فيما أرى
عادل الباز
مقدمة
كتبت هذا المقال في مايو ٢٠١٩ وأعيد نشره بمناسة ندوة طيبة برس حول خطاب الكراهية…لعلنا نتعلم من تجاربنا.
في المقال الأول تساءلت من… أين جاءت فكرة أبلسة الخصوم.؟ هل أنتجتها أزمنة الديكتاتوريات المتطاولة التي سدت أفق الحرية فأخرجت من الناس أسوأ ما فيهم؟ ولكن أزمنة الديمقراطية أو الديمقراطيات التي مرت بنا كانت شهدت أسوأ بل أقذر حالات أبلسة الفجور فى الخصومة.
السؤال الذي نحن بصدده اليوم هو ماذا يفيد المختلفين سياسياً من أبلسة بعضهم.؟ وإلى أين قادت تلك الأبلسة البلد والعباد وإلى أين ستقودنا الآن؟
2
في خمسينات وستينات القرن الماضي اتهمت القوى التقليدية بالطائفية والرجعية المتخلفة التي تستغل البسطاء بإسم الدين والتاريخ. فأصبحت كلمة رجعي وطائفي تعادل كلمة (كوز) اليوم. فب الستينيات تمت شيطنة الإخوان المسلمون ودمغوا بأنهم يتاجرون بالدين وفي ذات الستينيات دمغ الشيوعيون بالكفر والإلحاد وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى طردهم من البرلمان دون وجه حق وعصفت (القوى الرجعية) وحزب الزعيم الأزهري بالدستور ورفضوا تنفيذ حكم المحكمة العليا التي رفضت حل البرلمان للحزب الشيوعي. لم يلبثوا إلا قليلا حتى عصف بهم الحزب الشيوعي بانقلاب مايو وأبلسهم وسحقهم سحقاً.
هكذا تقود الأبلسة إلى أبلسة مضادة وظلت الساقية مدورة حتى وصلنا إلى ماوصلنا إليه الآن.
3
لقد ثبت تماماً استحالة تطبيق فكرة الاجتثاث تحت لافتة تلك الأبلسة (تمت أبلسة القوى الرجعية طيلة عهد مايو فعادت أكثر قوة ونالت أعلى الأصوات في برلمان 1986.)!.
ياترى ماذا يمكن أن نجني من تلك الفكرة (الأبلسة). لاشيء لاشيء على الإطلاق لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، الأبلسة من شأنها فقط زرع الكراهية في النفوس وإثارة الأحقاد وتدفع المجتمع أن يكون أقل تسامحاً وأكثر ميلاً للعنف، في ظل مناخ الأبلسة يكون الوطن معبأ ببارود من الثأرات وتنتظر فقط عود الثقاب. في ظل ذلك المناخ تنتفي قيم التسامح والإخوة وتطل أشباح الكراهية التي لا تلبث أن تنتشر كما تنتشر النار في الهشيم. ومن عجب أننا ما تعلمنا من تجاربنا شيئاً.. نفس شعارات الأبلسة نرتديها في كل منعطف ونخرج بها لتعصف بأي إنجاز يمكن أن نحققه في تاريخنا ولبلادنا.