الخرطوم وأبوظبي.. هل تنجح وساطة موسكو في ترميم جسر العلاقة؟

الأحداث – عبدالباسط إدريس

كشف نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار عن مقترح روسي بالتوسط لإنهاء الأزمة بين السودان والإمارات وتشاد، ومع دخول الحرب عامها الثاني وتزايد حجم الانتهاكات والفظائع المروعة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع المدعومة من النظام الإماراتي يتبادر سؤال ملح هل ستنجح الوساطة الروسية في طي خلافات الخرطوم وأبوظبي؟ .

 

ماوراء الوساطة :

من الوهلة الأولى قد يكشف المقترح عن استعداد من جانب روسيا لمساعدة السودان في كسب الحرب، يشير ذلك لأهمية السودان لدى روسيا واحتلاله صدارة توجهاتها الاستراتيجية لإقامة علاقات راسخة مع الدول الأفريقية بخاصة التي لديها مواقع جيوسياسية وموارد وثروات ضخمة، ولكنها بالمقابل في حالة السودان مثلاً، تسعى لوزن مصالحها مع الدول شبه الإقليمية مثل الإمارات والسعودية، ولذلك تنظر لواقع السودان المأزوم بالحرب وتراجع الاقتصاد، كأمر معيق لإقامة علاقة تمكنها من تحقيق ورعاية مصالحها الحيوية، ومن هذه النقطة يبدو أنها تود أن تقول للسودان إنها ترغب فيه كبلد مستقر لديه سلطة وحكومة قادرة على تنفيذ الاتفاقيات، ومن ذات النقطة أيضاً تريد القول من طرف خفي أن نقطة البداية هي وقف الحرب، ولتقف الحرب تحاول إضاءة النفق لتتمكن حكومة السودان من النظر جيداً لمن يقف وراء الحرب، ومن المعلوم أن وقف حروب الوكالة تبدأ عادة بتبني نظام الحكم لاستراتيجية ترتكز على عامل تحييد الأطراف المغذية للحرب، فالوساطة الروسية إذا تنطلق من منصة تحييد الإمارات بما يعني أن موسكو مدركة لحجم توازن القوى الدولي والاقتصادي مابين الخرطوم وأبوظبي فالخلاصة إذا هي أن روسيا تطلب من السودان التعاطي مع شواغل الإمارات بطريقة غير التي سائدة الآن كمدخل أساسي لوقف الحرب من خلال وقف اليد التي تلطم بها دول أخرى، يبدو أن روسيا على معرفة أدق بمخططاتها وأهدافها من حرب السودان.

 

استمرار العداء :

بالمقابل ماتزال الإمارات وفقاً لتقارير رسمية صادرة عن الحكومة السودانية، مستمرة في تزويد مليشيا حميدتي بكافة أنواع الأسلحة والمركبات القتالية والمسيرات، فبعد أن كشف مندوب السودان بالأمم المتحدة الحارث إدريس عن رصد أجهزة الاستخبارات السودانية عن إرسال الإمارات عدد 1200 مركبة قتالية إلى ميناء الكاميرون لإدخالها عبر تشاد إلى دارفور، قال  وزير المالية د. جبريل إبراهيم، الجمعة، إن الإمارات تلاحق الدول التي تبيع السلاح للسودان، وكشف الوزير عن تقديم الإمارات مبالغ مالية أكبر لشراء الأسلحة التى تم الاتفاق عليها بين تلك الدول والجيش السوداني.

 

تجارب مريرة :

من زاوية أخرى، لا يبدو عداء الإمارات للسودان وحده حصرياً بما يمنح الوساطة إشارة كافية لإنهاء النزاع وترميم العلاقات بين البلدين، فالسلوك والأفعال التي تقدم عليها حكومة أبوظبي من شأنها وضع الإمارات في خانة الدولة المارقة.. بخلاف السودان  هناك أربعة حالات بالمنطقة والإقليم تعزز من الحالة العدائية للإمارات الأولى تغذية الحرب في سوريا بأسباب ودوافع غير معلومة، والثاني هو إقامة مايمكن تسميته بالمحور العربي الجديد الذى أرادت به الإجهاز على ماتبقى من بريق وأثر للجامعة العربية واحتكار منظومة العمل العربي وتوظيفها لخدمة أجندتها التدميرية حيث أقدمت عبر هذا المحور على مقاطعة قطر وكيل العداء لها قبل أن يكترث حلفاء المحور لخطل المسير وبدأوا التملص عنه دولة بعد أخرى قامت كل واحدة بمصالحة قطر وإعادة العلاقات معها على طريقتها، والثالثة هي دخول الإمارات الحرب اليمنية وقد كشف تقرير استقصائي لقناة بي بي سي، عن ضلوع الإمارات في استهداف اليمنيين تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وأفاد التقرير أن الإمارات وبموافقة اميركا استعانت بقتلة محترفين من الولايات المتحدة عرض التقرير إفادات بعضهم، حيث أقروا بأنهم عملوا مع القوات الإماراتية على تصفية قيادات سياسية وحقوقية ونشطاء ورموز اجتماعية بقوائم مئوية، وأكد التقرير أن الإمارات التي دخلت الحرب تحت عنوان مكافحة الإرهاب قد استعانت بإرهابيين من القاعدة نفسها لتصفية يمنيين، أما الرابعة والأخيرة هى دعم استمرار النزاع في ليبيا من خلال خليفة حفتر في بنغازي ومعلوم المدى الذي وصلت إليه ليبيا من دمار وعدم استقرار سياسي ماتزال تعاني مضاعفاته في ظل وجود نظامين في دولة واحدة حتى الآن.

 

هل تنجح الوساطة

بالمقابل نجد أن تاريخ العلاقات بين الإمارات والسودان غير حافل بتداعيات ومؤثرات عدائية، تجعل من إعادة علاقات البلدين للمسار الطبيعى أمر مستحيل، فباستثناء موقف الإمارات وقطعها العلاقات مع الخرطوم في بداية التسعينات احتجاجاً على تقارب الخرطوم وبغداد وموقف الأولى من غزو الكويت، لن تجد في صفحة العلاقات مايعكر صفوها، فالخرطوم وأبوظبي جمعت بينهما علاقات تاريخية راسخة تأسست على يد حكيم العرب ومؤسس الدولة الإماراتية الراحل الشيخ زايد، ثم تطورت لعلاقات اقتصادية نالت الإمارات بموجبها استثمارات منفذة ومصدقة في مجالات عديدة أهمها الزراعة والتعدين وبالمقابل شكلت ابوظبي رئة تتنفس عبرها الخرطوم في فترة العقوبات الأمريكية من حيث صادر الذهب وجلب الواردات وازدهار حركة التجارة لرجال الأعمال والسوق السوداني.

ويقول الباحث فى العلاقات الدولية منتصر عبدالجليل ل(الأحداث) إن السودان والإمارات وصلت العلاقة بينهما الدرجة التي تستدعي دخول طرف ثالث مقبول للبلدين لإعادة الثقة وحل الخلافات بينهما، يؤكد عبدالجليل أن دولة بحجم روسيا لديها القدرة التي تؤهلها للتوسط لما لها من نفوذ دولي ومقبولية خاصة بالنسبة للجانب السوداني، ويرى عبدالجليل أن الحكومة بقيادة البرهان عليها دراسة مقترح وساطة روسيا والتعامل معها بشكل إيجابي، وينصح عبدالجليل بعدم الإضرار بمصالح السودان وأن تكون قيادته في حالة بحث مستمر عن هذه المصالح وتجنب الأضرار.

Exit mobile version