الخبير المالي والاقتصادي د. علي الله عبدالرازق في حوار مع (الأحداث)..أتوقع أن يتخطى سعر صرف الدولار (2000) جنيه

الاقتصاد السوداني يواجه انهياراً كاملاً

أتوقع أن يتخطى سعر صرف الدولار (2000) جنيه
(15) مليار دولار خسائر الاقتصاد

حوار – ناهد أوشي

طالب الخبير المالي والاقتصادي د.علي الله عبدالرازق على الله بنك السودان المركزي بالتدخل واتخاذ حزمة إجراءات وتدابير لمعالجة التدهور المريع في الجنيه، بالتحكم في حجم الكتلة النقدية حتى لا يتعرض الاقتصاد السوداني للانهيار الكامل والمتوقع فى المدي القصير، مشيراً لتقديرات خسائر الاقتصاد السوداني بأكثر من 15 مليار دولار، أي ما يعادل 48٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
ونوه علي الله لضرورة ملء الفراغ المؤسسي الذي يواجه الجهاز الحكومي لأجل استعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لطبيعتها.
وقال “لاستكمال انتصار القوات المسلحة لابد للحكومة والجهاز التنفيذي من صياغة الخطط الاستراتيجية الفعالة بطريقة أكثر مواءمة من خلال تبني مناهج وآليات الاقتصاد التضامني الاجتماعي”.

وتطرق للعديد من القضايا الاقتصادية في الحوار التالي..

اقتصاد ما بعد الحرب كيف سيكون؟
تمكنت القوات المسلحة السودانية خلال الأسابيع الماضية من تسجيل انتصارات في بعض من المدن السودانية، ومنها تحديداً مدينة امدرمان..
وبهذا تكون الفترة القادمة، عنوانها إعمار ما دمرته هذه الحرب، ومما لاشك فيه أن لهذه الحرب تداعياتها الأكثر حدة على البنية الاقتصادية، من حيث الدمار والخراب الذي لحق بالبنية التحتية، وفقدان الملايين لمصادر دخلهم وعدم صرف الاستحقاقات لكثير من العاملين لعدة شهور في القطاعين العام والخاص، فضلاً عن تقلص وانعدام عمليات الإنتاج بكافة الأنشطة، حيث أكدت دراسة للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، التي قدرت خسائر الاقتصاد السوداني بأكثر من 15 مليار دولار، أي ما يعادل 48٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
ولأجل استعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لطبيعتها ينبغي ملء الفراغ المؤسسي الذي يواجه الجهاز الحكومي أولاً. ولأجل تكملة هذه الانتصارات، فهناك الحاجة العاجلة للمواطنين لترتيب الحد الأدنى من ضروريات الحياة اقتصادياً ومعيشياً، سواء خدمات اقتصادية واجتماعية من استعادة الصناعات وغيرها، لا سبيل لبلوغ ضروريات الحياة المعيشية والاقتصادية دون جهاز حكومي كفء وفاعل.
ولعل من آثار هذه الحرب الماثلة انهيار البنية التحتية للاقتصاد في كافة القطاعات الاقتصادية، وانتشار واتساع دائرة الفقر، علاوة على نهب كل أصول القطاع المصرفي، هذا بجانب التدمير الممنهج للبنية الصناعية وسرقة أغلب المتاجر، وغيرها من القطاعات الاقتصادية الحكومية والخاصة.
ولاستكمال هذا الانتصار لابد للحكومة والجهاز التنفيذي من صياغة الخطط الاستراتيجية الفعالة بطريقة أكثر مواءمة من خلال تبني مناهج وآليات الاقتصاد التضامني الاجتماعي، من أجل استعادة عمليات فرص الإنتاج لملايين المواطنين الذين فقدوا مصادر دخلهم، تركيزاً على فئة القادرين على الإنتاج في الأنشطة الاقتصادية المتنوعة، وهنا ينبغي الإشارة لضرورة تفعيل آليات التمويل الأصغر التشاركي وصياغة خطط لتدريب المواطنين القادرين على الإنتاج، علاوة على أهمية ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الشبيهة فى تعافي اقتصاد ما بعد الحرب.

استمرار تدهور قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية الأسباب والحلول؟

سجل الجنيه السوداني خلال الأيام الماضية، تراجعا كبيرا ودراماتيكيا وتاريخيا لا مثيل له في مقابل العملات الأجنبية، سواء في البنوك أو السوق الموازي معا، حيث سجل ارتفاعات كبيرة ومزعجة وفقاً لتداول المتعاملين في سوق العملات الأجنبية. فيما تعدت أسعار صرف الدولار في السوق الموازي سقف ال 1400جنيه سوداني خلال الأيام الماضية.. وهذا التدهور الكبير في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، هو أحد آثار الحرب المندلعة في السودان منذ 15 أبريل 2023 حيث أدت هذه الحرب إلى تدهور كبير فى قطاعات الإنتاج الحقيقية سواء الصناعي، الذي بلغت خسائره وتعطلت أكثر من 70٪ من مصانعه، وكذلك القطاع الزراعي الذي تعطلت كثير من مشروعاته، مما دفع بتعويض نقص الإنتاج المحلي باستيراد السلع الضرورية والأساسية للمواطنين من الخارج، وهذا ما قد يدفع بزيادة الطلب على النقد الأجنبي لمقابلة احتياجات هذا الاستيراد الملح، والضروري في الفترة القادمة.
هذا التدهور المريع والكارثي في قيمة الجنيه السوداني مؤخراً، ينظر له باعتباره كمؤشر لدخول الاقتصاد السوداني مرحلة الانهيار الاقتصادي، الذي بدأت ملامحه تتمظهر في الراهن اللحظي، وسيستمر هذا التراجع مستقبلا، ومن المتوقع قريبا، أن يتخطى سعر صرف الدولار الفين جنيه سوداني خلال الثلاثة أشهر القادمة،
على بنك السودان المركزي أن يتدخل واتخاذ حزمة إجراءات وتدابير لمعالجة هذا التدهور المريع، بالتحكم في حجم الكتلة النقدية، وإلا فإن الانهيار الكامل للاقتصاد السوداني المتوقع فى المدى القصير سيتحقق.
كذلك ينبغي على القيادة السياسية إن وجدت، ومافي حكمهم أن تلعب دورا متعاظما في وقف نزيف واستنزاف هذه الحرب المدمرة باي كلفة، التي لاشك ستؤثر بالمزيد من التدهور في أداء المؤشرات الاقتصادية الكلية وذلك من خلال المزيد من الصرف الحكومي على الحرب في ظل تراجع وانخفاض أداء الإيرادات العامة، مما يدفع قطعا بارتفاع معدلات التضخم في المدى القريب ناهيك عن البعيد، والتي حتما ستؤدي إلى المزيد من التدهور في قيمة العملة الوطنية.

وماذا بشأن ارتفاع الأسعار؟

مند اندلاع الحرب في منتصف أبريل ٢٠٢٣، توقف نشاط الإنتاج في الخرطوم، التي تعتبر مركز الثقل الاقتصادي، إضافة إلى مناطق في كردفان ودارفور _ بذلك خرجت أكثر من ٤٥٠ منشأة صناعية تعمل في الصناعات الغذائية والدوائية وغيرها عن الإنتاج بعد التخريب الذي تعرضت له، والفوضى التي صاحبت القتال، كما تأثرت العديد من المشاريع الزراعية في ولاية الجزيرة، وبعض من المشاريع الأخرى بسبب نقص التمويل وعدم الاستقرار الإداري.
قدرت التقارير حجم الخسائر التي تعرضت له البنية التحتية بأكثر من ٧٠ مليار دولار، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي في عام ٢٠٢٣ بنحو ٢٠٪… يضاف لذلك وفي ظل الفوضى الواسعة التي صاحبت العمليات العسكرية، تعرض أكثر من ١٢٠ فرع من المصارف للنهب والتدمير، بما فيها بنك السودان المركزي، الذي ظل يعاني من شح كبير في النقد، مما دفعه إلى اللجوء لطباعة المزيد من الأوراق النقدية. تضاعفت معدلات الأسعار لكافة السلع والخدمات بأكثر من أربع مرات، نتيجة توقف سلاسل الإمداد، وتبني وزارة المالية الزيادة المستمرة فى الدولار الجمركي إلى أن وصل إلى ٩٥٠ جنيها سودانيا مؤخراً، هذا بجانب الانخفاض المستمر فى قيمة الجنيه السوداني، حيث وصل تداول سعر الدولار بأكثر من ١٣٥٠ جنيه.
وأفاد تقرير اتحاد الغرف الصناعية أن حجم الدمار الذي تعرض له القطاع الصناعي كان كبيرا، وأوضح أن رجال الأعمال الكبار فقدوا جل ممتلكاتهم الصناعية، مما أثر على سلاسل الإمداد الغذائية والدوائية، مما دفع بالارتفاع الكبير في معدلات أسعار السلع والخدمات، يضاف إلى ذلك تأثر قطاعات الصناعة والخدمات بالقصف العشوائي المستمر ليل نهار .. هذا فضلا عن الشح الكبير فى إمدادات المياه والكهرباء في كافة أنحاء السودان.

اتجاه بنك السودان المركزي لإلغاء فئه الألف جنيه رأيك في الخطوة؟

يأتي اتجاه بنك السودان المركزي لإلغاء ورقة فئة ألف جنيه المتداولة الآن في ظل ظروف يعاني منها الاقتصاد ظروف استثنائية، وبسبب آثار الحرب ونهب الكثير من الفئات النقدية من المصارف السودانية، وهذا القرار جاء ليعمل على تجفيف السوق من الفئات النقدية الأكثر تداولاً وفي الظن أن إلغاء الألف جنيه الجديدة يعتبر شيء طبيعي، يعكس حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في السودان، حيث يعيش السودان في هذه الفترة حالة اللا دولة، التي ساهمت في تعطيل مؤسسات الإيرادات للحكومة، والقطاع الخارجي، في ظل ظروف تشهد تراجعا مستمرا في نمو القطاعات الحقيقية للإنتاج سواء الزراعي أو الصناعي.
عليه فإن أثر إلغاء فئة ألف جنيه سوداني الجديدة يتمثل في خفض حجم الكتلة النقدية وخفض في عرض النقود، مما يؤدي إلى تقليل معدلات التضخم ومن ثم الانخفاض في المستوى العام للأسعار.
وقد يؤثر إيجاباً في سعر الصرف للجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية.

Exit mobile version