الإقرار المسبق للشحنات.. أزمة متصاعدة بين الحكومة والقطاع الخاص

نازك شمام 

على خلاف ما يظهر في الاجتماعات العامة بين القطاع العام، الذي تمثله الحكومة، والقطاع الخاص الذي يمثله رجال الأعمال، فإن العلاقة بين الطرفين تسير في طريق محفوف بالمطبات والمنحدرات الخطيرة. فالحكومة تنظر إلى القطاع الخاص كشريك يقع على عاتقه المساهمة في تنمية البلاد وإقامة المشاريع الإنتاجية وتحريك عجلة الاقتصاد، ومن جهة أخرى، هو المورد الأول للإيرادات المحلية من حيث الضرائب والجمارك. بينما يرى رجال الأعمال أن الحكومة جهة جبائية تُكبل عملهم وتقيده عبر رسوم مالية ترهق كاهلهم تحت مسميات عديدة، مما يعيق دورهم المنوط بهم.

وخلال الفترة الماضية، أجازت الحكومة، ممثلة في وزارة المالية والهيئة العامة لشرطة الجمارك، قرارًا بتطبيق نظام إقرار الشحنة المسبقة (ACD)، الذي سيبدأ العمل به في 1 يناير 2026.

ووفقًا لهيئة الجمارك، يهدف القرار إلى المساعدة في تسهيل وتبسيط الإجراءات من خلال تطبيق النظم والمفاهيم الحديثة في التجارة العالمية.

وحسب مذكرة من الغرفة القومية للمستوردين، رُفعت إلى رئيس مجلس الوزراء، د. كامل إدريس، فإن القرار جاء بناءً على اتفاق شراكة موقع بين وزارة المالية وهيئة الجمارك مع شركة (ساسيتينبل ألفا) لإنشاء منصة الإقرار المسبق للشحنات بتاريخ 30 أكتوبر 2025.

وقال مدير عام الجمارك إن النظام يتوافق مع المعايير الدولية في هذا المجال، ويحسن كفاءة الأداء من خلال تبسيط إجراءات التخليص الجمركي. كما يضمن تحصيل الضرائب الحقيقية على البضائع، مما يعظم الإيرادات العامة للدولة. وأشار إلى أن نظام إقرار الشحنات المسبق مطبق في دول مثل مصر والسعودية والإمارات وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي.

رفض القرار:

بيد أن القرار قوبل بالرفض من جانب المستوردين، الذين أكدوا أن وزارة المالية لم تعرض عليهم القرار بهدف التنوير أو المشورة، رغم أنهم المعنيون به.

واعتبر خبير التجارة الدولية، حبيب الله عبد الوهاب، أن قرار الشحن المسبق يتعارض مع نظام تحصيل الإيرادات المتعلق بالقيمة الجمركية للبضائع المشحونة. وقال عبد الوهاب لــ”المحقق” إن “النظام لا يقدم حلولًا عملية في التعامل مع وصف البضاعة المشحونة، بالإضافة إلى أن كلفة الإصدار التي يتحملها المواطن السوداني تذهب إلى شركات أجنبية، علاوة على تعقيدات إجراءات الإصدار نفسها”.

ورجح حبيب الله أن يسجل النظام أهدافًا، لكنها ستكون أهدافًا عكسية، وفق قوله.

الربط الشبكي:

وأشار عبد الوهاب إلى أن النظام الجمركي الحالي متقدم جدًا ويستطيع الإجابة على متطلبات التحول الرقمي، بما يشمل الربط الشبكي مع شركاء التخليص الجمركي من بنوك ووزارات وهيئات ووكلاء تخليص وموردين.

وأوضح أن النظام الحالي يقوم على أحدث بروتوكول للاتفاقية الدولية لتبسيط وتنسيق الإجراءات الجمركية، ويمكنه تحقيق أهداف على صعيد كفاءة تحصيل الإيرادات وحماية المستهلك. وأضاف “لو كانت هناك ضرورة لإنشاء منصة إلكترونية لمعالجة عمليات التجارة الدولية، فلتكن وطنية خالصة”. وفق قوله.

وكشف حبيب الله عن أن التكلفة الدولارية التي تطالب بها الشركة الأجنبية سيتحملها المواطن السوداني في النهاية، لأن النظام يفرض تعريفة عالية على أي طن يدخل البلد بحرًا أو جوًا أو برًا، بمتوسط 4 دولارات لكل طن. وأشار إلى أن واردات السودان لعام 2024 تقدر بنحو 4.3 مليون طن لمختلف السلع الواردة، استنادًا إلى العرض الإحصائي للبنك المركزي. وبالتالي، ستحصل الشركات الأجنبية على نحو 16 مليون دولار سنويًا.

مخاطبة البرهان:

من جهته، كشف رئيس الغرفة القومية للمستوردين، الصادق جلال، عن عزمهم مخاطبة رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لتوضيح الآثار الخطيرة التي ستحدث في الاقتصاد السوداني إثر تطبيق نظام الإقرار المسبق للشحنات (ACD) ابتداءً من الشهر المقبل.

وقال في حديثه مع “المحقق” إنهم يرفضون الحملة الإعلامية الموجهة ضد منسوبي الغرفة واتهامهم بالتهريب وعمليات غسيل الأموال، إثر اعتراضهم على تطبيق نظام (ACD). وأوضح أن قطاع الاستيراد وطني يعمل في ظروف قاهرة، وفي ظل حصار اقتصادي خانق، بالإضافة إلى ظروف “حرب الكرامة”، حيث يعمل القطاع على تأمين السلع الاستراتيجية والأساسية والضرورية رغم الصعوبات والتعقيدات الإجرائية و”العقلية الجبائية العقيمة” التي تعترض عملية الاستيراد.

قرار خاطئ:

و وصف الصادق قرار إلزامية تطبيق نظام إقرار الشحن المسبق (ACD) بالقرار الخاطئ الذي لم يراعِ المصلحة العامة، وأُخذ دون أدنى تنسيق، وأنه لا يحقق أي أهداف تصب في مصلحة الاقتصاد السوداني. وقال إن السرعة في اتخاذ القرار “مريبة”، بجانب إيكال أمر تنفيذه لشركة بريطانية لا تمتلك تجربة ولا خبرة، وأضاف: “نحن لا نثق فيمن يقفون خلفها ولا في نواياهم، مما يعرض أمن معلومات وبيانات عملية الاستيراد لخطر أكيد، ويمتد لتهديد الأمن القومي”.

وأكد أن الغرفة تقدمت بمذكرة اعتراض لرئيس مجلس الوزراء بتاريخ 4 ديسمبر الحالي، قام بتحويلها لوزيرة التجارة والصناعة، ولم يتم الرد عليها حتى الآن، وأرسلت خطابًا لوزير الاتصالات بتاريخ 17 ديسمبر، ولوزير المالية بتاريخ 21 ديسمبر، دون تلقي أي رد أيضًا.

وانتقد الصادق جلال عدم استشارة الغرفة ومنسوبيها أو أخذ رأيهم، أو حتى تنويرهم حول النظام الجديد.

واعتبر إرغام المنسوبين على تقديم بيانات الاستيراد لشركة أجنبية عبر منصة عالمية ذات نطاق عبر الرابط ( www.acdsudan.com)، بالإضافة إلى اعتماد رسوم باهظة فُرضت قسرًا دون أي سند، عملًا غير قانوني.

إيقاف التطبيق:

وبدوره، طالب عضو الغرف التجارية والصناعية، معاوية أبايزيد، بإيقاف تطبيق نظام تتبع الواردات بسبب الرسوم العالية المترتبة عليه والبالغة 150 دولارًا أمريكيًا، وصدور القرار دون الرجوع للغرفة التجارية وإتحاد المخلصين والمستوردين وأصحاب الأعمال ومشورتهم.

ودعا في حديث لــ”المحقق” بإجراء تحقيق إداري وقانوني مستقل حول إجراءات التعاقد مع شركة سوستينابول آند ألفا قروب الأسترالية، المنفذة للنظام، دون توضيح معايير اختيارها. وأشار إلى غياب الشفافية في العقد الموقع، ما يضر بالاقتصاد السوداني ويؤدي لارتفاع الأسعار، وزيادة الأعباء المعيشية على المواطنين الذين يعانون من الحرب والنزوح داخل وخارج البلاد، علاوة على معاناة الموردين من تعقيدات بيروقراطية واضحة.

وأشار أبايزيد إلى تطبيق القرار في ظل حصار اقتصادي خانق على السودان، ومنع التصدير إليه من عدد كبير من الدول، وتوقف صادراته مع العديد من الشركاء التجاريين، إضافة إلى مشاكل الاتصالات التي أصبحت شبه منعدمة في مناطق واسعة من البلاد،

سرقة ونهب:

وقال أبايزيد إن البنية التحتية للمحطات الجمركية، بما فيها ميناء سواكن، تعاني من ضعف شديد وافتقارها للحد الأدنى من مقومات العمل، وتواجه عمليات سرقة ونهب متكررة للممتلكات الخاصة، رغم قربها الجغرافي من مقر مدير عام قوات الجمارك السودانية.

وأكد أن الغرفة القومية للمستوردين ناشدت رئيس الوزراء بشأن هذه القرارات، غير أنها لم تتلق ردًا عليها حتى الآن. وطالب أبايزيد بإيقاف هذا القرار ومراجعة العديد من الإجراءات التي لا تخدم التجارة، كتصديق الفواتير المبدئية وإجراءات نموذج (IM) وشهادات المنشأ، خاصة في ظل الحصار الاقتصادي وحظر المصارف السودانية من التعامل بالدولار واليورو والجنيه الإسترليني.

نشر صورة العقد:

ووصف أبايزيد هذه الإجراءات بأنها تعرقل انسياب الواردات وتؤدي لزيادة تكلفتها وتعطيل الصادرات، ما يسهم مباشرة في ارتفاع الأسعار وتراجع الإنتاج. وقال: حتى الدول التي تطبق النظام، مثل كندا ومصر، تطبقه بدون رسوم، مع قرار أن يكون التخليص لـ(48) ساعة، أما في السودان فشهر كامل.

كما طالب بنشر صورة العقد مع الشركة للرأي العام، وتوضيح حجم الضرائب والرسوم التي تدفعها الشركة للدولة قبل التوقيع، وذِكر الجهة التي استجلبتها، ولماذا لم يتم اختيارها عبر عطاء مفتوح، خاصة أن النظام المعني برنامج بسيط يمكن تنفيذه داخليًا، ولماذا لا تقوم الجمارك السودانية بتنفيذه مباشرة عبر تعيين كوادر مختصة.

Exit mobile version