رأي

الحوار الشامل بين السودانيين: ما الذي يعطله؟

د. حسن سعيد المجمر

المنطق يحتم على السودانيين باختلاف انتماءاتهم العرقية والجهوية وبصفة خاصة النخب السياسية والأكاديمية منهم أن يتدبروا أمرهم جيداً ويبحثوا في كيفية معالجة إشكالية تحويل سمات العلاقات الإنسانية والتسامح الاجتماعي التي توارثوها أبا عن جد إلى الفضاء السياسي الملبد بالغيوم الجافلة التي تحجب الشمس برهة ثم تغادر لتصب أمطارها بعيداً حيث ينبت الزرع ويدر الضرع فلا يصيبهم منها إلا السيل الجارف.

لقد كشفت هذه الحرب ستر عورات ما كان لها أن تبين في بلدنا الغني بتنوعه وثرواته والآمال المشتركة بين شعوبه وحكمة كباره الذين تهدموا كأشجار النخيل العتيقة فاضحت بعدهم الأرض بورا.

السودانيون الآن بأمس الحاجة إلى إغلاق باب ديارهم عليهم واستدعاء قيمهم السمحة المتمثلة في الوطنية النبيلة والشجاعة والكرم والعفو والتسامي فوق الجراح ونبذ الفرقة والعصبية قبل أن يدلهم الناس على الحوار بين بعضهم البعض.

فاليوم لا عاصم لأحد من الجنينة إلى كسلا ومن وادي حلفا إلى كادقلي، من كارثة شاملة، بسبب تمنع الأخ عن قبول أخيه الآخر. وعليه لابد من الدعوة إلى وطن يسع الجميع دون تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا، أو غير سياسي، أو الأصل القومي، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.

فالمتابع للخطاب العام خاصة النخب السياسية في بلادنا يجد الأعلى صوتا منهم ينكرون بلا مواربة الحدود الدنيا والأساسية لقيم حقوق الإنسان والحريات العامة ومنع التمييز والديمقراطية والحكم الرشيد والمساءلة وسيادة القانون التي في ظل احترامها تنهض الدول وتتمتع الأمم والشعوب بكرامتها الإنسانية.

بل ويستدعي هؤلاء نعرات الخلافات السياسية والثقافية التي مزقت السلام الاجتماعي بين الطوائف والقبائل في دول عديدة في المنطقة وحول العالم ليضع بذرتها على جراح السودان النازفة، ظنا منه أنه بفعلته هذه قد يكسب جولة ضد مخالفيه تنقله إلى كرسي الحكم، ناسيا أن عامة السودانيين طوال تاريخهم جبلوا على رفض الخضوع وعلى الدفاع عن حريتهم وموروثاتهم ودينهم التي لا يحول حائل بين سقفها والسماء.

إن الدماء الطاهرة التي روت الأرض في الجزيرة ودارفور والخرطوم وكردفان وغيرها ستزيد هذا الشعب خصوبة ليزرع ويصنع ويتعلم ويبتكر ويقاوم ويتمسك بحقه في مستقبل يحدده أبناؤه.

فالشعب الذي احتمل التهجير القسري ونهب الممتلكات وتمدير البنيات التحتية والنزوح واللجوء والقتل والاحتجاز التعسفي والتعذيب واغتصاب الحرائر وفضل العودة إلى دياره فور إجلاء المتمردين حري به تعلم الدرس وأخذ العبر، إن الأمن من الخوف والإطعام من الجوع ودولة القانون أولويته القصوى، وإن اختيار من يحكمه وشكل نظام الحكم في بالبلاد هو ملكية خالصة له يعبر عنها بإرادة شعبية حرة.

فالسودان وشعبه لم تقده الإمبراطوريات العظمى في زهوها أو يرضخ لقيمها واستعدائها لبيئته الثقافية، فهو سيد نفسه ويعشق الحرية له ولغيره، لا يعتدي على أحد، بل عرف بنجدة أخوته عند الخطوب.

ألم يعبر وردي طيب الله ثراه عن هذه المعاني عندما صدح:

ماكَ هوين سهل قيادك

سّيد نفسك..

مين أسيادك

ديل أولادك

..

يا شعباً لهبك ثوريتك

تلقى مرادك والفى نيتك

وعمق احساسك بي حريتك

يبقى ملامح في ذريتك

ستعود قوافل السلام والتسامح والإنصاف لبلادنا مترعة الجمال.

وسينشد الأطفال في المدارس والشباب في الجامعات نشيد الوطن:

نحن جند الله جند الوطن

إن دعا داعي الفداء لم نخن ….. نتحدى الموت عند المحن

نشتري المجد بأغلى ثمن … هذه الأرض لنا …. فليعش سوداننا علما بين الأمم

نحفظ السودان في هذي القلوب…

نفتديه من شمال أو جنوب….

بالكفاح المُرُّ والعزم المتين…

وقلوب من حديد لا تلين…

نهزم الشرَّ ونجلي الغاصبين…

كنسور الجوّ وأُسد العرين…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى