الحلول الاستراتيجية للتغيرات المناخية

دكتور حسن عيسى الطالب

إثر تشغيل سد الألفية الإثيوبية والذي جرى افتتاحه في التاسع من سبتمبر 2025م،  وبعد الإعلان عن البدء في انتاج 5000 ميقاوات من الكهرباء، جنى السودان ثمرة تقاعسه السيادي والفني والإداري، وفشله في إنتاج حلول عملية، أو تدابير تحوطية، لحماية أرواح وممتلكات مواطنيه، ومكتسباته القومية. وذلك على الرغم من وجود وزارة للري، ظلت تعمل منذ قيام المشروع الذي بدأ العمل فيه منذ عام 2011م وجرى تمويله بمشاركة كل الشعب الإثيوبي وخاصة المغتربين منهم، عبر سندات طويلة الأمد أصدرها البنك المركزي، وساهم فيها الجميع.

فالمسؤولية تقع على الدولة السودانية، لفشلها في اتخاذ أية تدابير فنية، تحد من الآثار السالبة المتوقعة، وأبسطها عبر التنسيق المفترض بين الوزارتين والفنيين في البلدين الجارين، وتنشيط آلية الإنذار المبكر، وتعزيز محطات الرصد الفنية التي ظلت تعمل في قياس المناسيب على النيلين لقرابة 70 عاماً.

وعموماً، فبدلاً من تعظيم الزعيق الإعلامي النابز، والتهريج الدعائي الفاضح، يتعين أن يطّلع مجلس السيادة بهذه المهام القومية، بدلاً من تبديد الوقت والجهد والمال في زيارات ديوانية تفتيشية، ليست من مهامه العليا، في غياب مجلس قومي للرقابة والتشريع، وخلو الدولة من مؤسسات استشارية وخبراتية وفنية قومية لانتاج ودعم وإنفاذ القرار.

فالمتعين اليوم هو إجراء تدابير علاجية اكلينيكية عاجلة، لمجابهة التدهور الفيضي المحدث في الأيام الفائتة، وخاصة من تلقاء تدمير المساكن والزروع المطلة على شواطئ النيل، وعلى الجزر المأهولة والمزروعة.

فالمفترض إعداد برنامج يتضمن تدابير وقتية عاجلة، وخطط قومية استراتيجية طويلة الأمد، يتعين تنفيذها على المستوى الوطني، وعلما بأن السودان لم يتمكن حتى اليوم من استغلال حصته المستحقة بموجب اتفاقية مياه النيل لعام 1959م نظرا لضيق وهشاشة مواعينه التخزينية.

عليه يتعين البدء بإعداد برنامج قومي لتنظيف مجرى النيل ومصارفه التاريخية الطبيعية، من قبل جهات متخصصة؛ ثم العمل على إنشاء قنوات على النيل الأزرق شرقا، والنيل الأبيض غربا، وبسعات تتحمل  الفائض المائي في أوقات الذروة الفيضية، سواء من تلقاء السيول والأمطار أو عبر تزايد المناسيب النيلية المعهودة، وبمراعاة التغيرات المناخية والتقلبات البيئية، واستقراءات الطقس، لسقيا أراضي البطانة، وباديتيَ كردفان ودارفور، وعلى أن يندرج كل ذلك في إطار مشروعات التنمية القومية المستدامة، واستنادا على المصفوفات القومية المتماهية مع برامج الألفية الأممية، التي يمكن أن تحظى بتمويل مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية، بدلاً من الهدر المتواصل والفاضح للموارد والثروة المائية،  والدمار الذي تحدثه في البلاد وعلى العباد، فيفتنون به كل عام أو عامين، دون مساءلة ولا محاسبة من مسؤول ولا رقيب. وينطبق ذلك على فيضانات نهري الرهد والدندر، وخور القاش، وخور أربعات، وخور أبو فارغة، وأودية أزوم وكجا، وأبو حبل وغيرها.

وكانت كافة هذه المطلوبات القومية من مهام وحدة تنفيذ السدود وحتى أبريل 2019م، فأصابها والبلاد ما أصابها من التردي المؤسسي، والتدمير المنهجي للبنية التحتية.

ولذا يتعين تطوير هذه الوحدة وترقيتها لمستوى هيئة قومية استراتيجية فنية وتخصصية، وتحديثها لمواكبة الواقع على الأرض، ومجابهة التحديات المائية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. كما ينبغي إجراء تلكم التدابير والمعالجات ضمن استراتيجية قومية شاملة في مجال حصاد المياه؛ ويتعين تطوير وتعديل وتحديث الاستراتيجية القومية الشاملة التي أعدها خبراء ومختصون مشهود لهم بالدربة والكفاءة إبان نظام الإنقاذ.

هناك دول صديقة للسودان، لديها تجارب فاعلة ومشهودة في هذا المضمار،  وتتمتع بخبرات عملية وتقنية متقدمة، ومنها جنوب أفريقيا والبرازيل والصين، يمكن أن تدعم هذا التوجّه بمشاركة الخبرات الوطنية.

آن الأوان للتفكير خارج الصندوق لإستنتاج حلول للمشاكل القومية التي لا تنتظر التسويف. وعلى وزارة الزراعة والري ابتكار حلول فنية ناجعة وفاعلة لمجابهة الراهن وتخفيف الآثار السلبية، كما عليها أن تراعي التغيرات المناخية، والحالة السودانية، والمصالح الحياتية والمعيشية للمواطنين على المدى المنظور.

ويتعين إنشاء مراكز للبحوث والتطوير والدراسات لإنجاح هذه المشاريع في مجال التغير المناخي، ورصد وتتبع آثار سد النهضة، وأن تُحشد فيها الخبرات الوطنية التراكمية والتخصصية الضرورية، والعمل بأفضل الممارسات العالمية المستفادة في هذا المضمار.

Exit mobile version