رأي

*الاستقلال: A *Retrospective  *او* *دعوة للتبصر*   

 

علي عسكوري

تمر علينا اليوم الذكرى التاسعة والستين لاستقلال بلادنا، وهى ذكرى مدعاة للتفكير والتأمل. فبدلا من الاحتفالات التقليدية بين الناس التى تمر دون ان تترك اثرا، اذ ينساها الناس صبيحة لليوم التالي، يتوجب علينا جميعا وبلادنا تخوض حربا ضروسا ان نقف للنظر الى الوراء لنسأل انفسنا: هل كان بامكان بلادنا ان تكون افضل مما هى عليه اليوم؟

لا اطرح هذا السؤال من اجل البكاء على اللبن المسكوب فذلك غير مفيد، ولكنه دعوة للاعتبار من ما مضي.

ولذلك كل القوى السياسية مدعوة للتبصر ومراجعة مواقفها، فقد اكدت هذه الحرب انه لولا الصمود الاسطوري للقوات المسلحة لما وجدنا وطنا نختلف فيه وحوله! آمل ان تكون هذه الحرب قد وضعت حدا فاصلا للفشل الوطنى الطويل.

ان التبصر الذى ادعو له ليس لكى تجلد القوى السياسية نفسها، هذا ايضا غير مفيد، انما هو دعوة للبحث عن نقطة انطلاق من المشتركات مع القوى الاخري لتطويرها وتقويتها والبناء عليها لنصل جميعا الى ارضية مشتركة نبني عليها وطننا.

هذه الدعوة ليست لتنتقد القوى السياسية نفسها وتقصيرها واخطائها، انما ان لتبحث عن قواسم جديدة تجمعها مع القوى الاخري لنضمن استقرار بلادنا، فبغير الاستقرار يصبح الحديث عن التنمية ضرب من السخف لا طائل منه.

ان الواجب يقتضي على كل القوى السياسية ان تنظر في كافة التنازلات التى يمكن ان تقدمها من اجل ايجاد المساحة الضرورية للاخرين ليتعايشوا معها.

لقد اضر الاقصاء السياسي والنهج الاحادى ببلادنا ايما ضرر واودى ببلادنا الى ما هي عليه اليوم، ولذلك – وبعد كل هذه الدماء التى اريقت – اصبح من واجب اى قوى سياسية ان تنظر فيما تطرح ان كان يتيح مساحة للآخرين للتعايش معها ام لا ؟وان تنطلق من ذاتها وبطوعها لاستبعاد كل اجندة في برامجها تكون مدخلا لاقصاء القوى الاخري.

من واقع التجربة في العقود السابقة، اودى الاقصاء السياسي ببلادنا الى مهالك خطرة، حتى كادت ان تذهب ريحها بغير رجعة. والحال كذلك فقد اثبتت تجارب الحكم المختلفة ان اى برنامج سياسي آحادى ضرب ويضرب الوطن في مقتل، وليست هذه الحرب الا مقدمة لما هو اخطر منها ان لم تنتبه القوى السياسية وتتنازل لبعضها البضع وتؤطر خلافاتها على الحد الضرورى للتعايش مع الاخرين. فإن ذهب الوطن لن يجد اي من القوى السياسية مكانا ليطرح فيه برامجه، بل سيصبح الجميع مشردين ولاجئين مضطهدين اينما حلوا.

ان هذه الدعوة الغرض منها ان تنظر القوى السياسية الى الامام لا ان تسجن نفسها في الماضي، فواقع الحال يقول ان السبعة عقود الماضية كانت مجسم للفشل الوطنى، ولذلك فاجترارها غير مفيد، انما المفيد لبلادنا هو كيف نصنع مستقبلا افضل لبلادنا من خلال التنازلات المشتركة من الجميع لنضع اسس متينة لدولة وطنية تسعنا جميعا.

ختاما، لن ينقطع رجائى واملى في القوى السياسية ان تضرب صفحا عن الفشل وتخرج علينا باطروحات جديدة، توحد ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تحيي النفوس والامل ولا تزرع القنوط في الوطن، تسامح ولا تنتقم.

ان شعبنا شعب عظيم وكريم يستحق حياة افضل من هذا الموت والخراب والنزوح والتشرد واللجؤ وبلادنا تسعنا جميعا ان وقيت القوى السياسية شح برامجها الاقصائية!

وكل عام و بلادنا بخير وسلام

هذه الارض لنا

نقلا عن صحيفة “أصداء سودانية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى