تقارير

الحكومة الموازية.. سقوط الأقنعة 

 

الأحداث – وكالات

في ظل الأوضاع السياسية غير المستقرة التي تشهدها بعض الدول، برزت ظاهرة الحكومات الموازية كأحد الأدوات التي تلجأ إليها القوى المعارضة في محاولة منها لفرض واقع سياسي جديد، خاصة بعد توقيع اتفاقيات يُنظر إليها على أنها غير عادلة أو غير ممثلة لكافة الأطراف. لكن يبقى التساؤل الجوهري: هل هذه الكيانات البديلة تُشكل (حكومات منفى) ذات طابع نضالي واستراتيجي مشروع؟ أم أنها ليست سوى (حكومات نفايات)، لا تتجاوز كونها ظاهرة صوتية تفتقر إلى الشرعية والفعالية، وتسهم فقط في إطالة أمد الأزمات وتعقيد المشهد السياسي؟

بين الشرعية والعبث السياسي:

تنشأ الحكومات الموازية في العادة تحت ظروف محددة، أبرزها حكومة منفى شرعية: وتظهر عندما يتم إسقاط نظام سياسي بالقوة، سواء عبر انقلاب عسكري أو احتلال أجنبي، فيضطر قادته إلى اللجوء إلى الخارج وتشكيل حكومة بديلة لمواصلة العمل السياسي والدبلوماسي، كما حدث مع حكومة (فرنسا الحرة) التي قادها الجنرال شارل ديغول من لندن أثناء الاحتلال النازي لفرنسا.

حكومة داخلية موازية:

وتحدث هذه الحالة عندما تعلن جهة معارضة، دون أن تكون قد أُطيح بها بشكل كامل، عن تشكيل حكومة بديلة رغم استمرار الحكومة الرسمية في أداء مهامها, وهذا ما شهدته فنزويلا عندما أعلن زعيم المعارضة خوان غوايدو نفسه رئيسًا مؤقتًا في مواجهة الرئيس نيكولاس مادورو، بدعم بعض القوى الخارجية, أما في الدول التي تعاني من صراعات مسلحة وانقسامات سياسية عميقة، فإن إعلان حكومة موازية بعد توقيع اتفاق سياسي عادةً ما يكون مجرد خطوة رمزية تفتقر إلى الآليات الحقيقية للنجاح، بل قد تتحول إلى عبء على القوى التي تدعمها، خاصة إذا لم تحظَ باعتراف دولي، أو لم تكن قادرة على فرض سلطتها فعليًا داخل البلاد

الدعم السريع وإعلان حكومة موازية:

في السودان، دخلت الأزمة السياسية والعسكرية منعطفًا جديدًا بعد وصول قيادة مليشيا الدعم السريع المتمردة إلى كينيا في زيارة تسعى من خلالها إلى اكتساب اعتراف دبلوماسي بكيانه المتمرد, وتزامن ذلك مع تصريحات أطلقها الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة السابق، وآخرون، عبّروا فيها عن دعم فكرة تشكيل حكومة انتقالية موازية ، بحجة أن السودان بحاجة إلى قيادة مختلفة عقب الحرب الدائرة, لكن النظر بواقعية إلى المشهد السوداني يكشف أن مليشيا الدعم السريع، التي هزمت وتواجه التلاشيئ الآن والتي تظن مع بعض شرازم المعارضة البائسة انها بتوقيع ميثاق وتكوين حكومة موازية خارج السودان ستصل الى مبتغاها عبر الحصول على مساندة بعض الدول والمنظمات الاقليمية، الأ انها تجهل الحقيقة التي ستصدمها وهي ان طبيعة الشعب السوداني والفظائع المأساوية التي لن تمنحي من ذاكرة الشعب تجعل كل محاولات المليشيا ومن ساندها تحصد الفشل الذريع لان الشعب السوداني لن يقبل بوجود هؤلاء في السودان مرة اخرى.. كما أن أي حكومة موازية يتم تشكيلها دون توافق وطني، ستكون مجرد كيان بلا سلطة فعلية، يُستخدم في التفاوض السياسي أكثر من كونه خيارًا حقيقيًا لإدارة الدولة.

مخاطر هذا التوجه:

قد يُكرّس مزيدًا من الانقسامات داخل السودان، مما يزيد من تعقيد فرص الحل السلمي

يمكن أن يُستخدم كأداة لتعطيل المسار السياسي، وإعاقة جهود التسوية, ويُعطي مبررًا للتدخلات الإقليمية والدولية، مما يجعل السودان ساحة صراع لأجندات خارجية.

بين الحل وتعقيد الأزمة:

في الدول التي تشهد صراعات سياسية أو عسكرية طويلة، يُنظر إلى الحكومات الموازية إما كوسيلة للضغط السياسي أو كمشروع بديل للحكم، لكن التجارب أثبتت أن هذه الكيانات غالبًا ما تكون بلا تأثير فعلي للأسباب التالية:

غياب الإعتراف الدولي: الحكومات البديلة التي لا تحصل على اعتراف رسمي من القوى الدولية المؤثرة تظل مجرد هياكل فارغة غير قادرة على العمل بفعالية

افتقارها للسيطرة على الأرض: فالحكومة الحقيقية ليست مجرد إعلان سياسي، بل هي قدرة فعلية على إدارة شؤون البلاد.

إضعاف مؤسسات الدولة: بدلًا من بناء معارضة قوية تُصلح النظام السياسي، قد تساهم الحكومات الموازية في تفتيت الدولة نفسها.

البدائل الحقيقية للحكومات الموازية:

كان على الاجسام المعارضة ان تعمل بعيدا عن المليشيا وتسرع للإعتراف بقومية الجيش السوداني وان تعلن توبتها ومن ثم رغبتها في المشاركة السياسية مستقبلا في إطار تفاوضي واضح، لتحقيق مكاسب سياسية حقيقية بدلًا من المناورات التي قد تفقدهم المصداقية

تقديم رؤية انتقالية واقعية تُعزز الاستقرار بدلًا من إغراق البلاد في مزيد من الفوضى

بناء تحالفات سياسية قوية داخل السودان، بدلًا من البحث عن اعتراف خارجي لن يكون ذا جدوى على المدى الطويل.

: الشرعية أم العبث السياسي

الفرق بين (حكومة منفى) و(حكومة نفايات) يكمن في مدى امتلاكها لشرعية حقيقية على الأرض، وقدرتها على إحداث تغيير فعلي. فإذا كانت الحكومة الموازية مجرد كيان ورقي يسعى لتحقيق مكاسب دعائية، دون سلطة فعلية، فإنها لن تكون سوى عبء سياسي جديد يزيد من تعقيد الأزمة.

أما إذا كانت هناك نية جادة لبناء مستقبل السودان، فإن الحل لا يكمن في خلق حكومات متوازية متنافسة، بل في الوصول إلى تفاهمات سياسية واقعية تضمن استقرار البلاد، وتحقيق الانتقال السلمي للسلطة، بعيدًا عن مناورات الشرعية الوهمية، التي غالبًا ما تنتهي إلى الفشل، تاركةً الشعوب تدفع الثمن الأكبر.

 

نقلا عن “أصداء سودانية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى