بقلم: إبراهيم الطيب الجيلاني
من يدعون ( لا للحرب) هل يوافقون علي الحوار (السوداني – السوداني) الذي هدفه الرئيسي وقف الحرب والوصول لتسوية شاملة للأزمة السياسية
أم سيتمترسون خلف الآحادية والإنفرادية التي لن تحل الأزمة السودانية لا في الحاضر ولا المستقبل
(1)
متغيرات عظيمة وتحولات كبرى شهدتها السياسة السودانية وأوضاع متقلبة تكاد تكون من الحالات نادرة الحدوث التي لها شبيهات بالقارة الأفريقية سواء بالجوار الأفريقي أو غرب وشرق ووسط القارة (كلها عانت مثل ما عانى السودان من الخلافات السياسية وعدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة) وما زالت ترزح تحت وطأة عدم استقرار أنظمة الحكم فيها، تظل قضية الاستقرار السياسي مدخل أساسي وحلقة مفصلية لبناء الدولة ورغم إيمان النخبة المثقفة بضرورة وحتمية التوافق علي نظام سياسي مستدام لتحقيق التنمية إلا أنها مازالت تدور منذ ستينات القرن السابق حول خلافات سياسية أقعدت الدولة الأفريقية وجعلتها تصل مراحل متأخرة من الخلاف السياسي أوصلتها إلى نزاعات مسلحة أصبحت لها إمتدادات أثنية واجتماعية الأمر الذي ظل عصياً عليها الخروج منه حتى الآن.
والأمر كذلك يتبادر إلى الذهن أن الحالة السياسية لدول القارة تحتاج لمزيد من الوعي والفعل السياسي للوصول لأوضاع تنعم بها القارة من إجماع وطني علي نظم حاكمة لإدارة الدولة واستقرار سياسي يقودان لما بعدهما من حلقات بناء الدولة، فمتى تستطيع أفريقيا والسودان من ضمنها النهوض من كبوتها السياسية.
(2)
تم طرح العديد من المبادرات السياسية للحوار والاتفاق السياسي خلال كل الحقب السياسية السودانية لكنها لم تفلح في حل الأزمة بالبلاد ولم يستطع السودانيون في تجاوز خلافاتهم السياسية والتوافق علي نظام حكم يساهم في إخراج البلاد من نفق التقلبات ودورات الإنحدار إلى أسفل إلى أفق الاستقرار والحكم وسيادة دولة القانون.
دراما الاختلاف السياسي السودانية مليئة بمشاهد الحزن والبؤس وضيق الأفق السياسي للأحزاب والكيانات مما جعلها من أطول حلقات ومشاهد الصراع السياسي رفضاً وعنفاً وتوحشاً في عدم قبول الآخر والجلوس معه على مائدة واحدة للحوار ولعل من أقل مشاهد الساحة السياسية تصويراً ومشاهدة على الإطلاق وطوال الحقب المختلفة هو مشهد اجتماع فرقاء السياسة السودانية وتحاورهم مع بعضهم البعض للوصول لتسوية سياسية ولعل من أشهر مشاهد اجتماع القادة السياسيون القليلة (مؤتمر المائدة المستديرة).
الحوار السياسي لحقبة مايو مع الأحزاب السياسية، اتفاق التراضي الوطني، اتفاق السلام الشامل الذي أوقف حرب الجنوب أطول حرب أفريقية. والحوار الوطني
أما في إطار التحالفات السياسية فنجد أن السودانيين من أنجح السياسيين في عقد التحالفات التكتيكية ومن أشهرها في الساحة السياسية (اتفاقية كودكام، تحالف جبهة الميثاق، تحالف الجبهة الوطنية، تحالف التجمع الوطني، تحالف أسمرا ، وغيرها) ومن عجائب الحالة السودانية وإثارتها للدهشة أنه رغم استطاعة السودانيين صناعة التحالفات السياسية فيما بينهم إلا أنهم لم يستطيعوا إكمال المشوار السياسي للوصول لتسوية سياسية حيث أصابهم الفشل السحيق تجاه تحقيق الاتفاق السياسي حتي وصمهم دكتور منصور خالد (بالنخبة السودانية وإدمان الفشل) ويمكننا القول إن السياسيين السودانيين ينجحون دائماً في التحالف السياسي وهم بالمعارضة ويفشلون وهم في الحكم والسلطة على الاتفاق السياسي وهذه الجزئية أحسب أنها أحد المعضلات الرئيسة التي تعاني منها السياسة السودانية طوال تاريخها التليد.
(3)
يطرح في الساحة السياسية الآن مبادرة للحوار السوداني السوداني لعل أبرز ما يميزها أنها حوار سوداني خالص من الممكن أن تنجح في إحداث الاختراق المطلوب منها إذا وجدت النية الصادقة والإرادة المخلصة والعزيمة الأكيدة فهي تمثل فرصة حقيقة تأتي بمرحلة مفصلية وتوقيت مناسب للجلوس والخروج باتفاق وتسوية سياسية ترسم ملامح رؤية متفق عليها يلتف حولها الشعب بإجماع وطني صادق فهل يستغل السودانيون الفرصة ويصنعوا مستحيل السياسة السودانية الذي أعجز السابقين والحاضرين بالوصول لاتفاق سياسي يسعد به أهل السودان وتنعم به الأجيال القادمة.
(4)
بقراءة متأنية لبنود الاتفاق والاختلاف بين القوى السياسية نجد أن هناك اتفاق شبه كامل يجمع هذه القوى على معظم مما هو مطروح من بنود للتحاور حولها فهناك إجماع تام على سيادة حكم القانون، ونظام الحكم الديمقراطي، وعدم تدخل الجيش بالسياسة ووقوف القوات المسلحة علي مسافة واحدة من جميع الأحزاب، والانتخابات أساس العملية الديمقراطية لتولي السلطة وخضوع الحكم بالجهاز التنفيذي للسلطة المدنية، والولاية علي المال العام، واعتماد نظام فيدرالي لحكم الولايات، والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء والنيابة، والعلاقات الخارجية المتوازنة التي تبنى على المصالح المتبادلة والتي ترعى مصالح الوطن، والاهتمام بالاقتصاد والصحة والتعليم، والاهتمام بقضايا التنمية كل هذه القضايا وغيرها متفق عليها بصورة كلية أو تفصيلية وهي بتفاصيلها تمثل أغلب بنود الحوار التي يراد الاتفاق حولها.
أما نقاط الخلاف الجوهرية فتتمثل في مكانة الدين بالدولة أو ما أصطلح عليه بعلاقة الدين بالسياسة وقد أدير حوله حوار واسع بمفاوضات السلام الشامل (جدير بالكتابة حوله) وهي كذلك ليست من النقاط المعقدة التي يعجز المتحاورون من التوصل لاتفاق حولها.
تظل القضية الثانية التي تحتاج لجهد من الحوار قضية دستور البلاد وهو ما لم ينجح فيه السودانيون حتى الآن وقضايا الدستور من المسائل الجوهرية والدقيقة التي تحتاج لخبراء ومختصين يعكفوا عليها للخروج بمسودة دستور ينال الرضا ويحظي بالقبول، للسودان في حقبه المختلفة تجارب دستورية (دستوران 1973 و 2005 ووثيقة دستورية 2019 ) إذا عكف عليها المختصون والخبراء يمكن أن يتوصلوا لمسودة دستور ينهي جدلاً عقيماً أقعد السودان طويلاً ..
(5)
من مفارقات السياسة السودانية قدرتها علي جمع الأضداد والمشهد اليوم يجسد ذلك فأعداء الأمس هم رفقاء اليوم وصديق الأمس هو عدو اليوم (والأحزاب التي كانت بالأمس متحالفة اليوم متناحرة ومن كانت متناحرة بالأمس اليوم متحالفة) فلا مستحيل في فضاء السياسة السودانية فهل نشهد واقع جديد يصنعه الساسة بتوقيع تسوية يمهرونها بعرق الكفاح وتعب النضال ونصب المجاهدة ويسقونها رواءً من عظيم التنازلات وجسيم التضحيات لتونق وارفة ظلالها ينعم الشعب بظل استقرارها الظليل وهواء استدامتها البارد ولعمري إذا نجح السودانيون في التوصل لهذه التسوية وفي مثل هذا التوقيت الحساس أنها لمفارقة فارقة تتحدث بها الأجيال.
13/ 5 / 2024م