الجمعية العامة للأمم المتحدة.. بيت الخطابة منزوعة الفعل والتأثير

مأمون عثمان
منذ تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945 بانضمام 51 عضوا أصيلا إليها، فقد ازدادت عضويتها منذ ذلك الوقت إلى 193 عضوا كما يمكن لزعيمي دولتين من غير الأعضاء لهما صفة مراقب للتحدث أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية وهما من المعروفين في الأمم المتحدة باسم الكرسي الرسولي (الفاتيكان) ودولة فلسطين، وعضو مراقب، وهو الاتحاد الأوروبي بصفته الجماعية وليس بصفة الفردية التي تتمتع بها دول الاتحاد منفردة، فيمكن لمن يمثل الاتحاد الأوربي التحدث أيضا ، ويجري سباق محموم على تعيين أمين عام جديد للأمم المتحدة في العام المقبل ، حيث ستختار الأمم المتحدة أمينا عاما جديدا ، خلفا لأنطونيو جوتيريش الذي سينهي فترة ولايته الثانية ومدتها خمس سنوات في 31 ديسمبر 2026 ، ومن المرجح أن يكون هناك أحاديث على هامش الجمعية العامة الأسبوع المقبل حول من يمكن أن يكون مرشحا ليحل محله ، ويتعين على مجلس الأمن المكون من 15 عضوا الاتفاق على مرشح لتوصية الجمعية العامة لانتخابه، وهو ما يعني أن على الدول الخمس التي تتمتع بحق النقض في المجلس وهي الولايات المتحدة و بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا أن توافق على المرشح الجديد.
(1)
شرف الكلام
وفي السياق فقد جرت العادة أن تكون البرازيل دائما أول دولة تمنح الإذن للتحدث ويرجع سبب هذا التقليد بحسب مسؤولين في الأمم المتحدة، إلى أنه في السنوات الأولى من عمر المنظمة الدولية تقدمت البرازيل للتحدث أولا عندما كانت الدول الأخرى مترددة في القيام بذلك وتعتذر عن التحدث أولا رغبة في قراءة مواقف الدول من الأحداث التي يشهدها العالم عقب الحرب العالمية الثانية وتشكيل عصبة الأمم مع بروز التكتلات السياسية بحثا عن المصالح، لتتقدم البرازيل إلى منصة الخطابة الدولية كأول المتحدثين ، وباعتبارها الدولة المضيفة لمقر الأمم المتحدة في نيويورك، فإن الولايات المتحدة هي الدولة الثانية التي تلقي كلمتها في الجمعية العامة، ومن ثم توضع القائمة بعد ذلك على أساس التسلسل الهرمي وأسبقية الحضور إلى مقر الأمم المتحدة من الوفود القادمة، ومن الناحية البروتوكولية، يتحدث رؤساء الدول أولا، يليهم نواب رؤساء الدول وأولياء العهود، ثم رؤساء الحكومات، فالوزراء ورؤساء الوفود الأقل رتبة.
(2)
ما الوقت المتاح للحديث؟
ويطلب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو من يرأس الجلسة، من القادة الالتزام بوقت محدد طوعي مدته 15 دقيقة، ووفقا لسجلات الأمم المتحدة، فإن أحد أطول الخطابات التي ألقيت خلال افتتاح الجمعية العامة كان في عام 1960 للزعيم الكوبي فيدل كاسترو الذي تحدث لأربع ساعات ونصف الساعة تقريبا، وتحدث الزعيم الليبي معمر القذافي لأكثر من ساعة ونصف الساعة وكان ذلك في العام 2009.
(3)
عن ماذا سيتحدثون؟
درجت العادة أن تكون لكل بداية جلسة من جلسات الجمعية العامة موضوع محدد تخطر بها الوفود القادمة للمشاركة، وقد يتحدث القادة بإيجاز عن الموضوع المحدد قبل الانتقال إلى أي مسألة أخرى من اختيارهم وقضايا بلدانهم، أو من ضمن القضايا الإقليمية أو الدولية، وقد سمت الأمم المتحدة موضوع هذا العام تحت عنوان “معا أفضل: 80 عاماً وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان”.، وتشمل المواضيع الأخرى التي من المرجح أن يتناولها القادة الموضوعات والقضايا التي تشكل هما عالميا ، وفي مقدمتها القضايا المهددة للسلم والأمن العالمي كالحروب وإفرازاتها ، كالحرب على غزة والحرب في السودان ، والحرب الروسية الأوكرانية ، وقضايا المرأة وحقوق الانسان ،وكما هو متوقع فإن قضايا التغيرات المناخية وقضايا التنمية الاقتصادية وقضايا الفقر والجوع ستكون حاضرة كما هو الحال في كل عام.
