د . طارق عشيرى
تمرّ ولاية الخرطوم بمرحلة دقيقة وحسّاسة من تاريخها، تتشابك فيها التحديات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وتبرز فيها آثار التفكك الاجتماعي وضعف الروابط بين أفراد المجتمع نتيجة للظروف الاستثنائية التي تمر بها الولاية. وفي ظل هذه الأوضاع، تزداد الحاجة إلى الدعوة بوصفها أداة إصلاح وبناء، تسهم في إعادة توجيه المجتمع نحو قيم التراحم والتكافل والوحدة.
وتكتسب الدعوة في هذه المرحلة أهمية خاصة؛ لما تحمله من قدرة على ترسيخ معاني الصبر، والتعايش السلمي، ونبذ العنف والكراهية، إضافة إلى دورها في إصلاح ذات البين، واحتواء الأزمات النفسية والاجتماعية، وبث روح الأمل والمسؤولية الجماعية. كما تمثل الدعوة منبراً لتوعية المجتمع، خاصة الشباب، بخطورة الانقسام وآثاره، والدفع بهم نحو الإسهام الإيجابي في إعادة بناء النسيج الاجتماعي لولاية الخرطوم.
وإذ تُستثمر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فإنها قادرة على أن تكون ركيزة أساسية في تجاوز هذه المرحلة، وبناء مجتمع متماسك، متعاون، وآمن، يستند إلى القيم الدينية والأخلاقية التي تحفظ للإنسان كرامته، وللمجتمع استقراره.
ولفهم تحديات الدعوة في ولاية الخرطوم، من المهم النظر إلى (السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي للولاية)، كونها( عاصمة السودان وأكبر ولاياته). يمكن تقسيم هذه التحديات إلى عدة محاور رئيسية:
اولا . التحديات الاجتماعية والثقافية
التنوع الثقافي واللغوي: الخرطوم تجمع بين سكان من مختلف الولايات والمناطق، وهذا التنوع يجعل هناك اختلافات في العادات والتقاليد والفهم الديني. الدعوة تحتاج لتكييف أسلوبها وفق الخلفيات المختلفة.
ضعف الوعي الديني: بعض الفئات خصوصًا الشباب قد يكون لديهم اهتمام محدود بالقضايا الدينية، أو قد يتأثرون بثقافات الغرب أو الإنترنت، ما يجعل وصول الرسالة صعبًا.
العادات والتقاليد المتأصلة: بعض العادات الاجتماعية قد تتعارض مع القيم الإسلامية، مثل الاحتفال ببعض المناسبات غير الدينية، أو ممارسة تقاليد قديمة يصعب تغييرها.
ثانيا. التحديات الاقتصادية
الفقر والبطالة: جزء كبير من السكان يعانون من ضغوط اقتصادية، ما يجعل التركيز على الدعوة الدينية أقل أولوية، حيث يكون الاهتمام الأكبر بالمعيشة والعمل.
قلة الموارد للمؤسسات الدعوية: كثير من المساجد والجمعيات الداعية تواجه صعوبة في تمويل نشاطاتها وفعالياتها التوعوية.
ثالثا. التحديات السياسية والأمنية
الاضطرابات السياسية: السودان، بما فيها الخرطوم، تشهد أحيانًا توترات سياسية وأمنية، وهذا يؤثر على حرية التنقل والأنشطة الدعوية.
قوانين تنظيم الجمعيات والأنشطة: بعض القوانين واللوائح قد تقيد عمل الجمعيات أو النشاطات الدعوية، خصوصًا في الأماكن العامة.
رابعا. التحديات الإعلامية والتكنولوجية
سيطرة الإعلام غير الديني: وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تنقل رسائل مختلفة قد تتعارض مع الدعوة، مما يتطلب استخدام أساليب حديثة للوصول للجمهور.
التحدي الرقمي: هناك حاجة لتوظيف المنصات الرقمية بطريقة جذابة وفعالة، خصوصًا للوصول للشباب.
خامسا . التحديات التنظيمية
قلة التدريب المتخصص: كثير من الدعاة لا يحصلون على تدريب كافٍ في أساليب الدعوة الحديثة والتواصل مع الشباب والفئات المختلفة.
سادسا الافتقار للتنسيق: تشتت الجهود بين الجمعيات والمساجد يؤدي إلى ضعف التأثير العام للدعوة.
بالطبع! دعنا نحلل الأهمية الاستراتيجية للدعوة في ولاية الخرطوم بشكل واضح ومنظم:
1. الموقع الجغرافي والسياسي
ولاية الخرطوم تضم عاصمة السودان (الخرطوم)، وهي المركز السياسي والإداري للبلاد.
وجود المؤسسات الحكومية والمراكز الإعلامية فيها يجعل الدعوة أكثر تأثيرًا على صُناع القرار والجمهور العام.
كونها ملتقى النيلين (النيل الأبيض والنيل الأزرق) يجعلها مركزًا حيويًا اقتصاديًا واستراتيجيًا، وبالتالي أي عمل دعوي فيها يصل سريعًا إلى مناطق أخرى.
2. التركيبة السكانية
ولاية الخرطوم مكتظة بالسكان وتضم تنوعًا كبيرًا من الأعمار والثقافات والخلفيات الاجتماعية.
هذا التنوع يمنح الدعاة القدرة على الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع، سواء في المدارس، الجامعات، أو أماكن العمل.
كما أن كثافة السكان تعني أن أي أثر إيجابي للدعوة يمكن أن ينتشر بسرعة ويصل إلى جمهور واسع.
3. المراكز التعليمية والإعلامية
تحتوي الخرطوم على جامعات ومعاهد تعليمية كبيرة، وعدد كبير من الجامعات الحكوميه والخاصه مما يجعلها مركزًا مهمًا لنشر الوعي والفكر.
ووجود وسائل الإعلام المتعدده (صحف، إذاعات، قنوات تلفزيونية) يمنح الدعوة فرصة للوصول إلى أكبر عدد من الناس بسرعة وفاعلية.
4. الأثر الاقتصادي والاجتماعي
تأثير الدعوة في الخرطوم يمكن أن يمتد إلى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، حيث يمكن أن يسهم في تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية، مثل العمل التطوعي، التسامح، والأخلاقيات المهنية.
تحسين السلوكيات الاجتماعية في العاصمة قد يكون له تأثير كبير على باقي الولايات بسبب مركزية الخرطوم.
5. البُعد الاستراتيجي للدعوة
أي نجاح دعوي في الخرطوم يمكن اعتباره نموذجًا للتجربة يمكن تكراره في الولايات الأخرى.
من الناحية السياسية والدينية، الخرطوم هي قلب السودان، لذا السيطرة على الوعي والفكر فيها تعطي قوة كبيرة لأي حركة دعوية.
الدعوة في الخرطوم يمكن أن( تلعب دورًا كبيرًا في بناء مجتمع متماسك أخلاقيًا ودينيًا)، مما( يعزز الاستقرار الاجتماعي والسياسي).ونشر الوعي بعدد من الوسائل
ولاية الخرطوم تمثل مركز القوة الاستراتيجية للدعوة في السودان لهذا كان لابد من الاهتمام بها لتأثيرها الكبير على باقي الولايات. ان النجاح الدعوي في الخرطوم يعني تأثيرًا واسع النطاق يمكن أن يمتد إلى جميع أنحاء البلاد.ويبقي السؤال كيف تتوحد الجهود لكل الأجسام الدعوية في الولاية للقيام بهذا العمل الذي يمثل دفعه قويه لاستقرار الولاية
