رأي

التصعيد وتمهيد الطريق إلى جدة

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن اختيار أماكن معارك الدفاع للمليشيا داخل السودان لا تتم وفقاً لخطط تضعها المليشيا في الداخل ولكنها مطلوبات الخارج، أي الدول التي تدعم المليشيا في اعتقاد أن هزيمة الجيش أصبحت خارج المطلوبات، وأصبح الهدف المطلوب هو إنقاذ ماتبقى من عناصر المليشيا من خلال عملية تسوية سياسية في منبر جدة أو أي منابر أخرى، لكي تعيد الأجندة القديمة.. وهؤلاء يعتقدون أن التسوية السياسية سوف تسقط دعوة السودان ضد الدول التي شاركت المليشيا في حربها، وهي مسؤولة عن التخريب الذي دمر البنيات الأساسية في البلاد، ومؤسسات الدولة والمصانع والمشاريع الزراعية، إلى جانب ما تعرض إليه المواطنون في أغلبية أقاليم السودان، من إبادة وتهجير وانتهاكات أعراض ونهب وسرقة وغيرها.. إن هزيمة المليشيا تعني ذهاب السودان بملفات الحرب إلى المحكمة الدولية لكي تدفع تلك الدول التي شاركت المليشيا تكاليف إعادة البناء.

حركة المليشيا داخل قرى ولاية الجزيرة، وأيضاً محاولات المليشيا إلى دخول ولاية سنار ومدينة سنجة الهدف منها إقناع المجتمع الدولي أن الكفة العسكرية متعادلة، وأن المليشيا ماتزال تحتفظ بقوتها التي تجعلها قادرة على تهديد ولايات أخرى والسيطرة عليها.

تصريحات القيادات العسكرية في الجيش بأن النصر أصبح قاب قوسين أو أدنى ما هي إلا أمنيات لا تسندها الأفعال على الأرض، واستمرار الحرب تعني مزيداً من فقدان الأرواح والممتلكات وربما تؤثر على السلم العالمي.. هذه الرؤية هي التي تبني عليها الإمارات وتسندها بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى جانب بريطانيا وأمريكا، وهي مؤثرة على الاتحاد الأفريقي والإيقاد.

إن دولة الإمارات تنشط الآن بقوة لكي تنفي التهمة التي وجهها السودان لها من خلال مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، وحاولت بريطانيا تكراراً عرقلتها.. عندما فشلت الإمارات تعطيل شكوى السودان في الأمم المتحدة، تحاول الآن من خلال أدواتها أن تصعد المليشيا حربها ضد المجتمع في السودان، وطالبتها أن تنقل المعارك إلى مناطق جديدة تنعم بالأمن، لكي تمارس بها الإمارات الضغط على الجيش لكي يقبل مشروع التسوية الساعي إليه المبعوث الأمريكي توم بيرييلو، والاتحاد الأفريقي، وأيضاً مجلس الأمن من خلال المبعوثين الدوليين. معلوم أن الأمارات جندت عددا من الإعلاميين السودانيين وغيرهم من جنسيات أخرى، إلى جانب عدد من المثقفين السودانيين في مناطق مختلفة في دول العالم، وخاصة الدول الأوروبية وأمريكا وغيرها من الدول الأخرى، و هؤلاء مناط بهم تضخيم المعلومة، وأن يظهروا للناس أن أيادي المليشيا قادرة على أن تطال أي مكان في السودان.

وفي جانب آخر؛ بدأت الإمارات توظيف عدد من السودانيين في مناطق مختلفة أن ينفوا اتهام السودان ضد الإمارات، وبدأت ذلك بعبد الله حمدوك المتواجد في أراضيها أن يخرج منه التصريح الأول لذلك أجرت معه جريدة “فينانشيل الإمارتية” التي تصدر باللغة الإنجليزية نفى حمدوك التقارير التي تتحدث عن أن الأمارات تلعب دوراً داعماً للمليشيا.. رغم أن التقارير خرجت من فريق مكلف من قبل الأمم المتحدة لكتابة تقرير عن الحرب الجارية في السودان أكد فيها أن الإمارات تدعم المليشيا، وأيضاً تقارير لعدد من الصحف والمجلات الأمريكية والأوروبية، وحتى الجامعات التي تستخدم الأقمار الصناعية قد تحدثت عن دور الإمارات في الحرب. حمدوك أصبح أداة طيعة في يد الإمارات توظفها كما تشاء دون أي حياء، وأصبح هناك العديد من المثقفين السودانيين الذين أصبحوا جزء من الحملة التي تريد الإمارات أن تنفي بها التهمة عنها. لكن من هم الذين يريد هؤلاء إقناعهم، هل يريدون إقناع الشعب السوداني الذي يقف مع الجيش وله قناعة راسخة لموقف الإمارت في الحرب، أم يريدون إقناع الاتحاد الأوروبي وأمريكا وغيرها من دول العالم التي تملك اقماراً صناعية وترصد كل الحركة في الفضاء.. إن نفي حمدوك لدور الإمارات الداعم للمليشيا بالإمداد العسكري والتشوين يؤكد أن الحرب على السودان وعلى الجيش هي معركة أعدت لها الإمارات من وقت طويل واستطاعت أن تجند لها رؤساء دول وعاملين في المنظمات والغريب في الأمر عناصر سودانية من سياسيين وإعلاميين و غيرهم..

إن دور العامل الخارجي في السودان كبير، هناك دول تدعم المليشيا بالسلاح والعتاد والتشوين والمرتزق وغيرها، وهناك أيضاً دول تحاول أن تمارس عمليات ضغط من أجل أن يكون هناك تفاوض بهدف الوصول لتسوية تعيد القضية لما قبل 15 أبريل 2023م، وإعادة المليشيا لكي تلعب دورها السابق، وتؤجل الحرب لفترة زمنية أخرى.. إن الإمارات وأيضاً الدول التي تقف وراءها تعلم أن انتصار القوات المسلحة على المليشيا تعني كشف كل أوراق المؤامرة والمشاركين فيها من عناصر داخلية وخارجية.. وكان قد اتضح دور اللاعبين الخارجيين في القضية السودانية منذ أن سارعت بريطانيا بتقديم المذكرة التي توافق على سحب البعثة الأممية من السودان، على شرط أن لا تكشف عن بنود الصرف المالي للبعثة، وهذه لابد لأي حكومة سودانية في المستقبل أن تطالب بكشف بنود صرف البعثة الأممية التي كان يرأسها فوكلر، لأنها سوف تكشف الدعم الذي قدم لمراكز إعلامية وصحف ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية وأحزاب و غيرها..

إن حركة المليشيا ومحاولاتها أن تدخل مناطق لم تدخلها من قبل هو الذي تسعى إليه الدول صاحبة المصلحة في حرب السودان، والغريب أن هناك قنوات على أتم الاستعداد أن تنقل الأخبار التي ترسل من قبل المليشيا بسرعة البرق دون أن تسأل عن صحتها، لأن الهدف ليس صحة الخبر أو عدمه، الهدف محاولة تحطيم الروح المعنوية للشعب السوداني، وفقد الثقة بين الشعب والجيش وبالتالي شن هجوم من قبل الشعب على الجيش بهدف فك الارتباط بينهما.. لكن الشعب الذي يقاتل مع الجيش من خلال المستنفرين والمقاومة الشعبية كتفاً بكتف مع الجيش أصبح واعياً لكل مخططات الدول والسياسيين التي تتأمر على البلاد، وليس بعد الوعي تذكير يمكن أن يقال.. نسأل الله التوفيق وحسن البصيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى