكرات التدريب ومستشفيات للعلاج، وقواعد عسكرية بها مهابط الطائرات التي تحمل كل الأسلحة لقتل السودانيين. أصبحت تشاد معبرًا للعرب الشتات والمرتزقة ليقاتلوا في صفوف الجنجويد. تحولت تشاد إلى مخزن كبير لتشوين عصابات الجنجويد بكل ما تحتاجه من غذاء ودواء.

أخيرًا، أصبح العدوان ينطلق من أراضيها مباشرة بالطائرات المسيرة العملاقة التي تُرسل من تشاد إلى أم درمان. باختصار، اختارت تشاد أن تصبح عدو السودان الأول. ستدفع تشاد يومًا ما ثمن هذا العدوان.

كاكا لم يقرأ سطرًا واحدًا في تاريخ العلاقات بين السودان وتشاد. لو قرأ لما تورط في حماقاته هذه تجاه السودان. سيدرك بعد حين أن المال الإماراتي لن ينفعه ولن يثبته على كرسيه المهتز أصلًا، وأن الأموال الحرام التي قبضها وباع بها دماء أهله ستنتهي به إلى أكثر مزابل التاريخ قذارة. هكذا، بهذه الأساليب (الرشاوى)، جندت الإمارات النظام التشادي لصالح الطوق الذي شيدته حول السودان.

 

أفريقيا الوسطى:

لم يكن للإمارات يومًا اهتمامات بأفريقيا الوسطى، ولكن مع تسارع بناء الطوق الشامل، سارعت الإمارات لتؤسس علاقات مفاجئة مع الحكومة في أفريقيا الوسطى. في 6 مارس 2025، زار وفد إماراتي رفيع المستوى ووقع اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، وجاء في الأخبار: (الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، شهد ورئيس أفريقيا الوسطى فوستين آرشانج تواديرا توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين). محمد بن زايد: “اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الإمارات وأفريقيا الوسطى تفتح آفاقًا جديدة للتعاون”.

يذكر أن حجم التجارة غير النفطية بين دولة الإمارات وجمهورية أفريقيا الوسطى بلغ نحو 252 مليون دولار في عام 2024، بنسبة نمو 75% مقارنة بالعام السابق.

مقابل ذلك، المطلوب من أفريقيا الوسطى هو فتح حدودها للمرتزقة وأن تكون معبرًا للسلاح للمليشيات، وأن تفتح قواعدها للطائرات الإماراتية للعمل بلا توقف في تهريب الذهب من منطقة سنقو إلى قواعد عسكرية على الحدود التي أقامتها فاغنر. رغم هشاشة الأوضاع السياسية والعسكرية في أفريقيا الوسطى، قبلت أن تلعب هذا الدور القميء، وسيأتي اليوم الذي تدفع فيه ثمن تآمرها على السودان.

 

أوغندا:

في 21/6/2024، أعلن مكتب الرئيس يويري موسيفيني يوم الجمعة أن أوغندا وقعت اتفاقًا مع جمعية أعمال إماراتية لبناء مطار دولي جديد. ويعزز اتفاق بناء ثالث مطار من نوعه في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا حضور الإمارات في قطاعات اقتصادية تتجاوز الطاقة المتجددة والنفط والغاز. وذكر مكتب موسيفيني في بيان أن غرفة تجارة وصناعة الشارقة الإماراتية تتولى إنشاء المطار في شمال شرق البلاد بالقرب من حدود أوغندا مع كينيا.

ولكن لماذا تم تجنيد أوغندا لتصبح ضمن دول الطوق الشامل؟

ثلاثة أسباب: أولها بناء قواعد خلفية لدول الطوق في الجوار للمساعدة في التشوين العسكري وإنشاء مهابط طائرات بعيدًا عن دول الجوار، وإيجاد أكبر كمية من المنافذ لإدخال السلاح دون أن تكون جهة ما قادرة على تتبع السلاح الإماراتي المتدفق على المليشيا. ثم استخدام أوغندا، وبالذات العاصمة كمبالا، كعاصمة ثانية بعد نيروبي في الأنشطة السياسية وتحركات المليشيات والمعارضة.

 

جنوب السودان:

لجنوب السودان قصص طويلة فاشلة مع دولة الإمارات، ولكن حكومة سلفاكير لا تتعظ وليس لها أدنى فكرة عن ما فعلته الإمارات في كل الدول الهشة التي تعاملت معها. دولة جنوب السودان قامت وقعدت في حكاية بناء أنبوب لتصدير البترول ومصافي البترول، وبعد أن صرفت حكومة سلفاكير عشرات الملايين من الدولارات، صرفت الإمارات النظر عن الاستثمار في الأنبوب.

مرة أخرى، طمعت حكومة جنوب السودان في قرض من الإمارات، فوضعت لها أبوظبي شروطًا ما أنزل الله بها من سلطان، فتم رفضها من مجلس الوزراء بالجنوب.

أخيرًا، وافقت أبوظبي على إقراض جنوب السودان 12 مليار يورو (12.9 مليار دولار) مقابل سداد المبلغ بالنفط، ما يجعلها إحدى أكبر صفقات النفط مقابل النقد على الإطلاق. يبلغ حجم الصفقة نحو ضعف الناتج المحلي الإجمالي لدولة جنوب السودان.

هذا ثمن قادة الجنوب، ولا أقول ثمن شعب الجنوب، الذي يحاول الجنجويد أن يحولونه إلى رقيق. في مقابل ماذا؟ دور الجنوب في خطة التطويق الشامل تبدو هي الأوضح من بين كل الدول، إذ المطلوب هو تجنيد مرتزقة من الجنوب وفتح البلاد طولًا وعرضًا لمعسكرات الجنجويد والعبور الأسلحة واستخدام المطارات وجعل الجنوب ملاذًا آمنًا للجنجويد المنسحبين من المعركة، والقاعدة الخلفية التي تفتح فيها المستشفيات لجرحى الجنجويد، وهو موضع التشوين بالغذاء والسلاح وكل شيء. وأخيرًا، سيشهد الجنوب وفي منطقة أويل أول مستشفى يعمل كستار لعمليات الجنجويد، وتتحول منطقة أويل إلى “أم جرس” أخرى في جنوب السودان.

هذا هو دور الجنوب في خطة الطوق الشامل، ولأن الله لا يهدي كيد الأخوة الخائنين، سلط الله على حكومة الجنوب الجيش الأبيض الذي استلم الناصر، ويواصل زحفه الآن في مناحٍ عدة من الجنوب. الله أشغل أعداءنا بأنفسهم.

 

السؤال سنجيب عليه في الحلقة القادمة: ما هي فرص نجاح خطة التطويق هذه؟

نواصل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى