رأي

البحر الأحمر خارج سرب الاستنفار… لجنة غائبة في معركة لا تحتمل الفشل

كتب: محمد عثمان الرضي

في توقيت وطني بالغ الحساسية، تخوض فيه القوات المسلحة السودانية معركة الكرامة دفاعًا عن الدولة ومؤسساتها، برزت لجنة الاستنفار والمقاومة الشعبية بولاية البحر الأحمر كنموذج مقلق للإخفاق التنظيمي والعجز عن مواكبة مقتضيات المرحلة. فبينما كانت الأنظار تتجه إلى هذه الولاية ذات الثقل الاستراتيجي لتكون في مقدمة الصفوف، جاءت النتائج مخيبة للآمال، وعكست واقعًا إداريًا مرتبكًا لا ينسجم مع حجم التحدي.

عجزت اللجنة العليا للاستنفار والمقاومة الشعبية بولاية البحر الأحمر عن تنظيم لقاء جماهيري حاشد ومنظم، قادر على إيصال رسالة قوية في دعم القوات المسلحة، على عكس ما فعلته لجان الاستنفار في ولايات أخرى، التي نجحت في تقديم نماذج مشرفة من حيث التنظيم، والحشد، والتأثير، واستطاعت أن تحرك الشارع وتستنهض الهمم وتخلق حالة وطنية متماسكة خلف الجيش.

هذا التفاوت الصارخ كشف عن خلل واضح وبائن في بنية اللجنة العليا بولاية البحر الأحمر، خلل لم يعد خافيًا على أحد، ويستوجب التدخل العاجل، بل حل اللجنة أو إعادة تشكيلها دون تأخير. فالمعركة الحالية لا تقبل لجانًا مترهلة أو أداءً باهتًا، ولا تسمح باستمرار أوضاع أثبتت فشلها على أرض الواقع.

ومن أبرز المؤشرات التي تعكس حالة الارتباك، الغياب شبه التام لرئيس اللجنة العليا القائد شيبة ضرار عن كافة أنشطة وفعاليات اللجنة، وهو غياب لا يمكن تفسيره إلا كدلالة واضحة على عدم الرضا عما يجري داخلها، أو على وجود أزمة عميقة في إدارة الملف. وفي المقابل، يبرز حضور نائب رئيس اللجنة الأستاذ علي الشيخ في جميع الأنشطة، بوصفه شخصية مقربة جدًا من والي ولاية البحر الأحمر، الأمر الذي يثير تساؤلات حول توازن الصلاحيات، وطبيعة صناعة القرار داخل اللجنة.

وفي هذا السياق، كان رئيس اللجنة القومية للاستنفار والمقاومة الشعبية الاتحادية، الفريق بشير مكي الباهي، قد أكد في مؤتمره الصحفي الأخير بمدينة بورتسودان، أن لجان الاستنفار بالولايات تقع مسؤوليتها المباشرة على ولاة الولايات، سواء في تعيين القيادات أو في الإشراف على تسيير العمل. وهو تصريح يضع والي ولاية البحر الأحمر الفريق الركن مصطفى محمد نور محمود أمام مسؤولية سياسية ووطنية مباشرة عن ما آلت إليه أوضاع اللجنة.

ويبدو جليًا للمتابع والمراقب أن هنالك حالة من عدم الانسجام والتنسيق بين والي الولاية وعضوية لجنة الاستنفار، وهو ما انعكس سلبًا على الأداء العام، وأدخل اللجنة في حالة من الشلل الإداري، أفقدتها القدرة على المبادرة، وأخرجها من دائرة الفعل إلى مربع الانتظار.

كما أن ضعف الأداء التنظيمي للجنة انعكس بصورة مباشرة على الشارع المحلي بولاية البحر الأحمر، حيث غابت البرامج الواضحة، وتراجعت روح التعبئة، ولم يشعر المواطن بوجود قيادة قادرة على توحيد الصف وتوجيه الطاقات نحو هدف وطني جامع. فالمجتمعات التي كانت تنتظر دورًا فاعلًا من لجنة الاستنفار وجدت نفسها أمام مشهد باهت، يفتقر للرؤية والخطاب المؤثر، ما أدى إلى فتور الحماس وتراجع المبادرات الشعبية.

ولا يمكن فصل هذا الإخفاق عن غياب التخطيط الاستراتيجي داخل اللجنة، إذ بدت تحركاتها ارتجالية وموسمية، بلا برامج تدريب مستدامة، أو آليات فعالة لاستقطاب الدعم المالي واللوجستي، أو حتى خطاب إعلامي منظم يواكب معركة الوعي. ففي زمن الحرب، لا يكفي رفع الشعارات، بل يتطلب الأمر عملًا مؤسسيًا منضبطًا، تقوده كفاءات حقيقية قادرة على الإنجاز لا مجرد الظهور.

الأخطر من ذلك، أن استمرار هذا الوضع يفتح الباب أمام فراغ تنظيمي قد تستغله جهات تسعى لإرباك الجبهة الداخلية أو إضعاف التماسك الشعبي، وهو ما يتعارض كليًا مع مقتضيات الأمن القومي. فولاية البحر الأحمر ليست ولاية هامشية، بل تمثل عمقًا استراتيجيًا وسياسيًا واقتصاديًا بالغ الأهمية، وأي تراجع في أداء لجان الاستنفار بها لا يعد شأنًا محليًا فحسب، بل قضية وطنية بامتياز.

وبينما انطلقت لجان الاستنفار والمقاومة الشعبية في معظم ولايات السودان بسرعة الصاروخ، ونجحت في تحريك المجتمعات المحلية، وتنظيم التدريب، واستقطاب الدعم المالي واللوجستي، ظلت لجنة ولاية البحر الأحمر في موقع “محلك سر”، دون أثر ملموس أو إنجاز يُذكر، وهو وضع لا يليق بثقل الولاية ولا بظرف البلاد.

إن معركة الكرامة لا تحتمل المجاملة ولا إدارة الأزمات بعقلية الترضيات. المطلوب اليوم إعادة نظر شاملة وجذرية في تشكيل لجنة الاستنفار والمقاومة الشعبية بولاية البحر الأحمر، تقوم على تقييم موضوعي، ومحاسبة صريحة، واختيار قيادات ميدانية فاعلة، تعمل بتناغم كامل مع السلطة التنفيذية. عندها فقط يمكن للجنة أن تتحول من عبء إداري صامت إلى قوة وطنية حقيقية تسند القوات المسلحة وتكون في مستوى التحدي التاريخي المفروض على الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى