لابد من إجراءات أمنية مشددة لضرب المتلاعبين بالنقد الأجنبي
حوار -ناهد أوشي
رسم الخبير في مجال صادر المحاصيل وصادر الذهب محمد يحي خارطة طريق للخروج بالاقتصاد من عنق الزجاجة، وطالب الجهاز المصرفي بوضع إجراءات أمنية مشددة وصارمة تهدف إلى ضرب المتلاعبين بالنقد الأجنبي وتشديد العقوبات لتصل إلى عقوبة الإرهاب وتخريب الاقتصاد والأمن القومي، بهدف إبطاء التدهور قدر الإمكان وتحقيق استقرار الأسعار، وقال “لابد للدولة من وضع خطط إسعافية عاجلة للاستفادة من إمكانيات السودان كدولة منتجة للذهب بكميات كبيرة يمكن من خلاله تكوين احتياطات مقدرة تساعد الدولة في الاستدانة والحصول على التمويل”، وفيما يلي نص إفاداته.
كيف يمكن معالجة تذبذب أسعار صرف الجنيه السوداني؟
تصاعدت وتيرة انهيار العملة الوطنية مقابل العملات الحرة خلال الأسابيع الماضية مما يستوجب من البنك المركزي وجهاز الأمن والمخابرات الوطني اتخاذ تدابير عاجلة لإيقاف التدهور المتسارع في العملة الوطنية في أسرع وقت ممكن، في مثل هذه الظروف تكمن خطة تدخل الدولة لمعالجة الأمر من خلال العديد من الطرق من ضمنها البحث عن منح وقروض أو مساعدة من دولة صديقة بإيداع وديعة في البنك المركزي تساهم في تخفيف حدة الأزمة، كما حدث ذلك لإحدى دول الجوار حيث تهاوى سعر العملة الوطنية فيها لمستوى كبير لولا المساعدات المالية في شكل وديعة مصرفية قدمتها دولتي السعودية والإمارات لتلك الدولة، وفي السودان أكدت دولة قطر الشقيقة دعم حكومة السودان بدخول الاستثمارات والودائع في القريب العاجل والتي ستساهم في تخفيف تدهور مؤشرات الاقتصاد من سعر صرف وانخفاص الأسعار وتحريك عجلة الاقتصاد.
هل تكفي الودائع وحدها لتحقيق استقرار سعر الصرف؟
يمكن بالتوازي مع دخول تلك الوديعة للجهاز المصرفي أن يتم عمل تدخل وإجراءات أمنية مشددة وصارمة تهدف إلى ضرب المتلاعبين بالنقد الأجنبي وتشديد العقوبات لتصل إلى درجة الإرهاب وتخريب الاقتصاد والأمن القومي وذلك بهدف إبطاء التدهور قدر الإمكان واستقرار الأسعار، مع وضع خطط إسعافية عاجلة للاستفادة من إمكانيات السودان كدولة منتجة للذهب بكميات كبيرة يمكن من خلال هذا القطاع تكوين احتياطات مقدرة تساعد الدولة بالاستدانة والحصول على التمويل، ولعل مبررات التركيز على الإجراءات الأمنية يأتي وفقاً لشواهد بحثية حديثة يؤكدها خبراء بأن نسبة مساهمة العوامل غير الاقتصادية في تدهور الجنيه السوداني عن طريق المضاربات والشائعات تمثل حوالي 60٪ من قيمة سعر صرف الجنيه السوداني الذي تجاوز 2.300 منذ منتصف شهر يوليو الحالي من العام 2024 وقارب عتبة 3000 جنيه للدولار الواحد.
