تقرير – رحاب عبدالله
اطلق اقتصاديون ومراقبون تحذيرات من استمرار التعامل بالعملتين الجديدة والقديمة في الخرطوم والجزيرة وغيرها من المناطق التي تم تحريرها من قبضة مليشيا الدعم السريع، بجانب استمرار التعامل بالفئات القديمة في دارفور والمناطق تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع، موضحين أن ذلك يؤدي لانتشار تزوير العملة وبخاصة في المناطق النائية التي يصعب على المواطن التفريق فيها بين الفئات الصحيحة والمزورة، وترفض البنوك استلام العملات المزيفة مما يفاقم مشاكل المواطنين الذين يحصلون عليها من الأسواق، بجانب أن العديد من تلك المناطق لا توجد فيها فروع للبنوك عاملة، ويواجه مواطني الولايات التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع تعقيدات سياسية وأمنية، لأنه لا توجد مصارف عاملة، فضلا عن منع المليشيا التعامل بالعملة الجديدة في مناطق سيطرتها.
وتسجل أقسام الشرطة في مناطق سيطرة الجيش من وقت لآخر القبض على عصابات لتزوير العملة وهناك شكاوي من المواطنين أن العملة القديمة صارت ممزقة والكثير من التجار يرفضون اخذها ليجد المواطن نفسه أمام مأزق عدم قدرته على شراء احتياجاته اليومية لشح السيولة وعدم توفر الموارد الكافية لديه.
*جدوى الاستبدال*
وفيما يدور حديث عن وجود تداول للعملة السودانية الملغاة، وبالتالي عدم جدوى استبدال العملة الذي تم وكلف الخزانة ملايين الدولارات، غير ان محافظ بنك السودان المركزي برعي الصديق السابق أكد في حديثه ل(الجزيرة نت) قبيل اقالته أن هذه مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة.
مبينا ان المرحلة الأولى من عملية استبدال العملة تمت بنجاح تام، وبتنسيق محكم بين أجهزة الدولة عبر لجنة عليا تم تكوينها للإشراف على العملية، وقطع بعدم تداول فئات ملغاة، واوضح ان ما تم هو استبدال تدريجي للعملة، بدأ في مرحلته الأولى بثماني ولايات كانت الظروف الأمنية فيها مهيئة لعملية الاستبدال، وتم سحب بعض الطبعات القديمة من التداول من فئتي الألف و500 جنيه وطرح طبعات جديدة أكثر أمانا لتعزيز الثقة في العملة الوطنية وتقليل التعاملات النقدية خارج البنوك عبر تحديد سقف للسحب النقدي.
واكد برعي الصديق ان الولايات التي لم تجر فيها عملية الاستبدال حتى الآن، ما زالت هذه الفئات سارية فيها بأمر البنك المركزي، وبالتالي ليس هنالك تداول لفئات ملغاة، لأن إلغاء الفئات يعني أنها خارج النظام المصرفي ولا يعترف بها في التعاملات الرسمية وهذا ليس الواقع.
مضيفا ان هذه العملية كانت ضرورية لحماية العملة الوطنية من التزييف بعد النهب الواسع الذي تعرضت له البنوك وشركة مطابع السودان للعملة بواسطة المتمردين.
واعلن ان عملية الاستبدال ستكتمل لاحقا في جميع الولايات التي لم تشملها المرحلة الأولى، وسيتم استبدال الطبعات القديمة من فئتي الألف و500 جنيه بالكامل وإعلانها غير مبرئة للذمة.
*آثار سلبية*
واعتبر الخبير الاقتصادي د.محمد الناير ان تأخر استبدال العملة في مناطق تم تحريرها قبل حوالي أربع أو خمس أشهر، مثل ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة وولايات أخرى مثل النيل الأبيض خلل كبير جدا ، وقال في حديثه ل(الاحداث) كان يفترض أن تتوافق سياسات بنك السودان المركزي مع ما يتم تحريره من مناطق ويتم استبدال العملة فيها بصورة مباشرة مع التحرير ومع التأمين بالكامل لكي يكون الاستبدال تم في كل الولايات عدا ولاية دارفور وبعض ولايات كردفان أو إلى حين التمكن من كردفان.
ورأى الناير أن التأخير له تأثير سلبي وقد يكون واحدا من الأسباب الرئيسية لتراجع قيمة العملة الوطنية، باعتبار أن هذه الولايات الآن مسموح لها أن تأتي بأموال من أماكن التمرد وتأتي إلى هذه الولايات وتستبدل إلى نقد أجنبي دولار أو غيرها من الأشياء. ورأى الناير أن هناك بطء كبير جدا في تنفيذ هذا الأمر، ودعا بنك السودان المركزي لاستعجال قضية تبديل العملة في هذه الولايات في أسرع وقت ممكن في المرحلة القادمة. لأن التبديل الذي حدث لم يكن تبديلا كاملا، هو تبديل جزئي وستتبعه خطوة أخرى. واعرب عن امله أن يكون البنك المركزي على اهبة الاستعداد ويقوم بالفعل في دراسة التركيبة الفئوية للعملة السودانية ويقوم بالفعل بطباعة عملة جديدة والتفكير في حذف الأصفار من قيمة العملة بحيث يكون الألف جنيه هي الجنيه والخمسمائة جنيه هي خمسين قرش. وأن يتم الاستعداد ولا يحتاج البنك المركزي طالما أن هناك نجاح كبير في عملية تبديل العملة التي تمت بصورة جزئية في أن يتم التعامل من قبل المواطنين السودانيين عبر التطبيقات المصرفية بنسبة عالية.د، وراى هذا لا يتطلب طباعة عملة نقدية بكميات كبيرة، بل فقط يمكن أن تكون هذه الفرصة المناسبة لاتخاذ قرار جريء في دراسة التركيبة الفئوية والعمل على استبدال العملة وتجهيز الكميات المناسبة لاستبدالها دون الإعلان عن هذا الأمر ودون الإعلان عن تاريخ الاستبدال. يجب أن يستعد البنك المركزي لذلك وأن يشرع في تجهيز العملة الجديدة والتفكير في حذف الأصفار وتحديد التركيبة الفئوية الجديدة، ومن ثم يكون مستعد وجاهز لأن يطلق هذا الأمر لمطلع العام القادم على سبيل المثال أو للربع الأول حسب تطورات الأوضاع واقتراب انتهاء الحرب.”
*قرار حتمي*
من جانبه رأى الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي في حديثه ل(الاحداث)أن ما حدث من نهب وسرقة بداية أيام الحرب في ولايات الخرطوم وسنار والجزيرة نتج عنه انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير المطابقة للمواصفات الفنية للعملة السودانية، مع انتشار العملات المزيفة والمزورة الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السلبي على استقرار المستوى العام للأسعار.
وأضاف أن تغيير العملة كان قرارا سياسيا ويتطلب توفير مئات الملايين من الدولارات، كما أن العملية معقدة فنياً وإدارياً خاصة في ظل الأوضاع الراهنة منها السياسية والاقتصادية والأمنية التي تشهدها البلاد، لذا فإن الوقت الذي استغرقته ليس طويلاً في ظل ظروف البلاد الأمنية والاقتصادية. وقال فتحي إن القرار كان ضروريا وحتميا في ظل ظروف السودان، وهو خطوة عاجلة للقضاء على التزوير والحد من السيولة المتاحة في أيدي المضاربين، وذلك بهدف استعادة التوازن الاقتصادي وإدخال الأموال إلى الدورة النقدية الصحيحة، وأشار إلى أن تغيير العملة يتطلب آليات مصاحبة من أجل تخفيض عرض النقود في الاقتصاد ومكافحة التزوير وتفعيل الدفع والسداد الإلكتروني بخصوص شراء السلع والخدمات فضلا عن وضع ضوابط لاستخدامات النقد الأجنبي. ولفت إلى ضرورة زيادة كمية الأوراق النقدية من العملة المحلية المتداولة الجديدة لتعويض الخسارة التي حدثت في القوة الشرائية للمستهلكين خشية حدوث ركود اقتصادي، ونوه إلى أن هناك ولايات تتعامل بعملات غير الجنيه السوداني مثل دولار أميركي أو عملات دول الجوار، خاصة أن هذه الولايات أصلا هي خارج منظومة اقتصاد البلاد.