(4)
العدوان الإسرائيلي على غزة
يجتمع زعماء الكرة الأرضية مع اقتراب العدوان الإسرائيلي على غزة من إكمال عامه الثاني، مع تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع الفلسطيني، حيث ظلت منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها تحذر من أن مجاعة تتكشف مرجحة انتشارها بحلول نهاية الشهر كما أشار لذلك مرصد عالمي لمراقبة الجوع، ومن المقرر أن يلقي رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابا أمام الجمعية العامة، وقد وشنت إسرائيل هجوما بريا على مدينة غزة يوم الثلاثاء الماضي ، و كانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة توقيف بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، وهو ما تنفيه إسرائيل ، ولن يحضر الرئيس الفلسطيني محمود عباس شخصيا، بعد رفضت الولايات المتحدة، الحليف القوي لإسرائيل، منحه تأشيرة دخول، ومن المرجح أن يظهر عبر دائرة الفيديو.
(5)
حرب السودان
ومن المرجح أن يناقش بعض القادة الأسبوع المقبل على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، الحرب الدائرة في السودان منذ عامين ونصف العام، والتي تسببت في خلق ما تسميه الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم، مع تفشي المجاعة في عدد من المناطق بالبلاد ومنها مدينة الفاشر التي تضم عددا من معسكرات النزوح التي تديرها المنظمة الدولية نفسها ومنها معسكرات ، زمزم ، أبوشوك ، السلام ، ونيفاشا ، وتقع جميعها في محيط مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور ، وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر القرار 2736 دعا فيه قوات مليشيا الدعم السريع لفك الحصار عن مدينة الفاشر ، لكن قوات المليشيا لم تستجب ليستمر الحاصر لأكثر من عام على الرغم من أن جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة قانونا بخلاف قرارات الجمعية العام للأمم المتحدة التي لا تتعدى أن تمثل ضغطا سياسيا وأخلاقيا، وكانت كل من الولايات المتحدة و الإمارات والسعودية ومصر ، قد دعت في بيان أصدرته فيما أصطلح عليه ب(بيان الرباعية الدولية) في 13 من سبتمبر الجاري ، إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر يعقبها وقف دائم لإطلاق النار، وإلى استبعاد بعض القوى السودانية من مستقبل العمل السياسي في السودان ، وعلى الرغم مما يعتقد أن تلك الدول الأربع الأكثر تأثيرا على الطرفين المتحاربين ، إلا أن بيان الرباعية الدولية قوبل بموجة رفض قوية من القوى السودانية المدنية والسياسية والعسكرية ، وعدوا البيان تدخلا فاضحا في الشأن السوداني وتحولا من خانة الوساطة في الملف إلى خانة التدخل المباشر والسافر في الشأن السوداني.
(6)
الحرب الروسية الأوكرانية
ويتوقع أن يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى حشد الدعم العالمي لكييف في كلمته أمام الجمعية العامة، في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوسط لإنهاء حرب مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات بدأت بعد غزو روسيا لجارتها، وقد أثرت هذه الحرب على العالم أجمع خاصة فيما يتعلق بدعم الاقتصاد العالمي المنكمش، بسلاسل الانتاج الزراعي خاصة لسلعة القمح الروسي والأوكراني، ويتوقع أن يلقي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف كلمة أمام الجمعية العامة يوم الأربعاء المقبل ، ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا رفيع المستوى بشأن أوكرانيا الأسبوع المقبل وستتجه الأنظار إلى ما ستعلنه الولايات المتحدة في مجلس الأمن وخلال خطاب ترامب أمام الجمعية العامة لمعرفة ما إذا كانت واشنطن ستعلن عن أي إجراءات، مثل سلاح العقوبات، لمحاولة دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتفاوض مع زيلينسكي.
(7)
إيران والبرنامج النووي
الملف الإيراني سيكون حاضرا ردهات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتتجه توقعات لخبراء، أن اللحظة الأخيرة في نيويورك بشأن البرنامج النووي الإيراني ستركز على سعي طهران إلى تجنب إعادة فرض عقوبات عليها من مجلس الأمن عليها في 28 سبتمبر المقبل، ومن المتوقع أن يتوجه كل من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي إلى الأمم المتحدة.
(8)
الملف السوري
وسيشارك الرئيس السوري أحمد الشرع لأول مرة هذا العام في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد قادت هيئة تحرير الشام التي كان يتزعمها الهجوم الخاطف الذي أطاح بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي، منهيا حربا أهلية دامت 13 عاما ولا تزال هيئة تحرير الشام والشرع يخضعان لعقوبات الأمم المتحدة، لكن الولايات المتحدة منحت تأشيرة من أجل زيارة نيويورك في الفترة من 21 إلى 25 سبتمبر للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وسيكون الاهتمام بالملف السوري حاضرا في أروقة المنظمة الدولية لمنح هذا البلد فرصة للاستقرار.
(9)
التغيرات المناخية
ففي الوقت الذي يكافح فيه العالم للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، من المتوقع أن يحث قادة الدول التي تقع في الجزر الصغيرة والدول الأخرى الأكثر تضررا من التغيرات المناخية على التحرك مرة أخرى، للتقليل من تأثير الاحتباس الحراري حث الدول الصناعية بدعم اتفاقية باريس للمناخ.
(10)
دعم النساء
وقبل يوم واحد من انطلاق الخطابات في منصة الجمعية العامة، سيجتمع القادة يوم الاثنين للاحتفال بالذكرى الثلاثين للمؤتمر التاريخي لحقوق المرأة ، وقد اشتهر مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي عقد في بكين عام 1995، بصياغة عبارة “حقوق المرأة هي حقوق الإنسان”، وفي حين أن موضوع اجتماع يوم الاثنين هو لا يتعدى تجديد الالتزام بالإعلان المتفق عليه في منذ العام 1995، وتوفير الموارد اللازمة له وتسريع تنفيذه، فمن المرجح أن يتناول القادة عدم القدرة على إحراز تقدم في ظل تزايد الهجمات على حقوق النساء في عالم اليوم ، وكانت 189 دولة وقد وقعت في مؤتمر بكين على وثيقة تدعو إلى “المشاركة الكاملة والمتساوية للمرأة في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
وينظر إلى أن خطابات قادة وزعماء العالم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ،على أنها لا تعدو أن تمثل أبرز المنصات الدبلوماسية، تأثير مباشر محدود أو غير مباشر ، فمن ناحية التأثير السياسي والدبلوماسي تحديد المواقف الرسمية ، حيث يعلن القادة مواقف دولهم من القضايا الدولية مثل النزاعات، الحروب، التغير المناخي، الأمن، الفقر ، وبناء التحالفات أو فضها ، وأحيانا تستخدم الدول الخطاب لتوجيه رسائل دعم أو انتقاد لدول أخرى، ما يؤثر في التحالفات القائمة أو إنشاء تحالفات جديدة ، كم أنها تثمل فرصة لتقديم مبادرات دولية مثل دعوات للسلام، إطلاق شراكات، أو مبادرات أممية ، كما أن البعض يتجه إلى أن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لها تأثير الإعلامي والشعبي فهي تمثل توجيا للرأي العام العالمي من خلال متابعة الخطابات من قبل ملايين حول العالم، ويمكن أن تغير الانطباعات حول الدول أو الزعماء ، كما يعتقد أن الخطابات من خلال المنصة الأممية ، يمكن أن تحدث تصعيد أو تهدئة لأزمات بعينها، مثل خطاب هجومي قد يؤجج نزاعا، أو خطاب تصالحي قد يفتح بابا للتفاوض.
فيما يرى خبراء الأمم المتحدة، أن أعمال الجمعية العامة تمثل توثيقا للمواقف في أرشيف الأمم المتحدة، حيث تمثل الخطابات كمرجع دبلوماسي يعكس نية الدول وسياستها الخارجية، بينما تستخدمها المحاكم والهيئات الدولية في بعض الأحيان مستندا لها في تقارير حقوق الإنسان أو النزاعات القانونية على المستوى الدولي ،ولكن البعض يرى محدودية تأثير خطابات وأنشطة الجمعية العام للأمم المتحدة ، انطلاقا من معطيين أساسيين ، المعطي الأول يتمثل في أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة وفقا للمادتين 10 و14 من ميثاق المنظمة الدولية ، والمعطى الثاني تتمثل في اختلال موازين العدالة الدولية القائم على منح الخمس الكبار حق النقض الفيتو دون غيرهم ، مع عدم رغبة الدول العظمى في السماح بانتهاج الإصلاح المؤسسي لأجهزة المنظمة الدولية ومعالجة الخلل البنيوي لعصبة الأمم ، وحتى يتم ذلك ستبقى أجهزة الأمم المتحدة ، بما فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة معطوبة عن الفعل والتأثير على المستوى الدولي.