هذا يؤكد أن تدهور سعر الصرف مفتعل؟
بالتأكيد فالشاهد أن استمرار التدهور بهذه الصورة ليس لأسباب حقيقية ذات صلة بالاقتصاد القومي أو من آثار الحرب الحالية وإنما هو بأسباب مفتعلة لا تخلو من تخريب متعمد، ولذلك لابد من تدابير أمنية مشددة لأن استمرار تسارع وتيرة التدهور يولد مزيد من المضاربات وفقدان الثقة في العملة الوطنية، وفي إطار منع تآكل الثروة من العملات المحلية يلجأ المستثمرون والمواطنون لاكتناز أكبر قدر من الذهب والعملات الصعبة كملاذ آمن لكي لا يفقد المزيد من مدخراته ورأس ماله الذي تآكل، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الأمنية في هذا الصدد ليست علاج جذري في حد ذاته ولكنها آلية لإبطاء التدهور المتسارع حتى لا يتفاقم الوضع الاقتصادي في الدولة مما يؤدي إلى ارتفاع المستوي العام للأسعار (التضخم) وغلاء المعيشة، هنا يأتي دور البنك المركزي بتكوين احتياطي من الذهب لإدارة السياسة النقدية بحيث تسهم في استقرار سعر الصرف والتضخم من خلال العمل على إصدار صكوك مقومة بالذهب قابلة للتداول مع إسراع وتنشيط دور بورصة الذهب والسلع مع شركات الاستثمار المالي التي تصدر وتدير مثل هذه الصناديق الاستثمارية التي تصدر الصكوك وتسعى الدولة جاهدة على إعادة تشغيلها ومزاولة نشاطها مرة أخرى، وتتميز هذه الصكوك بثبات قيمتها باعتبار ارتباط قيمتها بالدولار وتداولها بيعاً وشراء وفقاً لأسعار الذهب البورصات العالمية، ويجب أن تعمل الدولة ومؤسساتها ذات الصلة من وزارات المالية والتجارة والصناعة والبنك المركزي والأجهزة الأمنية والجمارك والموانئ أن تعمل على مراجعة سياستها المالية والاقتصادية والقانونية، في ظل اقتصاد حرب وموازنة حرب وضعت لظروف البلاد كما يجب عليها التنسيق والتكامل مع بعضها البعض للخروج برؤية تساعد القطاع الخاص ورجال الأعمال
في الداخل والخارج بإعادة رؤوس أموالها والدخول في مشروعات إنتاجية مثل توفير مدخلات الإنتاج وآلياتها من معدات طاقة شمسية وتقاوى وأسمدة بأسعار ذات تكاليف منخفضة، مما تنعكس في الإنتاج بالتالي زيادة الصادرات وعلى كثير من المؤشرات الاقتصادية (ميزان تجاري – سعر الصرف- إيرادات الدولة) وخفض الضغط على الدولار من خلال عوائد الصادرات السودانية وتمزيق جزء من فاتورة الاستيراد لبعض المنتجات التي يمكن إنتاجها داخل السودان، كما على بعض المؤسسات الحكومية تطوير وحوسبة أنظمتها وتطويرها للوصول بعمل الإجراءات إلكترونياً” وذلك لتقليل الوقت والجهد وتسهيل الإجراءات لجميع الأعمال الاقتصادية في قطاعي الإنتاج والصادر.
إنتاج المحاصيل الزراعية في ظل فشل الموسمين الصيفي والشتوي ونحن الآن على أعتاب الموسم الصيفي كيف يمكن أن نحقق نجاحاً للموسم؟
معظم الولايات التي تعتبر عصب الاقتصاد السوداني والتي تمده بالمنتجات والمحاصيل والمعادن كالذهب والتي تٌصدر خارج البلاد مثل (الصمغ العربي والفول السوداني والسمسم والماشية حية ومذبوحة والكركدي والذهب) والتي لها عائد صادر كبيرة خارج دائرة الإنتاج بعد دخول الحرب عامها الثاني.
وبقية الولايات الأخرى السودانية الآمنة نجد بعض كبار المزارعين وقطاع الإنتاج فيها يشعرون بعدم الأمان لإنتاجهم أو طرق خروج إنتاجهم غير آمن وبعضها يواجهه شبح ارتفاع الأسعار وتكاليف الإنتاج من وقود وأسمدة وضعف البنية التحتية للإنتاج مما ينذر بالخطر وانخفاض الإنتاج بالتالي يظهر خطر عدم الاكتفاء ذاتياً في البلاد ناهيك عن تصديرها إلى الخارج، وعلى مؤسسات الدولة وضع الخطط الطارئة وتذليل العقبات وسرعة التحرك، وإطلاق مبادرة سيادية لإنقاذ الموسم الصيفي والاستعداد للموسم الشتوي عبر إنشاء محفظة تمويلية للمنتجين بالتعاون مع رجال الأعمال بالداخل والخارج (القطاع الخاص).
إلى أي مدى تأثر قطاع التعدين بالحرب؟
توقف قطاع التعدين مع تداعيات الحرب وبخروج الشركات الأجنبية صاحبة المربعات الكبيرة والإمكانيات والإنتاج الكبير وتوقف شركات القطاع الخاص السودانية وشركات معالجة المخلفات انخفض إنتاج البلاد من الذهب مع استمرار قطاع التعدين التقليدي في محاولات إنتاج الذهب في بداية الحرب إلا أن تكاليف الإنتاج تسببت في توقف عدد من المعدنين حيث نجد إنتاجهم من الذهب غالباً ما يتم بيعه بأقل من قيمته العالمية محلياً أو بطرق خارج القنوات الرسمية مما يسهم في ضعف عائدات وإيرادات الدولة من الذهب عبر تهريبه وبيعه بالأسعار العالمية للبورصة، مما يستوجب تهيئة المناخ لعودة للشركات الأجنبية والمحلية ومزاولة أعمالها لما لها من إمكانيات مالية كبيرة لزيادة الصادرات من الذهب حتى يستطيع إدخال الذهب المنتج من هذا القطاع إلى دائرة الإنتاج الرسمي بالتالي زيادة الصادر من الذهب بصورة كبيرة وتكوين احتياطات من الذهب في حدود 20/50 طن بمقابل 2.5 إلى 3 مليارات دولار.