الأحداث – وكالات
على رغم تحرير الجيش السوداني نحو 4 آلاف من الأسرى المدنيين والعسكريين من معتقلات وسجون مليشيا “الدعم السريع” في العاصمة الخرطوم، فإن هناك عشرات الآلاف لا يزال مصيرهم مجهولاً، وتعيش أسرهم معاناة نفسية بسبب اختفاء أبنائها في ظروف غامضة منذ اندلاع الحرب التي أوشكت على إكمال عامها الثاني، خصوصاً بعد حدوث عشرات الوفيات في السجون.
وبحسب جهات حقوقية فإن عدد المفقودين خلال 23 شهراً بلغ 50 ألف شخص وليس هناك أدلة تؤكد وجودهم لدى جهة محددة، في وقت لم يفقد ذووهم الأمل بالوصول إليهم من خلال البحث بجميع الطرق والوسائل المتاحة، إذ تعج مواقع التواصل الاجتماعي بعدد من الإعلانات والنداءات التي تحمل صور هؤلاء المفقودين مرفقة بأرقام هواتف عائلاتهم في ظل توقف عمل الشرطة منذ تفجر القتال.
حقائق صادمة
إلى ذلك قالت المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات إنها وثقت فقدان 50 ألف شخص منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
وأشارت إلى أن “غالب المفقودين من الولايات المتأثرة بالنزاع، مثل الخرطوم وسنار والنيل الأبيض وإقليم دارفور”.
وتوقعت المجموعة اكتشاف حقائق صادمة وغير متوقعة بعد توقف الحرب حول الانتهاكات التي ارتكبت في حق النساء والأطفال، بما في ذلك جرائم الاغتصاب.
وأوضحت أن “انقطاع شبكات الاتصالات وصعوبة الوصول إلى الولايات التي تشهد نزاعات مسلحة وتسيطر عليها قوات ’الدعم السريع‘، أسباب تحول دون رصد جميع حالات الاختفاء القسري، والراجح أن الأعداد كبيرة في تلك المناطق”.
قلق وخوف
تروي ماجدة معتصم التي فقدت ابنها شاكر بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب، وتقول “كان ابني يعمل في المحال التجارية بمنطقة أم درمان القديمة، يغادر المنزل صباحاً ويعود في الفترة المسائية بشكل منتظم لنحو أكثر من 60 يوماً”، وأضافت “في أحد الأيام تأخر عن موعد وصوله، حاولنا الاتصال به فوجدنا هاتفه مغلقاً، وبدأ القلق يساورنا مع مرور الوقت حتى دخل الليل، ليصبح الأمر بالنسبة إلينا غير عادي، فاتجهنا إلى مراكز الشرطة والمستشفيات في منطقتنا فلم نجده”، وأردفت “قلبي يتمزق من شدة الخوف والقلق على مصير ابني بخاصة بعد عدم ظهور اسمه ضمن قوائم الأسرى الذين حررهم الجيش السوداني عقب بسط سيطرته على العاصمة الخرطوم، ونشرت أسماؤهم على مواقع التواصل الاجتماعي”.
آثار نفسية
سالم الطاهر يسكن منطقة الجريف غرب قال إن أسرته فقدت الاتصال بشقيقه البالغ من العمر 26 سنة منذ أكثر من عام، عندما ذهب لإجراء فحوص طبية بحكم أنه يعاني مرض السكري، ولم يعد حتى الآن، وأصبح والداه في حال يرثى لها من المعاناة النفسية.
وأضاف “كان لدينا أمل كبير في العثور عليه، لكن عدم ظهوره مع الأسرى المحررين من معتقلات وسجون قوات ’الدعم السريع‘ في الخرطوم شكل صدمة كبيرة لنا، وتوصلنا إلى قناعة بأنه قتل”.
وأوضح الطاهر أن “الأسر السودانية تعاني آثاراً نفسية صعبة للغاية بسبب فقدان أفرادها والانشغال بمصيرهم المجهول، إذا كانوا أحياء أو أمواتاً وعدم قدرتها على التواصل معهم”.
انتهاكات ومآسٍ
في السياق قال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن إن “قائمة الأسرى التي أُفرج عنها في ولاية الخرطوم ومحلية جبل أولياء كشفت بعض الإجابات حول مصير المئات من المفقودين، وكذلك المآسي الخفية وظروف الفقد نفسه”، وأضاف “تتحمل مليشيا ’الدعم السريع المسؤولية نظراً إلى أن الانتهاكات التي حدثت للمعتقلين والمخفيين قسرياً تمت بأفعال منسوبة إلى تلك القوات، وفي المناطق التي كانت تحت سيطرتها في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة ومدينة الجنينة، فضلاً عن حدوث حالات وفاة عدة داخل السجون”.
اختفاء الأطباء
في غضون ذلك، أعربت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان عن قلقها البالغ إزاء مصير خمسة أطباء لا يزالون محتجزين لدى مليشيا “الدعم السريع” منذ أكتوبر 2024.
ودعت المنظمات الدولية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى التدخل العاجل للإفراج عن الأطباء المحتجزين في أقرب وقت ممكن.
وأشارت اللجنة إلى أن “مجموعة مسلحة في مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور اختطفت في مارس ، طبيباً من منزله ونقلته إلى مكان مجهول، واحتجاجاً على هذه الخطوة نفذ الكوادر الطبية والعاملون بالمستشفى والمراكز الصحية إضراباً عن العمل، وكذلك وقفة احتجاجية”.
تعقيدات وتقاطعات
على الصعيد نفسه، وصفت عضوة لجنة محامي الطوارئ رحاب مبارك ملف المفقودين في حرب السودان بـ”الشائك والمعقد”، نظراً إلى ارتباطه بتقاطعات عدة في شأن عملية البحث والتقصي وأخذ العينات، بخاصة بعد اكتشاف دفن المئات في مقابر جماعية بمناطق شمال الخرطوم ومدينة بحري، إضافة إلى العشرات الذين دفنوا في الساحات وأمام المنازل.
وأشارت إلى أن “هناك المئات لا يزالون مفقودين، على رغم إطلاق سراح آلاف الأسرى في ولاية الخرطوم، فضلاً عن آخرين لقوا مصرعهم في الشوارع وتحللت بعض الجثامين، وتمت عمليات الدفن من دون التعرف إلى هوية المتوفين”.
ولفتت مبارك إلى أن “اللجنة ليست لديها إحصاءات دقيقة بعدد المفقودين في العاصمة الخرطوم بسبب انقطاع شبكات الاتصالات في مناطق عدة ولفترات تتجاوز الأشهر الثلاثة أحياناً”.
نقلا عن “أصداء سودانية”